مصر وتركيا.. مزيد من الإشارات الإيجابية فهل اقتربت المصالحة؟
٦ مارس ٢٠٢١يبدو أن جبال الجليد بين القاهرة وأنقرة بدأت في الذوبان بعد سنوات من الخصام والتصعيد المتبادل سياسياً وإعلامياً. فمنذ بضعة أشهر بدأ البلدان في إطلاق تصريحات مشجعة حول العلاقات بينهما وإمكانية العودة الى التعاون الإيجابي، منها تصريحات السفير التركي بالدوحة والذي أشاد بتعامل البلدين في المجال الاقتصادي.
إشارات إيجابية
قبل أشهر تحدث مسؤولون أتراك عن وجود اتصالات على مستوى المخابرات بين القاهرة وأنقرة بشأن ليبيا، وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أبدى المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين رغبة بلاده في إعادة العلاقات مع مصر، لتأتي آخر تلك التصريحات الإيجابية على لسان وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو بأن "تركيا ومصر قد تتفاوضان على ترسيم الحدود في شرق البحر المتوسط إن سنحت الظروف".
أوغلو أضاف في تصريحات تليفزيونية: "يمكننا توقيع اتفاقية مع مصر من خلال التفاوض على المساحات البحرية وفقاً لمسار علاقاتنا"، مضيفا: "تلقينا بإيجابية نشاط مصر في التنقيب ضمن حدودها البحرية في البحر المتوسط وفق احترام حدودنا"، لافتاً إلى أن مصر "احترمت الحدود الجنوبية لجرفنا القاري، حتى بعد توقيع اتفاق مع اليونان وأن مصر نفذت أنشطتها دون انتهاك حدودنا ونحن نعتبر ذلك خطوة إيجابية".
لكن وبحسب ما قال خبراء لصحيفة العرب فإن حديث وزير الخارجية التركي عن إمكانية ترسيم الحدود البحرية مع مصر ليس أكثر من محاولة لتلطيف الأجواء مع مصر وهو ما فعلته أنقرة أيضاً مع كل من إسرائيل فرنسا، وإبداء حسن النية للتفاوض مع اليونان. وأن التغيير في المواقف التركية لن يكون جذرياً حتى تتضح طبيعة العلاقات مع واشنطن تحت إدارة الرئيس الأمريكية جو بايدن .
وكانت الأزمة بين أنقرة والقاهرة قد انفجرت عام 2013 بعد قيام الجيش المصري بعزل محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد، الأمر الذي واجهته القيادة السياسية التركية بنقد لاذع للغاية، كما احتدمت الأمور مع الخلافات المتصاعدة بين تركيا وعدة دول من بينها مصر على تقاسم الثروات النفطية والغازية في شرق المتوسط، ما نتج عنه جمود شامل للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتصعيد تعلو وتيرته أحياناً وتخفت أحياناً أخرى.
وأعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية في فبراير/شباط الماضي، أن مصر تطرح أول مزايدة عالمية للتنقيب عن البترول والغاز في العام الجاري في 24 منطقة. وذكر مسؤول بوزارة البترول لرويترز، أن المزايدة تنتهي في الأول من أغسطس/آب المقبل، وأضاف أن المزايدة تشمل تسع مناطق للبحث والتنقيب في البحر المتوسط، و12 منطقة في الصحراء الغربية، وثلاث مناطق في خليج السويس.
قلق يوناني من التقارب المصري-التركي
لكن تلك الإشارات الإيجابية أثارت قلق اليونان، إذ قالت صحيفة "كاثيميريني" اليونانية، إن مصر فتحت باب التفاهم مع تركيا في منطقة شرق البحر المتوسط الغنية بموارد الغاز الطبيعي عبر إعلانها عن مناقصة للبحث عن الطاقة الهيدروكربونية، آخذة بعين الاعتبار حدود الجرف القاري لتركيا بحسب ما نقلت وكالة الأناضول.
وأضافت الصحيفة أن خريطة المناقصة التي أعلنتها الحكومة المصرية توضح بأن المناطق الغربية في المتوسط تم تحديدها بموجب الاتفاق المبرم بين القاهرة وأثينا، غير أن الخريطة المصرية تشير إلى أن المساحة الأخرى الواقعة شرق خط الطول 28، ترسم الحدود الجنوبية للجرف القاري التركي المشار إليها في الاتفاق التركي الليبي”.
وأفادت الصحيفة أن التحرك المصري يشير إلى محاولات القاهرة تجنب التوترات الحاصلة بين القوى الإقليمية بسبب أزمة جزيرة قبرص، مضيفة أن "الخيار المصري يمكن النظر إليه على أنه خطوة متعمدة من القاهرة لترك الباب مفتوحاً أمام احتمالات المحادثات المستقبلية مع أنقرة”.
من جانبها، أفادت صحيفة "ذا انديكيتور" اليونانية أن أثينا تلقت معلومات حول قرب توصل مصر إلى اتفاق مع تركيا بشأن ترسيم حدودها البحرية، وأن هذا الاتفاق سيلحق ضررا بالمصالح اليونانية مستقبلاً، مضيفة أن "المشكلة تكمن في أن الخطوط الرئيسية لإحدى المناطق البحرية في المتوسط لم يتم التعامل معها كما هو متفق مع اليونان، بل يبدو أنها تم تنظيمها مع تركيا".
لكن صحيفة "جورزاليم بوست" قالت إنه لا يوجد دليل حتى الآن على أن أنقرة والقاهرة قد توقعان اتفاقًا بشأن الحدود البحرية، مضيفة أنه سيكون من الغريب أن تتراجع مصر فجأة عن سنوات من السير في مسارها مع اليونان وقبرص والمضاد للتوجهات التركية، لتنخرط بدلا من ذلك في صفقة تنكر مطالب قبرص الاقتصادية وتضر باليونان.
غضب تركي
ويسمم تنقيب تركيا عن الغاز في مناطق بحرية متنازع عليها مع اليونان وقبرص العلاقات بين هذه الأطراف منذ أشهر، إذ تعكس التحركات التركية في البحر المتوسط قلق وغضب أنقرة المتصاعدين من الشعور باستبعادها من تقاسم حقول الغاز في شرق المتوسط، وعمليات التنقيب خلال الأشهر الأخيرة.
وعقدت قبرص واليونان ومصر وإسرائيل والأردن وإيطاليا والأراضي الفلسطينية في عام 2019 "منتدى غاز شرق المتوسط" دون دعوة تركيا.
وفي أغسطس/آب الماضي، وقعت مصر واليونان اتفاقية لترسيم حدودهما البحرية، لكنها حذفت منطقة مثيرة للجدل إلى الجنوب من جزيرة كاستيلوريزو، وهي أبعد موقع يوناني تقول تركيا إنه يقع داخل منطقتها الاقتصادية الخالصة بحسب ما أفادت وكالة بلومبيرغ للأنباء.
فائدة للطرفين في ترسيم الحدود
وبحسب خبراء فإن أنقرة تحاول منذ فترة إقناع القاهرة بأن توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين لتحديد المناطق الاقتصادية بينهما سيعيد إلى مصر مناطق كبيرة كانت قد خسرتها لصالح اليونان وقبرص نكاية في تركيا، وأن إعادة ترسيم الحدود سيوسع من مناطق مصر الاقتصادية في البحر المتوسط، علاوة على ذلك سيؤدي في النهاية إلى وجود موطئ قدم لتركيا بما يمنحها جانباً من ثروة الغاز في المنطقة.
وتكمن المفاجاة بحسب محللين في أن اتفاق تعيين الحدود البحرية الموقع بين مصر واليونان به ثغرات عمدت مصر إلى وضعها تفيد بإمكانية تعديل الاتفاق ودخول تركيا طرفاً فيه، وأن الاتفاق مع اليونان جزئي وأن تعيين الحدود ليس نهائياً وسيتم استكماله لاحقاً بل وحتى تعديله إذا ما دخلت مصر أو اليونان في مفاوضات مع دول أخرى تشترك مع أحد طرفي الاتفاقية في مناطق بحرية. وفي هذا الإطار لا يخرج الطرف المقصود عن كونه تركيا.
ونقلت قناة العربية عن مصادر لم تسمها " أن القاهرة تلقت برقيات عبر مسؤولين أتراك لعقد اجتماعات ثنائية، مضيفة أن "مصر تتمسك بدخول قبرص واليونان في أي مفاوضات مع تركيا بشأن ترسيم الحدود البحرية"، فيما قال مسؤولون أتراك إنه ليست هناك محادثات سياسية بين الطرفين، وإن أي اتصالات بينهما لا تكون إلا لأسباب تتعلق بالتعاون الاستخباري.
وأضافت المصادر لقناة العربية أن القاهرة تلقت برقيات عبر مسؤولين أتراك لعقد اجتماعات ثنائية، مضيفة أن "مصر تتمسك بدخول قبرص واليونان أي مفاوضات مع تركيا بشأن ترسيم الحدود البحرية".
ويؤكد خبراء ومحللون أن مصر لن تقدم على خطوة من شأنها أن تفقدها علاقاتها القوية مع اليونان وقبرص في مقابل اتفاقها مع تركيا، لكن التقديرات تشير إلى إمكانية الوصول إلى حل قد يرضي جميع الأطراف ويسهم في النهاية في تهدئة الأوضاع في شرق المتوسط.
منطقة استراتيجية
ويمتد البحر الأبيض المتوسط على مساحات واسعة من حقول الغاز الطبيعي، خاصة في منطقته الشرقية (مصر، وإسرائيل، وفلسطين، وقبرص، واليونان)، بينما تركيا التي تدعي أنها "مظلومة"، لعدم وجود اكتشافات في مياهها الإقليمية، تحاول "السطو" على حقول دول الجوار.
ومنذ 2019، اشتد الصراع التركي مع دول الجوار خاصة اليونان وقبرص، للسيطرة على مياه إقليمية موضع خلاف دولي، بهدف تحويلها إلى مناطق امتياز تركية، يرجح أنها تحوي كميات من الغاز الطبيعي، الذي تحتاجه تركيا.
وتشير بيانات هيئة الإحصاءات التركية في 2019 إلى أن عجز الطاقة في تركيا بلغ أكثر من 41 مليار دولار، وهو رقم ترى أنقرة أنه يمكن توفيره حال السيطرة بشكل غير مباشر على صناعة النفط الحالية والمتوقعة لليبيا.
ويرى باحثون أن الموقف التركي في شرق المتوسط ليس في أفضل حالاته وأن محاولات تركيا لفرض الأمر الواقع تسببت في تصعيد الهجوم الأوروبي ضدها وأن التحالف المصري القبرصي اليوناني مع ردود الفعل الفرنسية القوية تسببت في قلق تركي شديد من تفاقم الوضع عسكريا ما قد يهدد استقرار حكم اردوغان ويرفع بشدة تكلفة سيطرة تركيا على منطقة شرق المتوسط
محمود حسين