مقابر ميونخ: مقامات الموتى ومنتزهات الأحياء
٨ مايو ٢٠١٤قد تبدو فكرة القيام بنزهة في مقابر ميونخ لأغلب الناس غير مقبولة ولا معقولة ،لكنها بالتأكيد واقعية وشائعة هنا- على الأقل - في ميونخ. وليس ضروريا أن يكون زائر قبور ميونيخ قريب أو صديق لأحد الموتي ،إنهم يقصدونها للتريض وللتخفيف من ضغوط الحياة ، فالاستمتاع بجمال المكان المسكون بالصمت، وتأمل عالم الموتى يبعث في النفس السكينة و الهدوء والرغبة في الزهد وعدم التكالب على الحياة ، إذ أن المقابر في النهاية هي مرقد ونهاية كل إنسان حي .
مقابر كبيرة وأخرى تاريخية
داخل مقبرة "فيست فيريد هوف" الكبيرة في ميونخ تتنوع شواهد القبور بين قديم وحديث ، وهي تحمل تواريخ وأسماء من عاشوا علي مر عصور تاريخ تلك المدينة العريقة، كثير من الشموع مضاءة فوق المقابر، وكثير من كبار السن يتجولون في طرقات المقابر أو يجلسون علي الأرائك المنتشرة في كل مكان، إنها مثل حديقة كبيرة لا أثر فيها لمشاعر خوف أو رهبة من عالم الأموات .
أما مقبرة مدينة فوسين القديمة في جنوب ولاية بافاريا فهي واحدة من أقدم المقابر في الولاية، وما زالت تحتفظ بكل تفاصيلها منذ انشائها في سنة 1528م، وفي هذا الخصوص تقول لنا المرشدة السياحية للمدينة السيدة أورسولا بروغر: لقد كانت المقبرة في بدايتها صغيرة ،لكنها توسعت بعد ذلك في سنة 1725 م وهي الآن تعتبر أحد معالم مدينة فوسين البافارية الجميلة ، فهي تقع في قلب المدينة تقريبا ، والدفن متوقف فيها منذ مدة طويلة وهي مفتوحة للسياح الذين يزورون المدينة. وأثناء السير في المقبرة تشير السيدة بروغر إلى بعض شواهد القبور وتقول: هؤلاء الراقدون في الثري كانوا من المشاهير الذين عملوا مع الملك لودفيغ الثاني ملك بافاريا الأسطوري.
الخط الألماني القديم يزين شواهد القبور القديمة ، والمكان كله مظلل بالأشجار الوارفة ، فيما تصف السيدة بروجر الأجواء بالقول: " في ذروة الموسم السياحي في فصل الصيف وعندما تكتظ المدينة بالسياح فأنهم يفترشون جوانب المقبرة لنيل قسط من الراحة والاحتماء من حرارة الشمس " .
المسلمون يدفنون موتاهم وفقا للشريعة
أكبر مقبرة للمسلمين في ميونخ هي الموجودة في أحد أركان مدفن "فيست فريد هوف" الكبير ويقول الدكتور طارق الساسي رئيس الجالية المصرية السابق في بافاريا: إن أحد أهم واجباتنا الإنسانية كجالية مسلمة هنا في ميونيخ هي دفن موتانا بكرامة ووفقا للديانة الإسلامية، لذلك تعمل الجالية العربية بالتعاون مع المركز الإسلامي في هذا الإطار ويقول: " إن مقبرة المسلمين مجهزة بحجرة لتغسيل الموتي المسلمين وفقا للقوانين الإسلامية ويقوم بهذا العمل مسلمون أتراك أو عرب من أئمة المساجد " ويضيف شارحا التطورات التي أصابت المقبرة " توسعت المقبرة مرتين وإدارتها هي التي تقوم بالدفن إذ يتم توفير قبر للمتوفى تتراوح رسومه بين 250 إلى 500 يورو لمدة 20 سنة قابلة للتجديد ".
لكن ماذا عن الذين يودون الدفن في مواطنهم الأصلية ؟ يقول الدكتور الساسي إن الأمر في تلك الحالة يتوقف في الغالب علي سن المتوفي فالشباب صغار السن يرغب أهلهم في عودة جثامينهم إلى بلدانهم الأصلية ، أما الشيوخ من كبار السن فغالبا يتم دفنهم هنا لآن أولادهم إما يعيشون ويعملون في المدينة أو لأن ليس لهم أقارب يطالبون باستعادة جثامينهم، ويقول عند الدفن ووفقا للقوانين الألمانية فلابد من وضع الجثمان في صندوق خشبي وفي هذه الحالة نقوم بنثر التراب علي الجثمان داخل الصندوق عوضا عن وضع الجثمان في التراب .
رسوم الدفن مرتفعة في ولاية بافاريا
الغلاء يلاحق الموتى حتى في مراقدهم، إذ تقول السيدة أرسولا بروجر إن رسوم دفن الموتي في ولاية بافاريا تختلف من مكان إلى أخر ففي أوغسبورج تصل الرسوم إلى 2250 يورو وفي امبرغ 2067 وفي ميونيخ 2056 وفي كوبورغ 928 وهناك مطالب مستمرة من أجل خفض هذه النفقات حتى لا يتم دفن الموتى في مدن أخرى غير مدنهم .
ووفقا للقوانين الألمانية من حق أقارب الموتى اختيار طريقة دفن الجثمان في مقبرة أو بالحرق والاحتفاظ بالرماد ، أهل المتوفى هم أيضا من يقررون شكل التابوت ونوع المراسم الجنائزية وطريقة الإعلان عن ذلك، لكن معظم من مروا بهذه التجربة يشتكون من فاتورة الدفن الباهظة إذ أنهم لا يدققون كثيرا تحت ضغط الإسراع في عملية الدفن ليفاجئوا بعد ذلك بفاتورة باهظة بنودها غير واضحة لكن عليهم السداد .
في عام 1964 أصدرت الكنيسة الكاثوليكية في ولاية بافاريا إصلاحات تجيز عدم دفن الموتي في المقابر، وسمحت تلك الإصلاحات بحرق الجثث وهو أمر دفع كثيرين إلى اختيار هذه الطريقة لأنها اقل تكلفة من عملية دفن الجثمان ، من جهة أخرى لا تسمح القوانين الألمانية بالاحتفاظ برماد الموتى في الحدائق أو المنازل بل يجب دفنه أو الاحتفاظ به في مقبرة علي عكس معظم الدول الأوروبية التي تسمح لأهل المتوفى بالاحتفاظ بالرماد معهم .
مقابر الحروب
ميونيخ التي عاشت حروبا كثيرة تضم مقابر العسكريين الذين لاقوا حتفهم في المعارك والحروب ، فمثلا إلى غرب المدينة وعلى بعد 20 كيلو مترا توجد مقبرة الجنود الروس الذين قتلوا أثناء الحرب العالمية الأولي بين 1914 و 1918 في أحد معسكرات الأسرى في ميونخ . المثير أنّ من بين هؤلاء العسكريين جنود مسلمون وفق سجلات المقبرة التي تشير أيضا إلى أن عدد المدفونين فيها 321 عسكريا، وتقوم الجالية الروسية كل عام بإقامة صلوات في المقبرة بحضور أسقف من روسيا وأخر من ألمانيا وتتلى الصلوات باللغتين الألمانية والروسية ، فيما تغيب أي طقوس إسلامية لاستذكار الجنود المسلمين الراقدين في المقبرة.