"من يقبل بخصخصة المياه يقبل بخصخصة الحياة"
١٣ ديسمبر ٢٠٠٩رغم أن الاستهلاك السنوي للفرد من المياه في بلد مثل سوريا أقل بكثير عن مثيله في ألمانيا (650 مقابل أكثر من 1000 متر مكعب في السنة)، فإن ترشيد استهلاك المياه يشكل بالنسبة لسوريا أحد ابرز تحديات السنوات القادمة. أما السبب الرئيسي وراء ذلك فيعود إلى نقص مصادر المياه العذبة من جهة، والحاجة المتزايدة لها على ضوء النمو السكاني والاستهلاك الزراعي والصناعي لها من جهة أخرى. يضاف إلى ذلك أن التغيرات المناخية التي يصاحبها جفاف متزايد يفرض على جميع الدول طرق وأساليب جديدة للحفاظ على ثرواتها المائية. هذا ما يتفق عليه المشاركون في الأسبوع الألماني- السوري الرابع للبيئة، الذي استضافته مدينة حلب السورية للفترة من 6 ولغاية 12 ديسمبر/ كانون الأول 2009.
وإذا أتفق المشاركون على أهمية الترشيد وأساليب القيام به ليس في سوريا فقط، بل وفي الدول الصناعية مثل ألمانيا، فإن الآراء تختلف حول السياسات التي ينبغي أتباعها إزاء الترشيد في قطاع المياه. هذا ما تضح من خلال المداخلات التي قدمت في محور "اقتصاديات المياه والتنمية المستدامة" الذي احتل مساحة كبيرة في أجندة الأسبوع، الذي انعقد بالتزامن مع قمة كونبهاغن العالمية لتغيرات المناخ.
معالجة مياه الصرف الصحي
ومن أبرز الطرق التي ناقشها المشاركون على صعيد ترشيد استهلاك المياه، طرق معالجة مياه الصرف الصحي عن طريق محطات تنقية كبيرة الحجم بغية إعادة استخدامها لأغراض الزراعة التي تستهلك النسبة الأكبر من المياه. ومن ميزات هذه المحطات أنها لا تخفف العبء عن مياه الأنهار والينابيع العذبة فقط، بل ويمكن أن تشكل رافداً لها أيضاً. ومن الأمثلة على ذلك مياه الصرف الصحي المعالجة التي ترفد نهر "إيزر" في مدينة ميونيخ الألمانية.
فالعديد من محطات المعالجة تحول مياهها إلى هذا النهر على حد قول البروفسور ماتياس بارجينبرخ Mattias Barjenbruch من جامعة برلين التقنية TU Berlinغير أن بارجينبرخ يؤكد على أهمية التقيد بشروط صحية عالية لتحضير مياه الصرف الصحي للري كونها تحتوي على بيوض وديدان وجراثيم وعناصر معدنية ثقيلة قد تشكل ضرراً على الصحة من خلال تناول منتجات المزروعات التي تُروى بها. ولا يقلل من مخاطر ذلك حسب بارجينبرخ احتواء هذه المياه على عناصر كثيرة مغذية للتربة وفي مقدمتها الفوسفور والنتروجين. ومما يعنيه التقيد بالشروط المذكور معالجة المياه على عدة مراحل بغية التخلص من العناصر الضارة بالبيئة فيها كما يحصل في محطات المعالجة حالياً في مدينة بوتسدام الألمانية، حسب البروفسور بارجينبرخ.
وقد مكنت التقنيات الحديثة من إنتاج وحدات مياه صغيرة تقوم بمعالجتها في المنازل والمنشآت الصناعية والفنادق وغيرها. ففي بعض منازل برلين على سبيل المثال يتم فصل مياه المغاسل عن مياه الاستحمام ومعالجتها بمساعدة وحدات معالجة صغيرة الحجم تركب في زاوية الحمام أو إحدى الغرف الأخرى كما ذكر بارجينبرغ. ويتم استخدام المياه المعالجة للمراحيض وأغراض أخرى مجدداً.
كما لفت الخبير الألماني إلى أنه ما يزال أمام سوريا طريق طويل لبناء محطات كافية تقوم بمعالجة مياه الصرف الصحي بغية الاستفادة منها كما هو عليه الحال في بلد مثل ألمانيا. غير أن الدكتور برهان قاسمو، معاون مدير فرع حوض الفرات الأعلى في سوريا، يرى بأن سوريا بدأت تعني أهمية المعالجة المذكورة بدليل وجود مشروع في مدينة حلب للقيام بذلك. وأشار قاسمو في حديث خص به دويتشه فيله إلى وجود محطات أخرى في حلب وغيرها، تعالج مياه الصرف بغية استخدامها لأغراض السقي لاحقاً، وأضاف بأن هناك حاجة لتحديث الكثير منها بالاعتماد على تقنيات عالمية كالتقنية الألمانية.
نهر بردى مثال على ضعف الاهتمام بالحفاظ على الموارد المائية
البروفسور الدكتور أوي تروجر Uwe Troeger من جامعة برلين التقنية ركز في حديثه على ضعف الاهتمام بالحفاظ على الموارد المائية من خلال أمثلة بينها نهر بردى الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بميلاد مدينة دمشق. وفي هذا السياق تحدث تروجر عن قنوات الصرف الصحي التي تصب مياهها فيه دون معالجة، وعن اختلاط هذا المياه بمخلفات الديزل والبنزين تلوث التربة والمياه معاً. كما لفت النظر إلى كميات القمامة التي تتجمع على أطرافه، وهو أمر يجعل مياهه ملوثة بنسب عالية.
إلا إن الدكتور وهيب سهوان أستاذ في علم الجيولوجيا في جامعة حلب السورية أشار في هذا السياق إلى بعض المبادرات الهادف للحفاظ على مياه النهر بما فيه توعية الناس إلى مخاطر تلويثه على دمشق ومحيطها. وتحدث سهوان عن الاستفادة من الخبرات الألمانية في هذا المجال، وخير دليل على ذلك معظم محطات المعالجة التي يتم بنائها حالياً، تتولى الإشراف على تنفيذها شركات ألمانية.
خصخصة قطاع المياه
نقاط الاختلاف برزت أثناء الحديث عن السياسات، التي ينبغي اللجوء إليها من اجل ترشيد استخدام المياه. وفي هذا السياق قال بعض الخبراء بأن تجنب الهدر وتشغيل محطات المياه على أكمل وجه لا يكون إلا بخصخصتها، أو على الأقل بإشراك القطاع الخاص فيها من خلال توليه أمور إدارتها على سبيل المثال. فالقطاع العام على حد تعبير إدغار فيرمينيش Edgar Firmenich، مدير شركة مياه برلين ، يعاني من نقاط ضعف أبرزها ضعف الكفاءة. ومن أسباب ذلك تشغليه لعدد أكبر مما يحتاجه من العاملين، وهو أمر يحد من مردوداته وقدرته على تحديث منشآته وتطويرها. ويضيف فيرمنش بأن القطاع الخاص يولي أهمية كبيرة للمردود والربح ونوعية الخدمات، ومن منافع الخصخصة تقليل استهلاك المياه بسبب ارتفاع الأسعار.
أما الأرباح التي تُجنى فيتم تقاسمها مع الدولة، التي يمكن أن تستخدم الأرباح لمشاريع إنشائية أو اجتماعية أخرى. وكلما زادت أرباح القطاع الخاص زاد نصيب الدولة منها كما هو عليه الحال في برلين بعد خصخصة إدارة قطاع المياه فيها من قبل الحكومة المحلية.
غير إن ماتياس بينس Mathias Behnis من شركة برلينر فاسيرتيش Berliner Wassertisch فيرى بأن من يقبل بخصخصة المياه يقبل بخصخصة الحياة، ومن يتضرر منها هو المواطن، ويضرب مثلاً على ذلك بأنه منذ عام 1993 حتى 2009 زادت أسعار المياه في ألمانيا بنسبة ثلاثين في المائة. وجاء ذلك بالتزامن مع ارتفاع نسبة مشاركة القطاع الخاص مشاريع المياه من 22 حتى 42 في المائة، وارتفعت معها نسبة أرباحه الناجمة عن زيادة تسعيرة المياه. ويضيف بينس بالقول: "صحيح إن البلديات حصلت على عائد مادي ولكن لفترة قصيرة جداً، ثم عادت لتتحمل أعباء مادية لفترات طويلة كانت في غنى عنها". وبحسب الخبير الألماني فإن الشركات الخاصة لم تلتزم بالاتفاقيات المبرمة بعدم تسريح العمال، كما إن حجم الاستثمارات انخفض، ويوجد العديد من الأعطال في شبكة الصرف العامة في ألمانيا، هذا عدا عن ارتفاع منسوب المياه في أماكن عدة.
ونتيجة لكل هذا يوجد مقاومة شعبية كبيرة ضد خصخصة المياه كما يقول بينس. كما وجه رسالة مفادها: "لا تقعوا في الخطأ الذي وقعت به ألمانيا، أي خصخصة المياه من ثم المطالبة بإعادتها إلى حظيرة الدولة، فهي الذهب الأزرق الذي سيكون أحد الأسباب الرئيسية للحروب القادمة". ويضرب بينس مثلاً من مدينة بوتسدام الألمانية حيث تم عام 1998 خصخصة مياه بوتسدام. وتم بيع 49 في المائة من ممتلكات الشركة العامة لشركتين فرنسية وألمانية، ونتيجة ذلك حصلت زيادة في أسعار المياه مباشرة ووقعت العديد من المشاكل بين شركتي القطاع الخاص وشركة المياه، ما أسفر عن إلغاء الاستثمار وإعادة مياه بوتسدام إلى عهدة القطاع العام.
وبالإضافة إلى موضوع المياه ركز الأسبوع الألماني- السوري للبيئة هذا العام على الطاقات المتجددة والأبنية الموفرة لها، وعلى معالجة المخلفات الصعبة من خلال مشاريع مشتركة مع ألمانيا تم تنفيذها في سوريا وعدة دول عربية. وقد نظم مؤتمر هذا العام جامعتي روستوك الألمانية وحلب السورية بدعم من محافظة حلب والجمعية السورية لخريجي الجامعات والمعاهد الألمانية وجهات ألمانية عدة.
الكاتبة: عفراء محمد- حلب، سوريا
مراجعة: عماد م. غانم