"معاقون" يشيِّدون جسراً بين بون وجربة التونسية
١٣ فبراير ٢٠١٢"رحلة الألف ميل تبدأ بالخبز الأسمر: هكذا بدأت هذه الشراكة بين المدرسة الألمانية ونظيرتها التونسية في عام 2002. آنذاك بدأ تلاميذ مدرسة كريستوفوروس لـ"لعاقين" جسديا وذهنيا، في بون يخبزون خبزاً أسمر بمساعدة معلمهم ميشائيل شميت، ثم يتولون بيعه. طوال سنوات كانوا يدخرون العائد من أجل تحقيق حلمهم، وهو السفر مرة بالطائرة إلى بلد دافئ. إلى تونس، وتحديداً إلى جربة.
كان التلاميذ يودون أن يعرفوا: هل يعيش أطفال "معاقون" في جربة؟ وكيف يذهب هؤلاء إلى المدرسة؟ من الرحلة الأولى تولدت شراكة مدرسية غير عادية بين مدرسة أوروبية وأخرى عربية. ومنذ 2002 سافر التلاميذ الألمان ثلاث مرات إلى تونس، كما جاء تلاميذ مركز "المعاقين" جسديا وذهنيا بالماي في جربة التونسية ثلاث مرات إلى ألمانيا. عبر الخبرة التي اكتسبوها خلال هذه الرحلات تعززت ثقة التلاميذ من الجانبين بأنفسهم، ومع الوقت تحول الشركاء في المجال التربوي إلى أصدقاء يتعاملون بندية كاملة.
الألمان يتعلمون من التونسيين
عبر هذه السنوات رافقت الصحافية الألمانية يوديت غرومر من الإذاعة الألمانية (دويتشلاند فونك) التلاميذ خلال رحلاتهم، وكانت الثمرة ريبورتاجاً إذاعياً استغرق بثه نحو الساعة. هذا الريبورتاج تُرجم إلى العربية، واستمع إليه بإعجاب كبير المشاركون في المؤتمر الدولي الذي أقيم مؤخراً في تونس حول التربية المختصة بذوي الإحتياجات الخاصة، أو مايعرفون بـ"المعاقين".
وتقول يوديت غرومر في حديث إلى دويتشه فيله إن زوار المؤتمر كانوا منبهرين بمشروع التبادل المدرسي، وباستمراره هذه المدة الطويلة. كما أنهم كانوا معجبين بالندية التي يجري في إطارها هذا التبادل، فالألمان لم يسافروا إلى جربة لكي يلقوا دروساً على التونسيين في كيفية تعليم "المعاقين"، بل لكي يتبادلوا الرأي، ولكي يتعلموا أيضاً.
وتضيف غرومر أن هناك أشياء أكد المعلمون الألمان أنها أفضل في تونس. على سبيل المثال تبذل المدرسة التونسية جهوداً كبيرة لكي تجد لكل تلميذ مكان عمل لائق به. وهكذا يعمل التلاميذ بعد تخرجهم في المدرسة في الفنادق أو في الحدائق، أو يتعلمون حرفة بسيطة، تمكنهم من بيع منتجاتهم في الأسواق وكسب بعض المال. هذا أمر يختلف عما هو موجود في ألمانيا، حيث يعمل "المعاقون" غالبا في مؤسسات خاصة بهم، وبالتالي لا يندمجون في المجتمع اندماجاً كلياً، بل يظلون يعيشون على الهامش.
التفاهم لا يحتاج إلى كلمات
رافقت يوديت غرومر هذا المشروع طيلة عشر سنوات. خلال تلك الفترة لفتت انتباهها السرعة الكبيرة التي كانت تنشأ بها الصداقات بين الأطفال دون كلمات. "لا يحتاج الإنسان إلى كلمات لكي يتفاهم مع غيره"، تضيف غرومر.
خلال إعداد الريبورتاج الإذاعي، وعندما رافقت الصحافية الألمانية التلاميذ الألمان إلى جربة، كانت تونس لا تزال تئن تحت حكم بن علي. كيف أصبح الوضع الآن في مركز" المعاقين" بالماي بعد أن هبّ التونسيون وأطاحوا بالرئيس وحاشيته؟ لقد تغير الوضع بالتأكيد إلى الأفضل.
"لا، على العكس"، تقول الصحافية الألمانية، "لقد أصبح الوضع أسوأ بالنسبة "للمعاقين"، لأن الدولة لم تعد تدعم المدرسة مالياً كما كان في الماضي، عندما كانت تتحمل 30% من مصروفات المدرسة". غير أن غرومر تضيف أنها لا تريد أن تنتقد التونسيين، فالمشاكل والقضايا العالقة كثيرة. ما يمنحها الأمل هو تفاؤل الناس بالمستقبل، وبأنه سيكون أفضل – أيضاً بالنسبة لذوي الإحتياجات الخاصة.
سمير جريس
مراجعة: عبده جميل المخلافي