هجوم برلين وصعوبات العمل المشترك بين الأجهزة الأمنية والقضاء
١٥ يناير ٢٠١٧لم يتساءل وزير العدل الألماني في أحد البرامج الحوارية التي تقدمها القناة الألمانية الثانية (ZDF) إن كانت الأسس القانونية الخاصة بمحاربة الإرهاب متقادمة فقط، وإنما تساءل أيضاً إن كانت هذه الأسس القانونية تأتي بنتائج عكسية في صيغتها الحالية؟ وقال الوزير الألماني في نفس البرنامج إن "السؤال الذي كان ينبغي علينا طرحه من قبل هو: هل توجد أسس قانونية أعاقت السلطات من القيام بواجبها" في مكافحة الإرهاب.
وأشار ماس إلى أنه ليس فقط الشروط القانونية، وإنما أيضا شروط السلامة الأمنية قد يكون تجاوزها الزمن. وقال وزير العدل الألماني، في إشارة إلى "الجهادي التونسي" أنيس عامري منفذ هجوم برلين الذي خلف 12 قتيلا، "عندما يختفي شخص عن الرقابة رغم وجود مجموعة من الإشارات الدالة على خطورته، فإنه يجب التفكير في جعل إمكانيات المراقبة أكثر نجاعة".
الأدلة لم تكن كافية
يأتي ذلك في وقت، ستعقد لجنة برلمانية تُعنى بمراقبة عمل أجهزة الاستخبارات يوم غد الاثنين (16 يناير/ كانون الثاني) جلسة خاصة تبحث خلالها إمكانية وجود قصور في عمل أجهزة الاستخبارات الألمانية، كما ستحاول اللجنة معرفة هل كان من الممكن منع وقوع هجوم برلين، وهل كان من الممكن اعتقال أنيس عامري قبل تنفيذ جريته بناء على ما كان متوفرا لدى السلطات الأمنية الألمانية من معلومات عن تحركاته؟
وقد سبق لهانس غيورغ ماسن رئيس هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية الألمانية) أن نفى الأسبوع الماضي في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية أن يكون جهازه قد ارتكب أخطاء في قضية أنيس عامري. وقال ماسن: "الأدلة التي كانت متوفرة لم تكن كافية". وتابع المسؤول الأمني الألماني: "موظفو الجهاز تصرفوا باحترافية عالية، ولم أتمكن إلى حد الآن على الأقل من اكتشاف أخطاء في عمل المسؤولين في مختلف الولايات".
وتثير قضية أنيس عامري الكثير من التساؤلات حول العمل المشترك بين أجهزة الاستخبارات والقضاء في ألمانيا. فرغم أن السلطات الأمنية كانت تعرف الكثير عن تحركات منفذ هجوم برلين، لكن ذلك لم يكن كافيا لاستصدار أمر باعتقاله أو إدانته قضائيا.
الاستخبارات تعرف عامري منذ مدة طويلة
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 أثار أنيس عامري انتباه السلطات الأمنية الألمانية. آنذاك أسرّ الجهادي التونسي لأحد رفاقه، الذي كان في الواقع عميلا سريا للمكتب الإقليمي للتحقيقات الجنائية في ولاية شمال الراين ويستفاليا، أنه ينوي تنفيذ اعتداء إرهابي في ألمانيا، حسبما ذكرت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" استنادا إلى وثائق بحوزتها، وقال إنه يمكنه الحصول على كلاشنيكوف لتنفيذ اعتدائه.
منذ ذلك الحين، وٌضع عامري تحت المراقبة، وتوصل جهاز الاستخبارات الألمانية الداخلية أن منفذ هجوم برلين استخدم 14 هوية خلال تنقله بين المدن والمناطق الألمانية، كما أنه لم يتوقف عن إعلان رغبته في تنفيذ هجمات في ألمانيا، مما أدى إلى تصنيفه كـ"عنصر خطير" من طرف الأجهزة الأمنية في فبراير/ شباط 2016.
وبعد ذلك بأيام قليلة، وبعد اجتماع جمع مسؤولو الشرطة الألمانية وجهاز الاستخبارات الداخلي تم خلاله مناقشة كل المعلومات المتوفرة عن عامري، تم التوصل إلى أنه "من المستبعد" أن يشكل عامري أي خطر في الوقت الراهن. لكن في نفس الوقت، شددت الدائرة الاتحادية للتحقيقات الجنائية (BKA) أن عامري "ينجذب نحو الآراء والاقتراحات المتطرفة". ليتقرر دفع كل ما جُمع من معلومات عن عامري إلى الادعاء العام في برلين، حيث خضع الجهادي التونسي للمراقبة ابتداء من مارس/ آذار، لكنه لم يثر أي شكوك طيلة هذه المدة التي كان خاضعا فيها للمراقبة ليتقرر رفع المراقبة عنه في سبتمبر/ أيلول 2016.
تحذير الاستخبارات المغربية
بموازاة مع ذلك، تم رفض طلب لجوء أنيس عامري في مايو/ أيار 2016، وانتظرت السلطات الألمانية التوصل بالوثائق اللازمة لترحيل عامري من نظيرتها التونسية دون جدوى. وفي يوليو/ تموز، اجتمعت مجموعة عمل يطلق عليها "مجموعة التدابير القانونية المرفقة" في مركز الدفاع المشترك ضد الإرهاب (GTAZ)بحضور ممثلين عن وزارة الداخلية والدائرة الاتحادية للتحقيقات الجنائية والاستخبارات الداخلية لمناقشة ملف عامري. وقد خرج المجتمعون بما مفاده: "لا يوجد في الوقت الراهن أي تهديد جدي".
وفي سبتمبر/ أيلول، تلقى جهاز الاستخبارات الخارجي الألماني (NBD) تحذيرا من الاستخبارات المغربية يفيد أن أنيس عامري يسعى إلى تنفيذ هجوم داخل ألمانيا. وعلى إثر ذلك عقد مركز الدفاع المشترك ضد الإرهاب (GTAZ)اجتماعا جديدا لمناقشة تحذير الاستخبارات المغربية، لكن الاجتماع خلص إلى أنه "لم يتم التعرف على أي وضع يفيد أن هناك تهديدا ملموساً". وفي 19 ديسمبر/كانونالأول نفذ أنيس عامري هجومه في برلين مستهدفاً أحد أسواق عيد الميلاد، مخلفا 12 قتيلا وعشرات الجرحى.
ورغم خضوع عامري للمراقبة وتوفر مجموعة من الإشارات التي تؤكد رغبته في ارتكاب عمل إرهابي، إلا أن مختلف الأجهزة الأمنية كانت تصل إلى نتيجة أنه يصعب تقديم أدلة ملموسة كافية لإصدار مذكرة توقيف ضده. وهذا بالذات ما لمح إليه وزير العدل الألماني خلال ظهوره في القناة الثانية الألمانية (ZDF)، مؤكدا بالقول: "لا يوجد لدينا أي مسوغ قانوني لحبس العناصر الخطيرة"، وتابع الوزير الألماني " لكن هذا ما سنعمل الآن على خلقه".