معطيات وحقائق ... ماذا تعرف عن معسكر "أوشفيتس" النازي؟
١ يونيو ٢٠١٨زار حوالي 45 مليون شخص من جميع أنحاء العالم موقع النصب التذكاري لمعسكر الاعتقال والإبادة الألماني السابق "أوشفيتس" منذ افتتاحه عام 1947. عند نهاية الحرب العالمية الثانية امتد هذا المعسكر بمجمعاته الضخمة على مسافة 50 كلم إلى الغرب من مدينة كراكاو البولندية. يضم المعسكر إضافة إلى ثلاثة مستودعات رئيسية عددا من المستودعات الأخرى بأحجام مختلفة. إنه عبارة عن آلة تدمير صناعي بضخامة لا يمكن تصورها. ويشغل النصب التذكاري والمتحف لوحدهما اليوم مساحة 191 هكتارا.
بالنسبة لمعظم الزائرين فإن هذه الزيارة تعد تجربة مروعة ولها تأثير عاطفي. وقال الكاتب نافيد كرماني بعد رحلة له هناك "أي شخص ذهب إلى "أوشفيتس" في حياته سيشاهد الماضي التاريخي لأوروبا بعيون مختلفة". وتلقى كل من كوليغاه وفريد بانغ الدعوة الرسمية لزيارة النصب التذكاري. وسيعيش الاثنان الآن هذه التجربة. في ما يلي معطيات وأرقام وتواريخ عن المعتقل النازي"أوشفيتس" :
1. مدينة أوشفيشيم، "أوشفيتس"
لم يكن "أوشفيتس" مجرد معسكراً للاعتقال فحسب، وإنما كان مدينة أيضاً. تعرضت المدينة للغزو من قبل الجيش الألماني عام 1939 وكانت تقع ضمن جزء من بولندا تابع للرايخ الألماني. وحتى ذلك الحين كانت تسمى أوشفيشيم- وقد ذُكرت للمرة الأولى في التاريخ عام 1178- وهي مدينة بولندية تقع على نهر سولا، ولها تاريخ شديد التنوع. خضعت المدينة تارة للنمساويين وتارة للبروسيين وفي وقت لاحق شكلت جزءا من مملكة بولندا.وهو اليوم تحمل اسمها القديم أوشفيشيم.
عندما أصبحت مدينة أوشفيشيم عقدة مواصلات للسكك الحديدية في العام 1900، ازدهرت المدينة اقتصاديًا. إذ كانت هناك حاجة إلى إنشاء أماكن إقامة للعديد من العمال الموسميين والمهاجرين في المناطق الصناعية المحيطة في شليزيا العليا وبوهيميا. هؤلاء تم إيوائهم داخل منازل بيتونية و 90 من المباني الصغيرة المبنية من الخشب. هذه المنازل والثكنات شكلت فيما بعد قاعدة المعسكر، التي تمكن النازيون في عام 1940 من تحويله بسرعة بدون بذل الكثير من الجهد إلى معسكر أوشفيتس رقم 1.
2. الساكنة اليهودية
قبل الحرب العالمية الثانية، كان نصف سكان مدينة أوشفيشيم والبالغ عددهم حوالي 14 ألف نسمة من اليهود. إذ نمت الجالية اليهودية بقوة بسبب الهجرة، مقابل عدد ضئيل من الألمان. وبعد هجوم هتلر على بولندا في الأول من أيلول/ سبتمبر عام 1939 والاحتلال العسكري للبلاد تغيرت هذه النسبة بشكل كبير.
في ذلك الحين كان على السكان اليهود أن يختفوا بسبب سياسة"التطهير" العنصرية وإعادة توطين العنصرالألماني. وعاش اليهود الباقون في البداية بمعزل عن بقية السكان في المدينة القديمة. كما تم توظيف العديد منهم عام 1940 كعمالة رخيصة في توسيع معسكر الاعتقال المخطط له.
3. محطة السكك الحديدية:
كانت مدينة أوشفيشيم الصغيرة تقع على تقاطع استراتيجي للسكك الحديدية بالنسبة للنازيين، إذ تقاطعت هناك خطوط السكك الحديدية الجنوبية من براغ وفيينا مع تلك من برلين ووارسو والمناطق الصناعية الشمالية من شليزيا. وجد موظفو التخطيط في وحدات النخبه النازيه (س.س) والمكتب الرئيسي المسؤول عن أمن الرايخ في برلين هنا جميع الشروط المسبقة للنقل الجماعي المخطط له من ما يصطلح عليه بـ "الرايخ القديم". وكان أدولف أيشمان، ضابط وحدات الاقتحام الخاصة بوحدات النخبه النازيه (س.س)،هو المسؤول عن النقل السلس للمُبعدين إلى معسكرات الإبادة في الشرق. أعد أيشمان بشكل دقيق ملف "مؤتمر فانزيه" سيئ السمعة في الـ 29 من كانون الثاني/ يناير عام 1942 في المكتب الرئيسي للأمن في برلين. كما حسب أيضا تكلفة ما أطلق عليه أيضاً بخطة "الحل النهائي للمسألة اليهودية".
4. نظام المعسكرات
كان معسكر "أوشفيتس" معسكر الاعتقال النازي السابع بعد معسكرات "داشاو"، و"زاكسينهاوزن"، و"بوخينفالد" ، و"فلوسنبورج" ، و"ماوتهاوزن" ، ومعسكر النساء "رافينسبروك". وكانت المنطقة بالكامل موقعًا لمعسكرات الاعتقال ذات الأحجام المختلفة، إذ إلى جانب المعسكر الرئيسي (أوشفيتس الأول)، ومعسكر الإبادة الضخمة بيركيناو (أوشفيتس الثاني) ومعسكرات تابعة أصغر، كان لا يزال هناك أيضاً معسكر "بونا" و "مونوفيتس".
بعد قرارات مؤتمر "فانزه" في 20 يناير/ كانون الثاني 1942 تحول معسكر "أوشفيتس" إلى مكان لآلة التدمير الصناعي والقتل التي لا يمكن تصورها. وكان المنفذ لهذه المهمة ذات الدوافع العنصرية هو قائد المعتقل، رودولف هوس. وظل تحت إشرافه إلى حين استبداله في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1943 قوات الحراسة التابعة لوحدات النخبة النازيه (س.س) في معسكر"أوشفيتس"، وكذلك التنفيذ العملي لخطة القتل، التي أنشأتها الحكومة النازية آنذاك .
5. منطقة تأثير وحدات النخبة النازية (س.س)
في ربيع عام 1942، تم نشر ألفي حارس أمن تابع لوحدات النخبة النازية (س.س) في معسكر "أوشفيتس". وفي آب/ أغسطس عام 1944، دخل أكثر من 3300 عضو من هذه الوحدات للخدمة في المعسكر"، وكان من بينهم موظفات أمن، وعمال إدارة، وممرضات وغيرهم من الأشخاص الذين تم توظيفهم من قبل وحدات النخبة النازية (س.س) ولا يحملون شارة الرتبة. وبسطت وحدات النخبة النازية (س.س) السيطرة على المنشآت الصناعية والحرفية المحلية، والتي كانت مستغلة لصالح بناء معتقل "أوشفيتس". وتطور ما كان يسمى بمستوطنة وحدات النخبة النازية (س.س) خارج محيط المعسكر إلى ضاحية تتمتع بالعديد من وسائل الراحة. ولم يعرف أحد هنا شيئا عن الصعوبات الاقتصادية.
6. مصنع الموت
في آذار/ مارس عام 1943، وضعت إدارة التشييد في مجمع معسكر "أوشفيتس-بيركيناو" الموسع مواقد إضافية في المحارق التي تم إنشائها. وكانت تتم عمليات نقل الأسرى والسجناء من قبل وحدات النخب النازية (س.س) من مدينة كراكاو. وحرق 1100 رجل وامرأة وطفل من حي الأقلية اليهودية "غيتو" بعد موتهم بطريقة مؤلمة في غرفة، ألقي عليهم فيها من غاز الزيكلون B من الأعلى، ومن ثم تم نثر رمادهم في البحيرات المحيطة.
بعد زيادة أعداد السجناء في المعتقل، أبلغ رئيس معسكر "أوشفيتس"، ضابط وحدات الاقتحام الخاصة بوحدات النخبة النازية (س.س) كارل بيشوف في برلين قائلاً: "من الآن فصاعداً يمكن حرق 4756 جثة خلال 24 ساعة."و من أجل تسريع عمليات الفرز أثناء وصول عربات النقل، تم بناء منحدر ثلاثي المسار في بيركيناو، والذي لا يزال يمكن رؤيته في أوشفيتس اليوم.
7. أعداد الضحايا
جرد أعداد ضحايا المحرقة يبقى متقلبا. إذ يتم كل عام إضافة تفاصيل جديدة من خلال الاكتشافات في المحفوظات التاريخية والوصايا. ولا يمكن تحديد أرقام دقيقة للضحايا. وتفترض التقديرات العلمية أن خمسة ملايين شخص قد تم ترحيلهم إلى نظام معسكرات الاعتقال النازية، نجا عدد قليل منهم فقط.
عند وصولهم إلى معسكر "أوشفيتس"، كان ينجوا فقط أولئك الذين اجتازوا الاختيار المسمى بـ "Judenrampe"، وهو اختبار مزعوم للعاملين في نظام معسكر وحدات النخبة النازية (س.س). ومعظم الواصلين إلى المعتقل كانوا من كبار السن والمرضى والنساء والأطفال الصغار. هؤلاء كانوا يقتادون مباشرة إلى غرف الغاز ويقتلون من دون تسجيلهم من قبل طواقم وحدات النخبة النازية (س.س). كما قُتل أكثر من 1.1 مليون شخص في معسكر الإبادة أوشفيتس- بيركيناو حسب سجلات متحف المعسكر. وكان 90 في المائة منهم من اليهود القادمين من هنغاريا وبولندا وإيطاليا وبلجيكا وفرنسا وهولندا واليونان وكرواتيا وروسيا والنمسا وألمانيا.
8. إخلاء المعسكر
نجا عدد قليل فقط من التعذيب داخل معتقل "أوشفيتس" النازي. وقُتل عشرات الآلاف في مسيرات الموت في كانون الثاني/ يناير عام 1945، بعد أن قامت وحدات النخبة النازية (س.س) بتفريغ المعتقل على عجل والفرارغربًا مع قوافل أسرى الحرب والسجناء. في الـ 27 من كانون الثاني/ يناير عام 1945، وصل جنود الجيش الأحمر السوفياتي إلى سياج الأسلاك الشائكة في معسكر الإبادة، وعلى الموقع عثروا على ما يقرب من 7 آلآف جثة متفسخة، وأخرى تحولت إلى هيكل عظمي لمعتقلي وأسرى المعسكرات. وقد تم تفجير معظم الثكنات وغرف الغاز والمحارق نيابة عن الجناة. وحاولت وحدات النخبة النازية (س.س) محو آثار آلات القتل الخاصة بهم، مثل الملفات، بطاقات التخزين، شهادات الوفاة، وتم التخلص وحرق كل شيء له صلة على عجل.
9. النصب التذكاري "أوشفيتس ـ بيركيناو"
في أوائل عام 1946، سلمت سلطات الاحتلال السوفياتي أراضي المعتقل السابق إلى الدولة البولندية. وقد شرعت منظمة سجناء في مبادرة لإنشاء متحف ونصب تذكاري في موقع معسكر الإبادة. ومع قانون الثاني من تموز/ يوليو عام 1947 ، تم تأسيس النصب التذكاري الحكومي "أوشفيتس ـ بيركيناو" بعد ذلك بوقت قصير. وجاء في السنة الأولى 170 ألف زائر إلى هناك. وفي عام 2017 كان هناك 2.1 مليون زائر. ويقوم شباب من جميع أنحاء العالم بزيارة المتحف والمواقع النازية. ومنذ عام 1979 أصبح النصب التذكاري "أوشفيتس ـ بيركيناو" ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي واعتبر بذلك تراث يتوجب المحافظة عليه. وفي عام 1946 أعيدت تسمية المدينة رسمياً بأوشفيشيم.
10. آخر الشهود المعاصرين
في الـ 27 من كانون الثاني/ يناير من كل عام يتم الاحتفال بذكرى الحدث التاريخي الذي يبقى محفوظا في الذاكرة الجماعية وهو "تحرير معسكر أوشفيتس" في عام 1945. وسيقام احتفال كبير في البرلمان الألماني. ويعتبر منذ عام 2005 ، "يوم ذكرى المحرقة" هو أيضاً يوم ذكرى في جميع أنحاء العالم. الشهود المعاصرون الذين نجوا من معسكر الاعتقال "أوشفيتس"، والذين يمكنهم الحديث عنه، لم يتبقى منهم سوى عدد قليل. وفي "مسيرة الحياة" السنوية ، يشارك آخر الشهود المعاصرين جنبًا إلى جنب مع الجيل القادم، والذي سيضطر قريباً إلى الحفاظ على هذه الذكرى لوحدها.
هايكه موند/ إ.م