ملف عودة الجهاديين لتونس- صراعات داخلية وتجاذبات مع أوروبا
٢٨ ديسمبر ٢٠١٦يحتد الجدل في تونس حول موضوع عودة المقاتلين التونسيين في صفوف التنظيمات الإرهابية، في وقت تدق فيه الدولة ناقوس الخطر حول احتمال عودة أعداد متزايدة من مقاتلي داعش إلى البلاد. وبينما ترى فئة من التونسيين أنه ينبغي رفض عودة هؤلاء وحرمانهم من الجنسية لما يشكلونه من خطر على أمن البلاد، ترى فئة أخرى الحل في العمل على إدماجهم مجددا في مجتمعهم الأم بعد أن يقضوا فترة عقوبتهم السجنية بسبب نشاطهم الإرهابي.
فهل تشكل عودة هؤلاء الجهاديين بالفعل خطرا كبيرا على أمن تونس أم أن الأخيرة تسعى من خلاله إلى التفاوض للحصول على دعم خارجي أكبر؟ وكيف ينظر الألمان للمخاطر التي تطرحها عودة الجهاديين إلى تونس؟
صراعات سياسية
الجدل في تونس حول ها الموضوع يعكس أيضا الصراعات الموجودة بين تيارات سياسية في البلاد، وشكل مناسبة لتبادل الاتهامات بينها فقد جدد نواب في البرلمان التونسي اتهام حركة النهضة بالمسؤولية عن "تسفير" الجهاديين إلى سوريا عندما قادت حكومة "الترويكا" التي سيرت تونس من نهاية 2011 وحتى مطلع 2014، وهو اتهام تنفيه الحركة باستمرار.
وقال رئيس الحركة، راشد الغنوشي في تصريح صحفي يوم الأحد "اللحم إذا بار (فسد)، فعَليْه بأهله. نحن لا نستطيع أن نفرض على الدول الأخرى (الجهاديين) التونسيين". وقوبلت هذه التصريحات بانتقادات حادة من أغلب الأحزاب السياسية ومنها حزبا "نداء تونس" و"آفاق" شريكا حركة النهضة في الائتلاف الحكومي، فقد علق سفيان طوبال رئيس الكتلة البرلمانية لحزب نداء تونس على تصريح الغنوشي بالقول: "الإصبع إن تعفّن فإن القص (البتر) أولى به"، وفق ما نقلته عنه وسائل اعلام محلية.
أما حزب "آفاق" فأعلن في بيان له يوم الإثنين أنه "يرفض رفضا قاطعا أي اتفاقات معلنة كانت أو سرية، خارجية أو داخلية، لتنظيم عودة الإرهابيين، إذ أن هذا الملف هو ملف أمن قومي بالغ الخطورة ولا مجال فيه للتفاوض أو المقايضة تحت أي ضغط أو غطاء دوليين".
هذا الجدل يحظى بمتابعة في ألمانيا بسبب هجوم برلين الإرهابي الذي تورط فيه تونسي. وهو الهجوم الذي سلط الضوء مجددا على موضوع ترحيل المهاجرين المغاربيين المرفوضة طلبات لجوئهم، وأدى ببعض الأصوات داخل ألمانيا إلى المطالبة بتسريع ترحيل من يتورطون في أعمال إجرامية وإرهابية على الخصوص.
تونس في مقدمة مصدري الإرهاب
تقدر الحكومة عدد التونسيين الذين غادروا البلاد منذ عام 2011 إلى سوريا للقتال في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية بـ 3000 شخص، لكن تقارير دولية ومن بينها تقرير صدر عن خبراء من الأمم المتحدة نشر في يوليو من العام الماضي قدر عددهم بنحو 5500، وهو ما يجعل من تونس أكبر مصدر للإرهابيين. وأفاد وزير الداخلية التونسي الهادي مجدوب بأن عدد العائدين من بؤر التوتر ناهز 800 شخص، بعضهم ملاحق قضائيا وآخرون يخضعون للمراقبة أو الإقامة الجبرية. حادث برلين جعل سياسيين ووسائل إعلام ألمانية توجه انتقادات لتونس معتبرة أن تأخر ترحيل التونسي أنيس عامري سهل وقوع الهجوم وأدت الانتقادات بالسلطات التونسية إلى الخروج للرد عليها، إذ نفى مسؤول بوزارة الخارجية التونسية يوم الاثنين وجود أي تقصير محتمل في ملف ترحيل المشتبه به في حادثة الدهس في برلين أنيس العامري، بعد طلب تقدمت به السلطات الألمانية في ذلك ولقي الموافقة النهائية قبل يومين من تاريخ الهجوم. وقال رضوان عيارة: "نتفهم التصريحات الإعلامية في ألمانيا لكننا لا نتفق معها".
وفي واحدة من أبرز ردود الفعل على هجوم برلين يعتزم الحزب المسيحي الاجتماعي -الذي يعتبر أكبر شريك لحزب المستشارة ميركل في الائتلاف الحكومي- المطالبة بتشديد القوانين بحق مرتكبي جرائم العنف من الإسلامويين وتوسيع صلاحيات الشرطة والاستخبارات وتشديد عمليات الترحيل.
ويسعى الحزب المسيحي المحافظ إلى توسيع نطاق عمل هيئة حماية الدستور ليشمل الشرائح العمرية الأصغر والتي تبدأ من 14 عاما، وذلك بغرض العمل على التصدي لاعتناق الفكر المتشدد بين المراهقين. لكن النقاش الدائر في تونس حاليا يثير المخاوف من تعقيد إجراءات ترحيل المهاجرين المتورطين في قضايا تتعلق بالإرهاب.
خطر حقيقي أم ضغوط على ألمانيا؟
وسبق أن وجه زعيم حزب الخضر الألماني انتقادات حادة لتونس فيما يتعلق بتأخير إجراءات الترحيل على خلفية هجوم برلين. ويرى حمزة ميديب الخبير السياسي من المعهد الأوروبي العالي للتعليم في فلورنسا أن قضية الجهاديين العائدين هي بالفعل موضوع مستعجل "لأن حبل المشنقة حول تنظيم داعش بدأ يضيق في سوريا والعراق وليبيا". وهذا المعطى يثير المخاوف من ارتفاع أعداد العائدين من مقاتلي داعش إلى بلدانهم في الشهور القادمة.
وبين من يرون أن تونس بالفعل في وضع حرج بسبب التهديدات التي تتلقاها سواء من إرهابيي الداخل أو العائدين المحتملين من الخارج، ومن يرون أن هذا الجدل يأتي في إطار الضغط على الأوروبيين والألمان تحديدا لتقديم المزيد من الدعم والأموال لتونس. ويرى آزم الديفراوي أستاذ العلوم السياسية والخبير الألماني في قضايا الإرهاب أن كلا السببين يحرك النقاش الدائر بهذا الشأن في تونس.
ويشرح ذلك في حوار أجرته معه DW عربية بالقول: "تونس بالفعل مثقلة بمحاربة الإرهاب داخلها وتستثمر الكثير في سبيل محاربة نشر الفكر الجهادي والتطرف وهذا يكلفها الكثير خاصة أن الأوضاع في جارتها ليبيا غير مستقرة، كما أنها متخوفة بالفعل من الأخطار التي قد تطرحها عودة المقاتلين في صفوف التنظيمات الإرهابية إلى البلاد، ومن جهة أخرى تريد تونس بهذا أن تضغط على الألمان والأوروبيين عموما من أجل تقديم المزيد من الدعم والأموال". ويرى المحلل السياسي أن السياسيين الألمان غير راضين على النقاش الذي يجري حاليا في تونس لكنهم سيضطرون لتقديم الدعم المطلوب، "فتونس هي النموذج السياسي الناجح الوحيد من تجربة ما يسمى بالربيع العربي. تونس بلد مهم بالنسبة للألمان وبالتالي سيقدمون المزيد من المساعدة".
وعن الأشكال التي يمكن أن تتخذها هذه المساعدة قالت الخبيرة الألمانية في شؤون الهجرة إيزابيل فيرينفيلز لـ DW عربية إن ألمانيا يمكن أن تقدم مساعدات على شكل منح و قروض أو محو قروض سابقة أو برامج للتبادل، بالإضافة إلى نقطة مهمة بالنسبة للتونسيين الآن، وهي: التعاطي مع أزمة اللاجئين الليبيين في البلاد.
الكاتبة: سهام أشطو