مطاعم اللاجئين السوريين في ألمانيا.. طريق لاندماج أفضل؟
٥ فبراير ٢٠١٨في مدينة هيرنة غرب ألمانيا قرر عامر افتتاح مطعم يحمل اسم مدينته "قلعة حلب"، وآثر أن يكون هذا المطعم نسخة مصغّرة عن مدينته التي اضطر إلى مغادرتها مكرهاً قبل حوالي ثلاث سنوات.
تزينت واجهة المطعم بصور المأكولات السورية، ترافقها روائح التوابل والمشاوي على الفحم. ينفتح الباب على صالة واسعة تم تأثيثها بشكلٍ متقن، حيث يجلس الزبائن حول طاولات ومقاعد أنيقة، وعلى يسار الصالة ينفرد الطاهي بركنٍ كبيرٍ منشغلاً بتقطيع شرائح اللحم المشوي بالإضافة إلى طبق الخضروات الطازجة، أمّا الجدران فقد تزينت بلوحات تحمل التراث السوري والحلبي تحديداً، حتى يشعر المرء كأنّه في إحدى أحياء مدينة حلب العريقة، والمشهورة بمأكولاتها الشهية.
البحث عن فرصة عمل بأقصر الطرق
عامر مهندس سوري قدم من مدينة حلب إثر المعارك التي دارت هناك منذ ما يقارب ثلاثة أعوام، تعلّم اللغة الألمانية وحصل على مستوى بي1 وقام بتعديل شهادته الجامعية، لكنه وجد أنّ طريقه سيكون طويلاً فيما لو فكّر بالعمل كمهندس، لذلك اضطر إلى التفكير بمهنة أخرى يعمل بها، ويقول عن ذلك لـDW عربية: "لم تكن لديّ الخبرة الكافية، لكنني امتلكت الإصرار والعزيمة كي أصل إلى هدفي وأعتمد على نفسي في تأمين معيشة عائلتي بعيداً عن المساعدات".
إصرار عامر على الاعتماد على نفسه يشبه حال كثير من السوريين الذين يتوقون إلى العمل بعد أن أمضوا سنة أو سنتين يتلقون المعونات الاجتماعية، الأمر الذي يشعرهم بنوع من الإحباط حسب ما ذكره لنا محمود، وهو شاب سوري قدم من ريف دمشق منذ ثلاث سنوات، ويقول: "لم أعتد على الجلوس في المنزل دون أن أعمل، فالعمل هو الحياة بالنسبة لي، كما أنني أشعر بالعجز حين أرى الآخرين يساعدونني على الرغم من أني قادر على الاعتماد على نفسي وتأمين معيشتي".
كان محمود يمتلك مطعماً كبيراً في إحدى مدن ريف دمشق، ولكنه كغيره اضطر إلى ترك كل شيء خلفه، واصطحاب عائلته والمجيء إلى ألمانيا بسبب ظروف الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد منذ سنوات، يقول: "كنت أملك مطعماً شهيراً في مدينتي وقد ورثت المهنة عن أبي الذي ورثها بدوره عن جدي، لذلك ما إن تعلّمت كيف أتدبر أموري في اللغة الألمانية، أبلغت الموظف المسؤول عني في مكتب العمل بنيتي افتتاح مطعم، وإلغاء حصتي من المساعدات الشهرية التي تقدّمها الحكومة".
وهكذا انطلق في مشروعه الجديد الذي حمل اسم "كرم" في مدينة بوخوم غرب ألمانيا، وراح يعمل مع زوجته وأخيه في مطعمهم العائلي حيث يقدّمون كافة أصناف المأكولات السورية.
مصاعب وتحدّيات
أمّا عن المصاعب التي واجهوها في بداية اعتمادهم على أنفسهم، يقول عامر لـDW عربية: "لم أواجه أي معوقات فيما يخصّ الأوراق اللازمة للترخيص، بل على العكس جرت الأمور بسهولة وسرعة فائقة، وسرعان ما حصلت على الترخيص بافتتاح المحل". فالمعاناة من خلال وجهة نظر عامر لم تكن تتعلق بالمكاتب المختصة، فقد حصل على جميع التسهيلات اللازمة من أجل ذلك، لكنّه يرى الصعوبات في حجم الضرائب والمدفوعات للمالية التي تضاف إلى أجور العمال وأجرة المحل بالإضافة إلى مصاريف أخرى كثيرة تجعل الاستمرارية في كثير من الحالات أمراً شبه مستحيل.
أمّا محمود فقد كانت الصعوبات التي واجهها تتعلق بعدم معرفة الألمان للمأكولات التي يقدّمها، فهم يعرفون بعض المأكولات السورية، ولكنهم لا يعرفونها جميعاً.
وهنا يحدّثنا نورس، وهو شاب سوري كان يعمل في الصحافة في سوريا، ويقيم حالياً في مدينة بوخوم، وساعد محمود في الترويج للمأكولات السورية بين الألمان كونه يتحدث الألمانية بشكل جيد نوعاً ما، يقول: "بداية صرت ألتقط صور المأكولات وأنشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم بعد ذلك أصبحت أترجم لأصدقائي الألمان مكونات هذه الأكلات، وكيفية تحضيرها، وكثيراً ما دعوناهم لتذوقها مجاناً كي يتعرفوا على مأكولاتنا السورية".
وحول الموضوع ذاته حدثتنا السيدة ساندرا فون هاينه، الموظفة في غرفة تجارة وصناعة مدينة هاغن غرب ألمانيا، حيث تقول: "لدينا مجموعة من الشروط الواجب تحقيقها كي يتمكن المستثمر من افتتاح المطعم، وهذه الشروط تتعلق بالنظافة وصلاحية الأطعمة وكيفية تخزينها، بالإضافة إلى طريقة التقديم ومدى التزام المطعم بمعايير الصحة والسلامة المنصوص عليها في ألمانيا".
وهذا ما أيّده عامر أيضاً من خلال حديثه عن الشروط المطلوبة في هكذا حالات، يقول: "مثلاً يجب على العمال ارتداء قفازات حين تحضير الطعام، ولا يسمح لهم بلمسه دون قفازات، كما أنّ الأطعمة جميعها يجب أن تخضع لمعايير الصلاحية المنصوص عليها".
تزايد احتمالات الفشل في ظل انعدام الخبرة
ولدى سؤالنا عن مدى إقبال الزبائن على المطاعم السورية، حدّثنا عامر: "السوريون بطبيعتهم يتناولون هذه الأطعمة ولا يمكنهم الاستغناء عنها كالمحاشي والكبب والفروج المشوي، إلا أننا حققنا نجاحاً ملحوظاً من خلال ارتياد كثير من السكان المحليين الألمان لمطعمنا وتعرّفهم على طريقتنا في تقديم الطعام".
أما محمود فقد عبر عن وجهة نظره حول المطاعم التي اضطر أصحابها إلى إغلاقها بعد فترة قصيرة، يقول: "لابد من الصبر والعمل الجاد كي تحقق النجاح، فلا يمكنك أن تجني أرباحاً منذ اليوم الأول، فقد تضطر إلى العمل ستّة أشهر قبل أن تبدأ بجني الأرباح".
مُعين، شاب سوري يمتلك خبرة طويلة في مجال الطهي حسب قوله، يرى أنّ سبب فشل بعض المطاعم يعود إلى عدم امتلاك الخبرة الكافية في إدارة المطعم، ويقول: "لا يمكن أن تفتح مطعماً وتتركه للآخرين كي يديروه بالنيابة عنك، لابدّ أن تقف على كل كبيرة وصغيرة تحصل في المطعم كي تضمن نجاحه".
يسكن معين في مدينة هاغن غرب ألمانيا، وقد قطع المرحلة الأولى في تعلّم اللغة الألمانية، ويبحث عن فرصة عمل في مجال اختصاصه قائلاً: "عملت في أحد المطاعم بمدينة هاغن، واضطر صاحب المطعم إلى إغلاقه بعد أن تعرّض لخسائر جسيمة، والأسباب تعود إلى عدم خبرته في إدارة المطعم، فهو يملك مالاً ولكنه لا يملك الخبرة، والمال وحده لا يكفي".
وبما أنّ معين لا يمتلك المال الكافي لافتتاح مطعمه الخاص، فقد بادر إلى العمل التطوعي مع منظمة "دياكوني" المعروفة في ألمانيا، حيث يقوم بطهي الطعام وتقديمه للاجئين في إحدى الكنائس في مدينة هاغن، وبإشراف منظمة الدياكوني.
هل تدعم مطاعم السوريين فكرة اندماجهم مع الألمان؟!
وعن دور هذه المطاعم في دعم اندماج اللاجئين السوريين في مجتمعهم الجديد، سألت DW عربية السيدة نيكول لانفر من غرفة التجارة والصناعة في مدينة هاغن، حيث قالت: "بالتأكيد هناك دورٌ إيجابي حيث تعرّف الآخرين بثقافة السوريين، لكن من المهم جداً تحقيق الشروط المطلوبة والاطلاع الكافي على هذه الشروط كي لا يقع المستثمر في مشاكل مستقبلاً، فمعرفة القوانين أمر مهم وجوهري قبل كل شيء".
ويؤكّد عامر وجهة نظر السيدة لانفر، إذ يرى أنّ من أسباب فشل بعض أصحاب المحلات هو عدم معرفتهم الكافية باللغة الألمانية، حيث يقع الزبائن الذين لا يتقنون العربية في مشاكل كثيرة، ويقول: "من الواجب على عمّال المطعم معرفتهم الجيدة باللغة الألمانية، وإلا فإنهم سيخلطون الحابل بالنابل، فاللغة عامل جوهري وأساسي لنجاح العمل". أمّا محمود فهو يرى أنّ "تقديم المأكولات السورية يساعد في عملية الاندماج، وتقارب الثقافات الأمر الذي يترك أثراً إيجابياً لدى الآخرين حين يتذوقون هذه الأطعمة".
بينما يرى معين أنّ تقديم الطعام للآخرين بنكهة جيدة يعطي صورة جميلة عن اللاجئين، تظهر مدى انفتاحهم على الآخر ورغبتهم في تعريفه بثقافتهم وتقاليدهم من خلال تقديم هذه المأكولات، ويقول: "حين أقدّم أطباق الطعام لأصدقائي الألمان، أشرح لهم عن مكوناتها وكيفية التحضير، وبعد تذوقها كانوا يشعرون بسعادة بالغة".
إذاً إلى جانب إتقان اللغة يأتي تقديم الطعام للآخرين بوصفهما عناصر نجاح تجربة المطاعم السورية في دعم عملية اندماج اللاجئين مع المجتمع المضيف، وفي الوقت ذاته توضح صورة اللاجئين بوصفهم أفراداً منتجين داخل المجتمع، إلا أنّ هذا العمل ليس بهذه السهولة، فهو يتطلب جهداً ومثابرةً ودراسة كافية ووافية عن المشروع قبل البدء به، وإلا سيتعرض للخسارة كما حدث مع آخرين.
أحمد العجيلي - هاغن