من القذافي للسعودية.. شبهات وأزمات بالغرب سببها أموال عربية
٤ أغسطس ٢٠٢٠يبدو أن للأموال العربية الأثر الكبير على بعض زعماء الدول الأوربية ومصير المسيرة السياسية والقيادية لكل منهم. فقد رافقت الفضائح المالية المرتبطة بشكل أو بآخر الشرق الأوسط العديد منهم، فرسمت طرقات أخرى مختلفة لمستقبلهم وتركت علامات استفهام أرشيف كثيرين.
ففي الوقت الراهن يواجه ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس اتهامات بالفساد وتلقي أموال من السعودية ونشر معلومات وصفتها الحكومة الإسبانية بأنها "مثيرة للقلق". إذ فتحت المحكمة العليا الإسبانية في حزيران/ يونيو تحقيقاً في ضلوع خوان كارلوس في عقد لخط سكك حديدية فائق السرعة في السعودية، بعد أن ذكرت صحيفة (لا تريبيون دي جنيف) السويسرية أنه قد تسلم 100 مليون دولار من ملك السعودية الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
ويجري القضاء في سويسرا وإسبانيا تحقيقات حول تلقي الملك السابق مئة مليون دولار في حساب سري في سويسرا عام 2008.وعقب فتح تحقيقات، قرر كارلوس مغادرة البلاد والعيش في بلد آخر لم يحدده بعد، مشيراً إلى أن قراره هذا يأتي من أجل عدم التأثير على ابنه الملك فيليب السادس.
وتعيد هذه الحادثة شريط التاريخ إلى الوراء قليلاً، وتثير التساؤلات حول الزعماء الذين واجهوا اتهامات مشابهة:
ساركوزي والقذافي
ففي فرنسا يواجه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي اتهامات فساد متعلقة بتمويل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي لحملته الانتخابية عام2007 . وهي الاتهامات التي نفاها ساركوزي مراراً وتكراراً. ويدرس المحققون الادعاءات التي تفيد أن القذافي قد قدم لساركوزي 50 مليون يورو، المبلغ الذي يساوي ضعف الحد القانوني لتمويل حملة انتخابية، والذي كان 21 مليون يورو آنذاك. كما تعتبر هذه المدفوعات الأجنبية والسرية انتهاكاً للقواعد الفرنسية.
وقد ظهرت الادعاءات للمرة الأولى من قبل نجل الزعيم الراحل القذافي سيف الإسلام، عندما كان القادة الفرنسيون يحتشدون للتدخل في ليبيا عسكرياً والإطاحة بالقذافي. وقال سيف الإسلام: "على ساركوزي إعادة الأموال التي أخذها من ليبيا لتمويل حملته الانتخابية".
وكان موقع "ميديابارت" الاستقصائي قد نشر وثائق تثبت صحة هذه الاتهامات، في حين وصف مقربون من ساركوزي هذه الوثائق بالمزيفة والكاذبة. غير أن المحكمة الفرنسية قد أعلنت في وقت لاحق أن بعض الوثائق أصلية، الأمر الذي يسمح باستخدامها في التحقيق إضافة إلى شهادات من كبار الشخصيات الليبية ووقائع أخرى تؤيد صحة هذه الادعاءات.
كما تشير الاتهامات إلى تورط رجل أعمال فرنسي لبناني يدعى زياد تقي الدين ومسؤولين ليبين آخرين في هذه القضية. واكتشفت الشرطة أن ساركوزي كان يستخدم هاتفاً سرياً باسم مزيف هو "بول بيسموث" ليتواصل عبره مع شخص واحد هو محاميه في إطار التحريات حول اتهامات تلقي التمويل بحسب ما نشره موقع صحيفة الغارديان البريطاني.
علاوة على ذلك، من المقرر أن يواجه ساركوزي المحكمة في تشرين الأول/ أكتوبر، إذ يشتبه بأن يكون قد حاول مطلع 2014 أن يتلقى عبر محاميه تييري هيرزوغ معلومات سرية من القاضي السابق غيلبرت أزيبير حول قضية أخرى تتعلق به، وعرض على القاضي في المقابل منصباً في موناكو.
برلسكوني والقذافي
يعد رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سلفيو برلسكوني الذي تغرقه الفضائح وقضايا الفساد من أقرب القادة الأوربيين للقذافي. فقد جمعتهما علاقة صداقة متينة مبنية على المصالح ساهمت في بناء تقارب بين أوروبا وليبيا. إذ تمتلك شركة "لافتي تريد" الليبية، والتي تسيطر عليها الشركة القابضة "لا فيكو" العائدة لعائلة القذافي، نحو 10 بالمائة من أسهم شركة الإنتاج السينمائي "كوينتا كومونيكيشن"، بينما تملك "فيني فيست" القابضة المملوكة لعائلة برلسكوني نحو 22 في المائة من أسهم ذات الشركة. كما تمتلك شركة "كوينتا كومونيكيشن" وإمبراطورية الإعلام المرئي "ميدياسيت" التي أسسها برلسكوني، "25 بالمائة من أسهم قناة فضائية شهيرة في المغرب العربي." بحسب ما نشره موقع صحيفة "تايمز" البريطاني. وعلى ضوء هذه العلاقة فقد توسعت استثمارات ليبيا في إيطاليا، كما تم التوقيع على اتفاقية للحد من الهجرة غير الشرعية.
توني بلير والقذافي
كما جمعت علاقة صداقة ومصالح مشتركة بين رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير والقذافي ونجله سيف الإسلام. فكان بلير أول رئيس وزراء بريطاني يزور ليبيا منذ زيارة تشرشل عام 1943. وثمة شبهات بأنه تم بمساعدة الاستخبارات البريطانية اختطاف بعض الشخصيات المعارضة للحكومة الليبية والتوصل إلى تفاصيل مكالمات هاتفية خاصة ببعض معارضين لنظام القذافي بحسب ما نشره موقع صحيفة التايمز.
غير أن لجنة برلمانية بريطانية كشفت- بعد خروج بلير من الحكومة- مطلع عام 2016، أن بلير اتصل بالقذافي مرتين خلال ثورة شباط/ فبراير 2011، لينصحه بالرحيل والعثور على ملاذ آمن.
جاك شيراك وصدام حسين
وعلى الصعيد الفرنسي مرة أخرى، لاحقت شبهات الفساد سلف ساركوزي الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك. إذ اتهم رئيس سابق لجهاز الاستخبارات البريطاني شيراك بتلقي مبالغ كبيرة من الزعيم العراقي الراحل صدام حسين.
فعلى الرغم من أن صداقة متينة كما كان يبدو ظاهرياً قد جمعت بين الزعيمين، غير أن حقائق أخرى تنفي غالباً وجود صداقة بين السياسيين عامة وإنما ما يجمع بينهم عبارة عن مصالح مشتركة ومتبادلة.
وقال السير ريتشارد ديرلوف إن شيراك تلقى مبالغ تقدر بـ 5 ملايين جنيه استرليني (6.1 مليون دولار) من صدام مقابل أن يعارض شيراك الخطط الأمريكية البريطانية لغزو العراق، بحسب ما نشره موقع ديلي ميل البريطاني. وأشار إلى أن هذه الأموال كانت من ثروة صدام الشخصية وذهبت لشيراك عبر وسطاء.
وقال إن المخابرات البريطانية كانت تملك معطيات موثوقة تفيد بأن شيراك الذي حكم فرنسا بين 1995 و2007 قد تلقى أموالاً طائلة من صدام لتمويل حملتيه الرئاسيتين في 1995 و2002.
الكاتبة: ريم ضوا