مصر ـ شح البُن يعكر مزاج محبي القهوة فاستعانوا بـ"خفة الدم"!
١ سبتمبر ٢٠٢٢
لا تزال سلوى أحمد، الموظفة في إحدى شركات الاتصال في مصر ، في حيرة وهي تتخيل أنه قد يأتي يوم دون تمكنها من احتساء مشروبها المفضل ألا وهو "فنجان القهوة المظبوط".
وترجع حيرة سلوى، البالغة من العمر 42 عاما، إلى تزايد الحديث في مصر عن تعرضها لنقص في المعروض من البُن في السوق المحلي ما نجم عنه ارتفاعا في أسعار القهوة. وفي مقابلة مع DW عربية، قالت سلوى "بالتأكيد، استقبلت (هذه الأنباء) بضيق، لأن فنجان القهوة يعد أساسيا في روتيني الصباحي".
وعزا حسن فوزي، رئيس شعبة البُن بالغرفة التجارية في مصر، ارتفاع أسعار البُن في البلاد بشكل رئيسي إلى نقص مخزون البلاد من البن جراء نقص الاستيراد بسبب تعطل سلاسل الإمداد وحركة النقل عالميا، فضلا عن تضرر محصول البُن في البلدان المصدرة خاصة البرازيل.
وقال في مقابلة تلفزيونية "سبب الأزمة الحقيقة في الوقت الحالي هو أن مخزون البُن في مصر يتناقص لعدم وجود سرعة تدبير في الاستيراد."
في المقابل، تحدث خبراء عن أسباب أخرى وراء أزمة نقص البُن وأيضا الشاي، وهما سلعتان استراتيجيتان في مصر نظرا لعدم إمكانية زراعة المحصولين في البلاد.
أزمة العملات الأجنبية
ومن بين هذه الأسباب تأخر إجراءات الموانئ المصرية خاصة فيما يتعلق بالإفراج عن هذه البضائع وعدم توافر العملات الأجنبية الضرورية لعمليات الاستيراد، وهو ما أشار إليه الدكتور إبراهيم مصطفى، الخبير الاقتصادي والمستشار السابق لوزير الاستثمار المصري.
وفي مقابلة مع DW عربية، قال "هناك طوابير انتظار توفير العملة في البنوك وفقا للأولويات بسبب آثار الأزمة الأوكرانية وارتفاع الأسعار عالميا بسبب ارتفاع التضخم وقبل ذلك جائحة كورونا." وأضاف "ترتب على ذلك صدور قرارات من البنك المركزي خاصة ما يسمى بأزمة الاعتمادات المستندية وسداد القيمة كاملة وإعادة ترتيب أولويات الاستيراد، وهو ما نجم عنه أزمة في الاستيراد، وكذلك تكدس السلع في الموانئ ومنها البُن".
يشار إلى أن الحكومة المصرية قامت بتخفيض قيمة الجنيه بنسبة 14٪ مع قيام المستثمرين الأجانب بسحب الدولار من السوق على وقع الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية في مصر بأكثر من الضعف مع توقعات نقص واردات القمح والوقود وزيت الطهي في البلاد.
وفيما يتعلق بالبُن، تستورد مصر كافة احتياجاتها من هذه السلعة، فيما كشف الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن ارتفاع الواردات من البُن خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى مايو/ أيار العام الجاري إلى أكثر من 100 مليون دولار مقارنة بأكثر من 64 مليون دولار في الفترة ذاتها العام الماضي.
وأظهرت البيانات أيضا تجاوز قيمة الواردات المصرية من البُن غير المحمص حاجز الـ 84 مليون دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الماضي
كيف العيش بدون قهوة؟
ويبدو أن ارتفاع أسعار القهوة في مصر قد أصبح الحديث الشاغل في أكبر البلدان العربية من حيث عدد السكان خاصة بين محبي القهوة ومنهم ميادة أحمد، الموظفة في إحدى المؤسسات الحكومية.
وفي مقابلة معDW عربية، قالت إنها تشعر بالخيبة إزاء أي احتمالية لنقص البُن وشراب القهوة، مضيفة " كيف سأعيش بدون القهوة فهي من تزيد من نشاطي وتساعدني على انجاز العمل، وبدون القهوة لا أستطيع العمل؟"
بيد أن البعض من محبي القهوة في مصر يبدو أنه قد أقدم على اتخاذ خطوات احترازية في حالة نقص المعروض من القهوة أو حتى ارتفاع أسعار البُن إلى مستويات عالية.
وفي ذلك، قالت سلوى أحمد "بدأت فعليا محاولة تقليل معدل ومرات تناولي للقهوة في اليوم، حتى لا أتعرض لانتكاسة مفاجئة في حال نقص المعروض بشكل حاد أو زيادة السعر بشكل كبير جدا يفوق ميزانيتي".
التغير المناخي؟
ويبدو أن أزمة نقص البُن لن تقتصر على سلوى وميادة والآخرين من محبي القهوة في مصر وحدهم إذ أن الأمر قد يشمل الملايين من عشاق القهوة حول العالم.
فقد كشفت دراسة نشرتها دورية "بلوس وان" مطلع العام الجاري عن أن تداعيات ظاهرة التغير المناخي تؤثر على زراعة حبوب القهوة وسط توقعات بأن تكون نباتات البُن أقل ملائمة للزراعة في مناطق إنتاج البُن الحالية بحلول عام 2050 بسبب تأثيرات تغير المناخ.
وقد أفادت شبكة "سي إن إن" الأمريكية في يناير/ كانون الثاني الماضي بارتفاع أسعار القهوة بالفعل في أوروبا والولايات المتحدة بسبب سوء الأحوال الجوية خاصة الجفاف الشديد وموجات الصقيع الاستثنائية في البرازيل، التي تعد أكبر مورد لحبوب البُن في العالم.
خفة الدم المصرية
ومنذ تفجر أزمة البُن، شهدت منصات التواصل الاجتماعي تعليقات ومنشورات ترصد مقدار ما تستورده مصر من البُن فيما طرح آخرون أفكارا عن كيفية مواجهة أزمة ومنها محاولة زراعة هذا المحصول في مصر رغم صعوبة ذلك بسبب طقس البلاد.
ولم يغب الطابع الساخر و "خفة دم المصريين" عن تعليقات رواد التواصل الاجتماعي بشأن ارتفاع البُن في البلاد إذ استدعى كثيرون صورا لأفلام كوميدية شهيرة في محاولة لدمجها مع الأزمة الحالية.
انفراجة؟
لكن الحكومة وعلى وقع تزايد الدعوات لتعديل التدابير الأخيرة الخاصة بالاستيراد، أقرت قبل أيام مجموعة من التدابير من أجل تيسير الإفراج عن الواردات بما يشمل تخفيف الضغوط على المستثمرين والمستوردين في محاولة لتعزيز السوق المحلي من السلع الغذائية الحيوية في البلاد.
بدوره، قال الدكتور إبراهيم مصطفى، الخبير الاقتصادي والمستشار السابق لوزير الاستثمار المصري. إنه يتعين "تسهيل إجراءات الاستيراد، والسماح للشركات بتوفير العملة خارج نطاق البنوك لفتح الاعتمادات المستندية من خلال البنوك لكافة السلع التي ليس لديها بديلا محليا".
وأضاف "لهذا السبب يقوم البُنك المركزي حاليا تحت القيادة الجديدة وبتنسيق مع الحكومة بمراجعة المنظومة كاملة بعد تصاعد الشكاوى من كافة القطاعات وسيتم الإفراج خلال الأسبوع القادم عن عدد كبير من المنتجات المتكدسة في الموانئ ومنها البُن ".
لكن حتى ترى هذه التدابير النور وتسفر عن حلول من شأنها أن تخفف أزمة ارتفاع أسعار البُن في مصر، يبدو أن الموظفة الحكومية ميادة أحمد لا تزال تتساءل عن مصير مشروبها المفضل من القهوة. وفي ذلك، قالت "نقص البُن يأتي في ظروف صعبة نعيشها في ظل أوضاع اقتصادية مريرة، فالقهوة الشيء الذي نعشقه كيف يختفي؟"
محمد فرحان