معارك دمشق: العاصفة قرب بيت الأسد
١٦ يوليو ٢٠١٢صحيفة "الوطن" الخاصة المقربة من السلطة السورية أعلنت اليوم الاثنين 16 تموز/ يوليو 2012 أن "الأجهزة الأمنية دأبت بالتعاون مع وحدات الجيش العربي السوري خلال الـ48 ساعة الماضية على ضرب مجموعات إرهابية سعت للتمركز والتحصن في عدد من الأحياء الملاصقة لمدينة دمشق مثل التضامن والحجر الأسود ودف الشوك ونهر عيشة والقدم وكفر سوسة، استعداداً لما سموها بمعركة دمشق الكبرى". هذا الإعلان هو اعتراف غير رسمي بأن الحرب باتت تقرع أبواب بيت رأس النظام وحزب البعث.
حول هذه التطورات حاورت DW أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس البروفسور خطّار أبو دياب :
هل ثمة خصوصية في المناطق التي تشهد اشتباكات في دمشق ، بمعنى هل تضم هذه المناطق طائفة معينة مثلا؟
غالبية سكان مدينة دمشق العاصمة من الطائفة السنية، وفيها من أبناء الطوائف الأخرى ولكنهم لا يتمركزون بالضرورة في هذه المناطق، فحي التضامن على سبيل المثال هو حي يقع جنوب العاصمة بالقرب من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، ويضم عشوائيات كثيرة تشكلت إثر تراكم مهاجري الأرياف على أحزمة المدن الكبرى.
أما حي الميدان فهو من الأحياء التاريخية دمشق، وقد دخل في الحراك الشعبي منذ انطلاقه. وقد تكمن الجيش السوري الحر وعناصر المقاومة من التمركز في هذه الأحياء، وهذا يعني هزيمة جديدة للنظام، فمهما كانت وتيرة القمع التي يتبعها، لم يعد بإمكان النظام السيطرة على مطلق الأراضي السورية .
المختصون في الشؤون الإستراتيجية يعتبرون وصول المعارك إلى العاصمة نقطة تحول في الصراع في سوريا، ما تعليقك على هذا الرأي؟
هي ليست نقطة تحول جوهرية، بل منعطف في التعامل مع الأزمة، وبمعنى أو بآخر، فإن عدم قدرة النظام على سحق المعارضة في ريف دمشق قد خلقت توتراً في داخل العاصمة. ولكن هذا لا يعني أن النظام لا يملك احتياطات من الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري وكتائب الشبيحة القادرة على حماية العاصمة ، لكن امتداد الشرارة من حي إلى حي سيجعل مهمة النظام صعبة، وقد ازدادت الانشقاقات داخل القوات النظامية السورية، وبالأمس سجل خروج مسؤول كبير في الأمن السياسي من أهالي دير الزور. وهذا يعني أن أبناء المدن المنكوبة الموجودين في الجيش، أخذوا يتضامنون مع أهلهم، وإذا توسعت هذه الظاهرة، فإن الأمور ستكون أصعب على النظام. نعم يمكن القول إن نوعاً من العد العكسي قد بدأ، لكن هذا العد العكسي بالنسبة للنظام يمكن أن يستغرق عدة أسابيع، بل قد يستغرق بضعة أشهر.
اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي أعلنت أنها باتت تعتبر المعارك في سوريا حرباً أهلية، بمعنى أن أطراف الحرب يمكن أن يواجهوا تهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، هل تتوقع أن توجه للثوار تهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية؟
مسألة توجيه التهم، وإحالة سوريا للمحكمة الجنائية الدولية، ترتبط بقرار من مجلس الأمن الدولي، لأن دمشق لم توقع على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية في روما، وهذا يعني أنه يمكن في مرحلة لاحقة أن توجه هذه الاتهامات (إلى أحد أطراف الصراع) إذا حصل إجماع دولي. وبمطلق الأحوال فإن هناك تقارير محايدة تحمّل النظام ما نسبته 90 بالمائة من الجرائم المرتكبة، لكن هناك بعض الفئات المعارضة أيضاً ترتكب مثل هذه الجرائم، وللأسف ليس هناك ملائكة في الحروب الأهلية. ولابد من القول أن ردود الفعل والاستقطاب الطائفي أخذت تطغى في سوريا، وقد اثبت الشعب السوري حتى اليوم قدرته على عدم الانجرار وراء الحقد والتجييش الطائفي ، لأن مجازر مثل الحولة والتريمسة وبابا عمرو وغيرها، كان من الممكن أن تؤدي إلى كوارث في شكل ردود فعل طائفية ثأرية، لكن سوريا سلمت حتى الآن، إلا أن تفاقم الوضع قد يجعلنا نخشى الأسوأ.
رغم كل التطورات الدموية في سوريا، لا يبدو المجتمع الدولي متحمسا للتحرك، هل تتوقع تغيرا في الموقف الدولي؟
حتى الآن، لا زال المجتمع الدولي أسير الفيتو الروسي الصيني المزدوج، وما زال أسير تردد الغرب وعدم رغبة الولايات المتحدة في القيام بعمل ملموس على الساحة السورية، وكأن هناك أجندات خاصة تحدد عمل هذه الدول، وليس أمام المرء إلا أن يتساءل، هل هناك خطط للتفتيت والتقسيم والتعفن والاهتراء؟
هناك أيضاً مشكلة عملية في عدم الحماس، هي مشكلة المصالح، بمعنى وجود مصالح مباشرة في الدول المعنية، ولاحظنا في ليبيا حجم الحماس للمشاركة في التدخل إلى حد التوسع في تفسير قرار مجلس الأمن. أما سوريا فقد أصبحت ساحة للعبة أمم إقليمية ودولية، تختلط فيها العناصر الجيوسياسية بالاستقطاب الطائفي بالتوازنات الإقليمية، بمعنى أن التغيير في سوريا سيغيّر المشهد في كل الشرق الأوسط والخليج، ولذا تزداد صعوبة المعالجة، ويزداد عجز المجتمع الدولي.
بيد أن الإصرار الروسي على الاستمرار بالإمساك بالورقة السورية كورقة للمراهنة في سوق مساومات دولية يمكن أن يؤدي لاحقاً إلى ردة فعل من الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية، لأن هذه القوى لم تسلّم لروسيا حق الإمساك بالورقة السورية، بل أن تدهور الوضع سيدفع الجميع لطلب نجدة إنسانية من نوع ما، وقد يكون هناك تغطية أمريكية لتركيا وبعض الدول العربية، بل ربما تمنح المعارضة الإمكانات ليجري التحول النوعي في توازن القوى. نحن أمام أشهر صعبة، وأمامنا صيف ساخن يرتسم على الأراضي السورية.
حاوره ملهم الملائكة
مراجعة: عماد غانم