مكاسب "اليمين المتطرف" بشرق ألمانيا - تهديد للاستثمار والعمل
٣ سبتمبر ٢٠٢٤في مساء الانتخابات تأكدت معظم التوقعات والعديد من المخاوف، فحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي، المصنف على أنه يميني متطرف في بعض الولايات بشرق ألمانيا، هو القوة الأقوى في انتخابات ولاية تورينغن. أمّا في ولاية سكسونيا فيكاد يكون "البديل" على قدم المساواة مع حزب "الاتحاد المسيحي الديمقراطي".
وأثار هذا الفوز صدمة سياسية في أنحاء ألمانيا، فيما لم يكن الاقتصاد بعيدا عن ذلك؛ إذ يساور القلق العديد من المستثمرين إزاء مخاوف حدوث تحول سياسي في أجزاء من شرق المانيا أو ما كان يُعرف بـ "المانيا الشرقية" على وقع صعود حزب "البديل".
ويريد الحزب الآن المشاركة في الحكم، فعقب الانتخابات، طالب زعيما حزب "البديل" أليس فايدل و تينو شروبالا بدور في حكومتي تورينغن وسكسونيا بدعوى حصولهما على تفويض من الناخبين لتشكيل ائتلاف من معسكر يمين الوسط، يضم الحزب وحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي المحافظ. وقالت فايدل للقناة الثانية الألمانية "ZDF": "بالطبع لدينا حق في الحكم".
لكن حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي يرفض حتى الآن أي تعاون مع حزب "البديل". ويتوافق موقف حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي يشكل مع رديفه المسيحي الاجتماعي (البافاري)، أكبر فصيل معارض في البرلمان الألماني (البوندستاغ)، مع عُرف يُطلق عليه اسم "جدار الحماية السياسية" الرامي إلى إبعاد اليمين المتطرف عن السلطة بما في ذلك استبعاد الانخراط في تحالفات معه.
توافق رأي النقابات وأرباب العمل
وقبل الانتخابات، أعربت نقابات عمالية واتحادات تجارية عن المخاوف بشأن التداعيات المحتملة لفوز حزب "البديل" على الاقتصاد وسط مخاوف من أن يؤثر ذلك على سبل جذب المستثمرين.
وفي مقابلة سابقة مع DW، قال أولاف زاخرت، وهو مستثمر متخصص في إنقاذ الشركات المتعثرة، إن بعض المستثمرين الدوليين يرغبون في مغادرة ألمانيا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام. وأضاف أن "رأس المال الأجنبي يشبه غزالة خجولة، دائمة الحركة للبحث عن فرص آمنة. لا يقدم رجال الأعمال على الاستثمار في مكان لا يحظون فيه بالترحاب ولا يُقدم المستثمرون على ضخ استثمارات في مكان يعج بالمشاكل الكبيرة".
وقال زاخرت إن تنامي قوة ونفوذ حزب "البديل" من شأنه أن يؤثر سلباً على رغبة المستثمرين في ضخ استثمارات جديدة في تورينغن وسكسونيا.
ارتباط الاقتصاد بالاستقرار السياسي
وعقب انتخابات الولايتين، أكد رئيس رابطة اتحاد أرباب العمل في ألمانيا، على الصلة بين ازدهار عجلة الاقتصاد والاستثمار من جهة وبين الاستقرار السياسي من جهة أخرى.
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) عن راينر دولغر قوله إن صعود حزب "البديل" يعكس "قلقا عاما وعميقا ويثير حالة من عدم الثقة في أن ألمانيا تسلك الطريق الصحيح"، ملقيا باللوم بشكل ضمني على سياسات الحكومة الحالية.
ودعا حكومة الائتلاف المسماة "إشارة المرور" التي تضم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حزب الخضر، والحزب الديمقراطي الحر "الليبرالي"، إلى تغيير سياستها، مضيفا أن نتائج الانتخابات "تبعث برسالة تحذير واضحة للحكومة الائتلافية. يجب أن تضع الحكومة قضيتي الوظائف والتماسك الاجتماعي دائما في عين الاعتبار".
تجنب الولايتين كوجهة للعمل
وعقب انتخابات شرق ألمانيا، حذر خبراء اقتصاديون من تفاقم أزمة نقص العمالة الماهرة في شرق البلاد بسبب صعود اليمين المتطرف، مما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى هجرة الشركات.
وفي ذلك، أشارت مونيكا شنيتسر، وهي من حكماء الاقتصاد ورئيسة "المجلس الاستشاري للتقييم الشامل للتطور الاقتصادي"، إلى إمكانية أن يلقي هذا الفوز بظلاله على قدرة الشركات التي تتخذ من ولايتي تورينغن وسكسونيا مقرا لها، على التنافس عالميا على جذب العمالة الماهرة الأجنبية.
كما تعاني مؤسسات الدولة والمؤسسات التعليمية بالفعل من نقص العمالة الماهرة ، وبالتالي يتعين عليها تقليص خدماتها. ومن المرجح أن تفقد بعض المناطق في كلتا الولايتين ما بين 20 إلى 30 بالمائة أخرى من السكان العاملين في السنوات المقبلة، بحسب الخبيرة الاقتصادية التي قالت إنّ "النقص في العمال المهرة الموجود بالفعل سوف يصبح أسوأ"، مضيفًة، في إشارة إلى حزب البديل من أجل ألمانيا: "رفض الهجرة المؤهلة يرسل إشارة خاطئة؛ لأنه سيردع العمال المهرة عن التفكير في الولايتين كخيار" للعمل، كما ذكرت لوكالة رويترز.
ويتفق في هذا الرأي مارسيل فراتشر، رئيس المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية، متوقعا تداعيات محتملة على مجالي التوظيف والاستثمار الأجنبي. وقال فراتشر إن سياسات حزب "البديل" الداعية إلى فرض تدابير حمائية تجارية والحد من الهجرة وإضعاف الانفتاح والتنوع، من المرجح أن تتسبب في هروب العديد من الشركات والعمال المهرة، ما قد يؤدي إلى إفلاس بعضها.
ونقلت رويترز عن فراتشير قوله "سوف يغادر المواطنون الأصغر سنا والأكثر كفاءة ولايتي تورينغن وسكسونيا صوب مناطق يشعرون فيها بتقدير أكبر".
وقال ميشائيل هوتر، مدير "معهد الاقتصاد الألماني" (IW)، إن صعود حزب "البديل" يبعث "بإشارة سلبية" للشركات التي تحتاج إلى "حالة من الاستقرار السياسي والمؤسسي"، مضيفا أن الخروج بسياسات اجتماعية جديدة لن يكون الحل الوحيد الكفيل لدفع الناخبين بعيدا عن دعم الأحزاب الشعبوية.
وفي ذلك، شدد على ضرورة أن تقدم "دولة الاستثمار على تدابير استباقية للحيلولة دون حدوث أي انحدار اقتصادي".
الاستثمارات على المحك
وفي السياق ذاته، يشعر رالف فينترغيرست، رئيس الجمعية الرقمية الألمانية "بيتكوم"، بالقلق، داعيا إلى ضرورة العمل على أن تظل ألمانيا "دولة الانفتاح والابتكار"، وهي قيم لا يمثلها حزب "البديل". وشدد على أن "مصانع أشباه الموصلات المخطط إنشاؤها في سكسونيا لن تعمل بدون جذب مواهب أجنبية".
وبعد نتائج انتخابات شرق ألمانيا، أشارت مؤسسة "كابيتال ايكنوميكس" إلى أن بعض مواقف حزب "البديل" قد تؤثر على برامج الأحزاب الرئيسية في البلاد. وفي مذكرة للمستثمرين، كتبت فرانتسيسكا بالمرز، كبيرة الاقتصاديين الأوروبيين في المؤسسة، أنه "من غير المرجح أن تنحرف ألمانيا عن سياستها المالية الصارمة، سواء على المستوى المحلي أو داخل الاتحاد الأوروبي".
بدوره، طالبت مؤسسة "دويتشه بنك للأبحاث" بعدم تضخيم نتائج الانتخابات، قائلة إن التصويت الأخير بولايتي تورينغن وسكسونيا "لا يقدم نظرة عامة تمهيدية للانتخابات الاتحادية المقبلة" المقرر أن تجرى العام المقبل.
ويتوقع محللو "دويتشه بنك" الذي يعد أكبر مصرف خاص في البلاد، "مخاطر اقتصادية مؤقتة" فقط فيما يتعلق بنقص العمالة، لكنهم يستبعدون حدوث تحولات جوهرية في السياسة الاقتصادية في ألمانيا.
أعده للعربية: محمد فرحان