"من أولويات تونس توفير المناخ الأفضل لإجراء الانتخابات"
١٦ يناير ٢٠١١دويتشه فيله: بعدما تم الإعلان عن شغور منصب رئيس الجمهورية نهائيا وأن رئيس مجلس النواب تولّى رئاسة البلاد "مؤقتا"، هل هي محاولة لتهدئة الشارع التونسي أم أنها خطوة إضافية نحو تحول سلمي وسلس في اتجاه العملية الديمقراطية؟
صلاح الدين الجورشي: طبعا هذه الخطوة التي تم الإعلان عنها جاءت استجابة لاعتراض بعض رجال القانون الدستوري في تونس والذين رأوا في اللجوء إلى الفصل 56 من الدستور عملية غير شرعية وغير دستورية، فوجدت الحكومة، أي السلطة الحالية وتحديدا ممثلة في شخص محمد الغنوشي الذي وجد نفسه مضطرا للأخذ بعين الاعتبار بهذا الاعتراض الذي صدر عن جهات قانونية معتبرة.
كما عبرت العديد من المجموعات السياسية والأحزاب وكذلك بعض الجماهير التي نزلت للشارع صباح اليوم والتي رفعت شعارات معادية للغنوشي ورافضة للقرار الذي اتخذ. فبناء عليه تم اللجوء إلى الفصل 57 الذي من شأنه أن ينقل الرئاسة إلى رئيس مجلس النواب وبالتالي كان هذا الدافع. إذا ما حدث هو محاولة لتهدئة الشارع وللتجاوب مع مطالب جزء من الأطراف السياسية.
هناك الآن جهود لتشكيل حكومة ائتلاف وطني، كيف ستسير هذه المشاورات؟
اليوم بدأ محمد الغنوشي فعليا بإجراء مشاورات ليس حول تشكيل حكومة ائتلاف وطني ولكن للاستماع إلى الأطراف السياسية حول ماهية الشروط التي يجب توفرها لتنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة والتي ستتم بعد خمسة وأربعين يوما. وبناء عليه فقد تقدم الآن زعماء الأحزاب بمقترحاتهم، وبالطبع من بين هذه المقترحات هو أنه إذا تم تنظيم الانتخابات الرئاسية لابد من أمرين على الأقل: أولا، أن يتم تشكيل حكومة تضم كل الأطراف المعنية والتي لها تمثيل حقيقي على المستوى الشعبي. وثانيا وضع آلية لمراقبة الانتخابات المقبلة أي التفكير الآن في عملية المراقبة بالسماح بتشكيل هيئة مستقلة من منظمات المجتمع المدني لكي تتولى عملية مراقبة الانتخابات، وهناك من يطرح أيضا دعوة مراقبين دوليين أيضا لمراقبة الانتخابات. الإشكال الأساسي المطروح في هذه المرحلة هو كيفية توفير المناخ الأفضل لإجراء هذه الانتخابات.
وفيما يتعلق بقوى المعارضة في المنفى، ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه وهل سيتم إدماجها في هذه المشاورات؟
طبعا، الوزير الأول محمد الغنوشي قال أنه من يريد العودة إلى تونس عليه أن يمتطي الطائرة وأن يأتي، أي أنه فتح المجال إلى كل من يريد العودة. حقيقة أن القوى السياسية الموجودة على الأرض وفي الداخل بشكل أساسي هي من يُسمح لها الآن بأن تلعب دورها ولكن ما هي أطروحاتها وكيف تنظر إلى المستقبل وما هو وزنها الحقيقي؟ هذا ما سيبرز ويتجلى خلال المرحلة المقبلة.
وما هي السيناريوهات المتوقعة بالنسبة لوضع حركة النهضة الإسلامية خلال هذه الفترة؟
بما أنه سيتم إعادة النظر في كل القوانين بما في ذلك قانون الأحزاب، فإن حركة النهضة إذا تقدمت واعتبرت نفسها حزبا سياسيا وطالبت بالاعتراف، فإن قانون الأحزاب الجديد الذي سيقع التوافق حوله سيعطيها هذا الحق وبالتالي ستصبح حزبا معترفا به. كما ستشارك، ربما الآن، في بعض المشاورات السياسية وربما بشكل غير رسمي. يتم الحوار الآن مع الأحزاب المعترف بها قانونيا، ولكن أتوقع أن تكون حركة النهضة موجودة في المشهد وأيضا سيكون لها وجود واضح في عملية تنظيم الانتخابات المقبلة والمشاركة فيها.
هل تتوقع نشوب صراعات بين أطراف سياسية وأمنية يكون بعضها من الموالين للرئيس السابق؟
هذا أيضا من الأمور المتوقعة خاصة أن هناك بعض الأطراف الأمنية التي مازالت تتهم بأنها مورطة في عملية تحريض وخلق فوضى في الأحياء والمدن من أجل إرباك عملية الانتقال السلمي للسلطة.
وكيف يمكن السيطرة على الانفلات الأمني؟
الحقيقة هذه أولوية قصوى مطروحة على الوزير الأول وعلى الجيش وعلى كل أجهزة الأمن. ولكنه محل انشغال المواطنين في تونس وهو ما جعل بعضهم يشكل نوعا من لجان الدفاع الذاتي في بعض المناطق، خاصة في الولايات(المحافظات) الموجودة في الوسط والجنوب. وفي اعتقادي أن ظاهرة الانفلات الأمني، إذا لم يتم التحكم فيها خلال اليومين أو الثلاث المقبلة، فإنها ستؤثر بشكل خطير ليس فقط على العملية السياسية ولكن أيضا على مصالح ومستقبل التونسيين في الداخل.
هل تعتقد أن دور المؤسسة العسكرية سيظل منحصرا في الجانب الأمني ودون تدخل في العملية السياسية؟
حقيقة أن المؤسسة العسكرية الآن مازالت متمسكة بحيادها تجاه الوضع السياسي وبالتالي فقد وفرت وتركت الفرصة للقوى السياسية وللمدنيين بأن يبحثوا عن الحلول المناسبة. لذا فإن المؤسسة العسكرية تتمتع حاليا في تونس باحترام الجميع.
كيف تقيمون الدور الأوروبي إزاء هذه التطورات؟ وماذا يجب على الأوروبيين القيام به؟
الحقيقة أن الدور الأوروبي تجاه هذه الأزمة مر بثلاث مراحل: المرحلة الأولى طغى عليها الدعم الكامل والمطلق للرئيس السابق زين العابدين بن علي رغم الضغوط والاحتجاجات التي مارستها عليها المنظمات غير الحكومية الأوروبية. وبعد ذلك جاء، وهذا ما يفسر تأخر الموقف الأوروبي تجاه أحداث حركة الاحتجاج التي اندلعت في تونس. وفي مرحلة ثانية كان الموقف الأوروبي مع اتخاذ مواقف فيها مناشدة ومطالبة الرئيس السابق بأن يحترم المواطنين وأن يكف عن استعمال العنف المفرط ضد المدنيين. وكان هذا يؤشر على تغير الموقف الأوروبي تجاه النظام التونسي وسياسة بن علي.
ثم جاء التطور الأخير والموقف الثالث أن الأطراف الأوروبية الرسمية رحبت بما حصل في تونس وعبرت عن أملها في أن تمضي الأمور في اتجاه الديمقراطية وتوفير الحرية للمواطنين التونسيين. الآن وفي المستقبل ستراقب هذه الأطراف الأوروبية ماذا سيجري في الساحة التونسية وهي تؤيد عملية الانتقال السلس والدستوري للسلطة، لكنها تبحث أن تبقى قريبة من الحدث حتى لا تحدث في هذه العملية مفاجئات تهدد مصالحها في تونس.
صلاح الدين الجورشي، نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومحلل سياسي.
أجرى الحوار طارق أنكاي
مراجعة: منصف السليمي