القدس واللاعبون الإقليميون.."حقل ألغام" أم مجرد "حجر عثرة"
٨ ديسمبر ٢٠١٧بالرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال إن "دولاً كثيرة" ستحذوا حذو الولايات المتحدة في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، إلا أن هذه الخطوة، التي أثارت دعوات لانتفاضة فلسطينية جديدة، لم تحظ سوى بتأييد "نسبي" من دولة واحدة فقط، هي التشيك، التي أعلنت في بيان لوزارة خارجيتها أن "جمهورية التشيك تعترف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل"، مؤكّدة في الوقت نفسه أن القدس هي "عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية أيضاً".
لكنه من الواضح أن قرار ترامب وضع بعض اللاعبين الإقليميين في موقف حرج وجعلهم مترددين ما بين الاستمرار في تأييدهم للولايات المتحدة، شريكتهم القوية، وبين ضغط الرأي العام العربي المعادي لإسرائيل.
السعودية و"حقل الألغام"
رغم أن السعودية، الحليفة التقليدية للولايات المتحدة، اعتبرت في بيان صادر عن الديوان الملكي السعودي، أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل "خطوة غير مبررة وغير مسؤولة"، فإن صحيفة هاآرتس الإسرائيلية ترى أن ولي العهد السعودي "في وضع لا يحسد عليه"، وقالت إن "عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين هي حقل الألغام القادم لولي العهد السعودي"، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنه "يبدو أن أمام ابن سلمان طريقاً طويلاً يجب أن يقطعه، قبل أن يتمكن من إملاء السياسات السعودية على الشرق الأوسط".
وحول سبب الموقف الحرج، الذي يواجهه ولي العهد السعودي، قال جورجيو كافييرو، رئيس مجلس إدارة مركز Gulf State Analytics الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، "إن الرياض تأمل حتى في تقارب مع إسرائيل، مبني على سعي مشترك للتصدي لنفوذ إيران في المنطقة".
غير أن كافييرو أكد لفرانس برس أن السعوديين "مصرون على تفادي أي تحرك أو عدم تحرك (...) يدعم طرح النظام الإيراني بأن طهران -وليست الرياض- هي عاصمة الشرق الأوسط الأكثر التزاما بالدفاع عن القضية الفلسطينية".
مصر وردة الفعل الحذرة
رغم تحذير الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من أن نقل السفارة إلى القدس "قد يعقد الوضع" في المنطقة، إلا أن سياسيين مصريين دعوا إلى ضرورة اتخاذ مواقف أشد تجاه قرار الرئيس الأمريكي، بل إن بعضهم اتهم القاهرة بدعم إسرائيل، مشيرين إلى أن تركيز مصر الآن منصب على الاتفاقيات الاقتصادية بدلاً عن دعم فلسطين، مثلما قالت حملة المرشح الرئاسي المحتمل خالد علي في بيان لها، جاء فيه: "بدلاً من تعميق التطبيع والتعاون الاقتصادي، الذي يقوم به النظام المصري من اتفاقيات تحت الطاولة ... يستوجب على مصر دعم نضالات الشعب الفلسطيني للوصول لحل عادل لقضيتهم".
وتتلقى مصر سنوياً مساعدات من واشنطن تبلغ قيمتها 1.3 مليار سنوياً، كما أنها تعاني من أزمة اقتصادية منذ الإطاحة برئيسين منذ عام 2011. وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة محمد كامل السيد لفرانس برس إنه "على الصعيد الرسمي"، ينبغي عدم "توقع تغييرات مهمة" في العلاقات بين واشنطن وحلفائها. ولعل الرغبة بالمحافظة على هذه العلاقات هو السبب الكامن وراء الموقف المصري الحذر، بالرغم من دعوة بعض السياسيين - مثل حمدين صباحي- لإغلاق سفارتي الولايات المتحدة وإسرائيل في القاهرة، بالإضافة إلى دعوات الأزهر لانتفاضة جديدة.
الأردن والدعوات غير المسبوقة
أثار قرار بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل دعوات غير مسبوقة على صعيد الموقف الرسمي الأردني، حيث دعت الحكومة الأردنية المواطنين للمرة الأولى للاحتشاد ضد قرار ترامب.
وكان العاهل الأردني قد أكد على "دعم بلاده الكامل للفلسطينيين في الحفاظ على حقوقهم التاريخية والقانونية في مدينة القدس، وفي مساعيهم الرامية إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية".
وحول الموقف الأردني يقول مدير مركز القدس للدراسات السياسية في عمان عريب الرنتاوي لفرانس برس: "إن قرار ترامب هذا سيؤثر على ما يمكن وصفه بالشرعية الدينية للنظام الأردني المستمدة من النسب الهاشمي ومن الرعاية"، وخصوصاً أن الأردن يشرف على المقدسات الإسلامية في مدينة القدس منذ حوالي قرن بعد أن وقع معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1994.
إيران وتركيا.. "المصالح الإسلامية" توحد النقيضين
ولعل أقوى المواقف المعارضة لقرار ترامب من القوى الإقليمية والدولية جاءت من إيران وتركيا، حيث شجبت طهران بقوة قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، معتبرة أنه ينذر بـ"انتفاضة جديدة"، وقالت وزارة الخارجية الايرانية في بيان إن "القرار الاستفزازي وغير المتعقل، الذي اتخذته الولايات المتحدة... سيستفز المسلمين ويشعل انتفاضة جديدة ويؤدي الى تصاعد التطرف والى تصرفات غاضبة وعنيفة".
بينما جدد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الخميس تنديده بالاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، محذرا بأن "اتخاذ مثل هذا القرار يضع العالم وخصوصا المنطقة في دائرة نار".
وكان أردوغان قد حذر الولايات المتحدة من هذه الخطوة قبل اتخاذها وقال: "سنواصل هذا الكفاح بتصميم حتى النهاية، وقد يصل الأمر إلى حد قطع علاقاتنا الدبلوماسية مع إسرائيل"، مشددا على أن وضع القدس "خط أحمر للمسلمين".
وحول موقف الدولتين الرافض لقرار ترامب بشدة، كتبت صحيفة فرانكفورتر ألغماينه الألمانية أن قرار ترامب "يمثل حجر عثرة لتركيا وإيران، اللتين ستظهران في موضوع القدس وفلسطين كمدافعتين عن المصالح الإسلامية".
التزام ألماني وأوروبي بالقرارات الدولية
وقد اصطدمت خطوة ترامب برفض من حلفائه في الناتو أيضاً، حيث أكدت المستشارة الألمانية التزام بلادها بقرارات الأمم المتحدة والتي توضح أن وضع القدس يجري تحديده في مفاوضات على حل الدولتين. كما حذرت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي، فيديريكا موغيريني، من أن قرار ترامب قد يعيد المنطقة الى "أوقات أكثر ظلمة"، داعية كل الاطراف إلى "التحلي بالحكمة وعدم التصعيد".
وخلاصة القول أنه يبدو من اتحاد الغالبية الساحقة من اللاعبين الإقليميين والدوليين ضد قرار ترامب بشأن القدس، أن الولايات المتحدة أصبحت معزولة في الشرق الأوسط؛ لأنها بهذه الخطوة أصبحت طرفاً في النزاع الدائر فيه، كما ذكرت العديد من الصحف الألمانية، وخاصة أن شركاءها في حلف الناتو يعارضونها بشدة ويخشون من أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس قد يدمر احتمالات عملية السلام فى الشرق الاوسط وحل الدولتين.
ومن وجهة نظر العالم العربي الإسلامي، يُخشى أن يؤدي القرار إلى تدمير كامل لهوية القدس مدينة الأديان العالمية، وسيتخذ الصراع على نحو متزايد طابعاً أيديولوجياً أكثر من كونه سياسياً، وهذا ما يعتبر انتكاسة للفكر الديمقراطي الذي تنادي به غالبية دول العالم.
محي الدين حسين