من هروب إلى آخر.. نازحون من دارفور يعانون الأمرين في تشاد
٣٠ مايو ٢٠٢٣بين ليلة وضحاها انقلب حال الأم الشابة السودانية بورنون خميس هارون رأسا على عقب فبعد أن كانت تعيش مع عائلتها وأطفالها الخمسة في إقليم دارفور في سلام، تحول الأمر إلى كابوس وأجبرت على الفرار إلى تشاد حيث يواجهون مصيرا مجهولا.
كان ذلك بعد أقل من شهر من اندلاع القتال بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) في 15 أبريل/ نيسان.
وعلى وقع ذلك، قامت بورنون ذات الخمسة والعشرين عاما باصطحاب أطفالها الخمسة لشد الرحال عن قريتهم كانجا حرازه بإقليم غرب دارفور فيما لم تكن رحلة الهروب بالأمر الهين إذ ساروا لمدة يومين من أجل عبور الحدود والوصول إلى وجهتهم النهائية في تشاد.
ولم تستطع بورنون وأطفالها حمل أي شيء من قريتهم سوى بعض الملابس قد تعينهم على تحمل وطأة الظروف خلال الرحلة.
وعقب الوصول إلى تشاد، سكنت بورنون وأطفالها في مخيم بقرية بوروتا الحارة والقاحلة في شرق تشاد حيث تعيش الأسرة في ظل ظروف إنسانية قاسية تفتقر إلى أبسط الضروريات، إذ تعيش داخل خيمة ليست سوى مجموعة من أغصان الأشجار.
وبنبرة يعتصرها الأسى، قالت بورنون "قُتل زوجي في الأحراش عندما ذهب ليبحث لنا عن بعض الحطب".
أزمة جديدة
وكان فرار بورنون وأطفالها في إطار هروب مئات الآلاف من سكان دارفور إلى بلدان الجوار السوداني، إذ فر نحو 259 ألف شخص من البلاد فيما بلغ عدد النازحين داخل البلاد 1.8 مليون شخص منذ بدء القتال، وفقًا لوكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة.
يشار إلى أنه منذ مطلع أبريل / نيسان الجاري، تصاعدت التوترات بين البرهان وحميدتي على وقع خطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني.
بيد أن القتال لم يقتصر على العاصمة الخرطوم بل امتد إلى منطقة دارفور التي مازلت تعاني من إرث ثقيل من عنف وحرب أهلية ومعارك منذ عام 2003 حيث قتل مئات الآلاف.
لكن مع تصاعد القتال بين البرهان وحميدتي، بات إقليم دارفور يعاني مجددا من أزمة إنسانية بعد أن أصبح بؤرة ساخنة لهذا التناحر بين الجنرالين، فيما أفادت الأمم المتحدة بمقتل 96 شخصا على الأقل في ولاية غرب دارفور وحدها جراء عمليات النهب والتدمير التي قام بها عناصر من الميليشيات.
موارد محدودة
وكحال غيرها من سكان المخيم المٌقام في قرية بوروتا، تعاني بورنون وأطفالها من أوضاع مأساوية خاصة وأنه لم يتم تسجيلها في المخيم حتى الآن ما يعني أنها لن تستطيع الحصول على طعام لأطفالها الخمسة.
وعلى وقع ذلك، تعتمد بورنون على بعض المساعدات التي تحصل عليها من بعض سكان المخيم الذين لا يمتلكون الكثير.
وتقول وكالات الإغاثة إن 60 ألف سوداني على الأقل موجودون الآن في تشاد وحدها فيما لم يتم تسجيل العديد منهم فيما يُعد مخيم بوروتا حاليًا أكبر تجمع للاجئين إذ يأوي أكثر من نصف اللاجئين.
ويعاني المخيم من نقص حاد من الموارد حيث يوجد بئر تم حفره من قبل وكالات الإغاثة لتوفير المياه للاجئين، لكنه دائما ما يشهد ازدحاما. فضلا عن نقص حاد من الاحتياجات الأساسية ما ينذر بتفاقم الأزمة.
معاناة سكان من تشاد
ولم يكن سكان دارفور وحدهم من فروا إلى تشاد بعد اندلاع موجة القتال الأخيرة، بل فر أيضا عدد من سكان تشاد ممن كانوا يعيشون في إقليم دارفور منذ لسنوات عديدة.
ونظرا لأنهم من تشاد، فإنه لم يتم تسجيلهم كلاجئين حيث تركز غالبية المساعدات الإنسانية على اللاجئين السودانيين.
ومن داخل مخيم بقرية تومتوما على بعد عدة ساعات من قرية بوروتا الحدودية، يحاول حوالي 7000 مواطن من تشاد عادوا للتو من السودان العيش في بلادهم، فيما يعد بئر شارف على الجفاف، المصدر الرئيسي للمياه وسط بطء في وصول المساعدات الغذائية.
ومؤخرا، جرى افتتاح عيادة طبية متنقلة لكنها مكتظة بالأمهات اللواتي يسعين إلى علاج أطفالهن من الملاريا. ويصر الكثير منهم على البقاء في تشاد وعدم العودة مجددا إلى السودان رغم الظروف القاسية في الوقت الراهن.
وفي ذلك، قالت سادي إدجا، وهي أم لثلاثة أطفال، "ليس لدي أمنية سوى العيش في استقرار وسلام لأن ما يحدث مروع".
تفاقم الأزمة
بدوره، أشار باتشياكا سينجير منسق برنامج الغذاء العالمي إلى وجود نقص حاد في التمويل حتى قبل اندلاع الحرب الأهلية وهو ما يؤثر على الوضع الحالي.
وأضاف "أعتقد أنها واحدة من أكثر الأزمات إلحاحا في الوقت الحالي حيث أصبحت حياة الكثيرين في خطر...نعاني من نقص حاد في وسائل مساعدة اللاجئين".
يشار إلى أن تشاد تشهد منذ بدء أزمة دارفور لأول مرة قبل عام 2003 انتشارا في مخيمات اللاجئين التي تستوعب حتى الآن حوالي 400 ألف لاجئ، فيما لا يزال الكثير منهم يعتمدون فقط على المساعدات.
وبمرور الأعوام، باتت هذه المخيمات بمثابة مستوطنات شبة دائمة وهي مازالت تعاني من نقص التمويل.
العيش بين الحياة والموت
يقول سينجير إنه يتعين إنشاء مواقع جديدة ذات بنية تحتية مناسبة في مناطق أكثر أمانا لاستيعاب اللاجئين، مضيفا أن مخيمات اللاجئين في تشاد تقع بالقرب من السودان ما يشكل خطرا على حياتهم إذ يضطر الكثير منهم إلى العودة إلى قراهم لجمع بعض ممتلكاتهم.
وأفاد مسؤول إغاثة، طلب عدم الكشف عن هويته، في مقابلة مع DW بمقتل أحد اللاجئين أثناء عودته إلى قريته في السودان.
وبالعودة إلى الأم الشابة بورنون، فتؤكد أنها تركز الآن على كيفية بناء حياة جديدة رغم الصعاب والوضع المأساوي، مضيفة "لقد أبعدتني الحرب عن وطني، لا أعرف ماذا يحمل لنا مقبل الأيام".
شولا لاوال / م.ع
بليز داريستون ساهم في إعداد التقرير