مصر... وتحديات العودة إلى قوة إقليمية فاعلة!
٢١ نوفمبر ٢٠١٧إعلان الرئاسة المصرية أن الرئيس عبد الفتاح السيسي سيستقبل، رئيس وزراء لبنان المستقيل سعد الحريري، مساء الثلاثاء ( 21 نوفمبر/ تشرين الثاني)، في القاهرة، يأتي بعد جولة عربية الأسبوع الماضي لوزير الخارجية سامح شكري شملت كل من السعودية والأردن والبحرين والكويت والإمارات وسلطنة عمان، وفق بيان سابق للخارجية المصرية.
هذه الجولات المكوكية لوزير الخارجية والاهتمام المصري بإنهاء الأزمة اللبنانية، لا سيما بعدما نقلت صحيفة "الأخبار" اللبنانية الثلاثاء عن مصادر دبلوماسية أن "فرنسا تسعى مع مصر لوساطة مع السعودية تُبقي الرئيس سعد الحريري في منصبه" رئيسا للحكومة اللبنانية، يشير إلى دور مصري كبير على المستوى الإقليمي، خاصة أن القاهرة تستضيف الثلاثاء أيضا مؤتمر الفصائل الفلسطينية، والذي سيستمر لمدة ثلاثة ايام من أجل بحث سبل تطبيق اتفاق المصالحة الوطنية بين حركتي فتح وحماس.
"رفض سياسة تصدير الفوضى"
ويرى الكاتب والخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز في حوار مع DW عربية أن مصر استطاعت أن تثبت دورها الفاعل إقليميا، وهو ما يمكن مشاهدته من خلال التحركات المصرية الأخيرة خاصة في كل من الملف الليبي واللبناني والفلسطيني. ويؤكد عبد العزيز أن مصر أرادت هنا إيصال رسالة مفادها أنها "لا تقبل بنشر وتصدير الفوضى في جوارها"، وهي ما ستعمل جاهدة على تهدئته ضمن السياسة الدبلوماسية والاتصالات الهادئة مع دول الجوار.
وتشير مصادر إخبارية أن اجتماعات مكثفة عُقدت مساء أمس الاثنين في العاصمة القبرصية بين مسؤولين فرنسيين ومصريين يرافقون الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى نيقوسيا للمشاركة في القمة المصرية القبرصية اليونانية. وقالت المصادر إن "السيسي الذي التقى الحريري الثلاثاء في القاهرة، يدعم هذا التوجه، وأن مفاوضات تجري بين القاهرة والإمارات العربية المتحدة والسعودية لهذه الغاية، وأن القاهرة تعول على استثمار ما صدر أول من أمس عن مجلس وزراء الجامعة العربية لإقناع الجانب السعودي بأنه لا بديل من التسوية القائمة في لبنان، وأن اللبنانيين، كما العواصم العربية والدولية، أظهروا تمسكاً كبيراً ببقاء الحريري في منصبه". وذلك وفقا لوكالة الأخبار الألمانية .
"أقل من دور إقليمي"
إلا أن الباحث والخبير بالشأن المصري سامح راشد قال في حوار مع DW عربية إنه لا يعتقد أن السيسي يطرح نفسه كوسيط إقليمي أو يحاول إعادة مصر إلى موقع اللاعب الرئيسي أو الفاعل الذي لا استغناء عنه في المنطقة.
ووفقا للخبير راشد لم يظهر ذلك التوجه في خطاب الرئيس السيسي السياسي بالمرة. إذ يركز خطابه على حماية مصر واضطلاعها بدور جوهري في قضية محددة هي الإرهاب. ومن ناحية ثانية، فإن الأداء المصري الخارجي لا يعكس أيضاً هذا التوجه. وباستثناء التحرك في الملف السوري على مسار مناطق خفض التوتر. أما بقية ملفات المنطقة لا تقوم فيها مصر بدور مؤثر، وأكبر دليل على ذلك الأزمة الخليجية مع قطر، التي يفترض أن القاهرة طرف أساسي فيها.
أما بالنسبة للبنان، فيرى راشد أن تحرك القاهرة الدبلوماسي الأخير، جاء بدافع الخشية من تحول التوتر المتزايد إلى كرة ثلج تنفجر وتشعل المنطقة. ويقول: "كما هو معلوم، في هذه الحالة القاهرة لا تملك رفاهية الامتناع أو الحياد. لذا من مصلحتها المباشرة والحيوية أن تسعى إلى منع اشتعال الموقف بين السعودية وإيران، على الأقل في المرحلة الحالية".
ويرى مراقبون أن زيارة الحريري الى مصر تأتي في ذروة توتر بين السعودية وايران، الخصمين الاقليميين وخصوصا بعد مواقف نارية لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير في القاهرة الاحد خلال اجتماع لوزراء الخارجية العرب، اكد فيها ان بلاده "لن تقف مكتوفة الايدي" في مواجهة ما اعتبره سياسة ايران "العدوانية".
العلاقات المصرية السعودية
ويرى الخبير المصري راشد أن العلاقات المصرية السعودية في المرحلة الحالية تدار من جانب القاهرة "بميزان دقيق للغاية". و هي تعتمد أسلوب المسارات المتوازية، بحيث لا تتداخل كي لا يفسد بعضها بعضا. ولا يرى سامح ان العلاقة هي ابتعاداً بقدر ما هي فصل بين الملفات. وهذا أمر طبيعي إذ لا يفترض الاتفاق أو الاختلاف في كل الملفات حزمة واحدة. وبخصوص الموقف من إيران تحديداً، لا يوجد خلاف بل ولا اختلاف بين القاهرة والرياض. يوجد توافق حول القواعد العامة والتقدير لما تصفه الدولتان بالتهديد الإيراني. لكن أسلوب التعاطي مع الملف وإدارة مكوناته الجزئية ربما لا يتطابق، وليس مطلوباً ذلك بالضرورة.
إلا أن الكاتب والإعلامي ياسر عبد العزيز لا يوافقه الرأي، ويقول أن الدولة المصرية نجحت عن طريق جهاز المخابرات العامة باختراق أربعة ملفات مهمة وأثبتت دورها الفعال فيها وهي "ليبيا، لبنان، فلسطين وجنوب السودان" بحسب قوله. ويقر عبد العزيز بصعوبة الملف السعودي والأزمة الخليجية بالنسبة للدبلوماسية المصرية، إذ إن القاهرة تخشى على تحالفاتها مع السعودية والإمارات، لكنها تخشى أيضا أن تنقلب الطاولة عليها إن تم التصالح بين الدول الخليجية وقطر. وأوضح عبد العزيز" توقع البعض موقفا مصريا أقوى للأزمة الخليجية مع قطر، إلا أن مصر في الحقيقة لا تريد أن تتورط في حال تمت المصالحة بين الدول الخليجية مستقبلا".
حقوق الإنسان ودور مصر الإقليمي
ويرى راشد أن عاملين أساسيين يدعمان الدور المصري الخارجي حالياً، ألأول يتمثل بـ "حيوية (ديناميكية) نشاط حركتها الخارجية". وهذا تغير مستجد، بعد أن كانت وقت مبارك انكفائية إلى حد بعيد، بحسب الخبير.
أما العامل الثاني فهو القوة العسكرية التي تمنح مصر القدرة على الاضطلاع بأدوار حاسمة عند الضرورة.
وبحسب راشد فإن الوضع الاقتصادي بشكل خاص يفرض قيوداً كبيرة على صانع القرار. وكذلك البيئة المحيطة التي تمثل مصدر تهديدات متنوعة ومتزايدة من مختلف الاتجاهات الاستراتيجية، لذا تركز القاهرة على تسويق دورها الإقليمي استناداً إلى ما تملكه من قدرة عسكرية وأمنية واستخباراتية في مواجهة قضية مفزعة للغرب وهي الإرهاب. وفي المقابل وكما أثبتت الأحداث دائماً، قضايا حقوق الإنسان والحريات، تتراجع في النهاية عند الغرب والدول الكبرى أمام شبح التهديدات الأمنية والحاجة إلى شريك قوي في مواجهتها، بحسب راشد.
من جهته يؤكد الكاتب والإعلامي ياسر عبد العزيز أن النموذج المصري المتبع أشبه بالنموذج الصيني أو الروسي، ويشرح "القيادة المصرية لا تؤمن بانتقادات الغرب بالنسبة لحقوق الإنسان، لأنها ترى أنه مسيس وغير دقيق ". ويتابع " تؤمن القيادة المصرية أن العالم يحترم القوي فقط، لذلك تحاول عبر جهود ذاتية أن تتغلب على المصاعب الاقتصادية، والمعايير المزدوجة الغربية بخصوص انتقادها لحقوق الإنسان في مصر".
الكاتب: علاء جمعة