مصر "غاضبة ومحبطة" ـ العلاقات مع إسرائيل في "أسوأ مراحلها"!
١٩ مايو ٢٠٢٤أدت حرب إسرائيل ضد حماس في قطاع غزة إلى تزايد التوتر في علاقات الدولة العبرية مع مصر، ويبدو أن العلاقات الثنائية بين البلدين بلغت أدنى مستوى لها منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل قبل 45 عاما.
ومنذ سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر في السابع من مايو / أيار الجاري، اتخذت العلاقات بين مصر وإسرائيل منعطفا سلبيا، خاصة مع انتشار صور تُظهر جنودا إسرائيليين يرفعون العلم الإسرائيلي قرب المعبر الحدودي.
وعلى وقع ذلك، أبقت مصر جانبا من الحدود مغلقا، مشيرة إلى استمرار الوضع مع بقاء القوات الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني من معبر رفح. وقالت القاهرة إنها لن تتعاون مع إسرائيل في نقل المساعدات الإنسانية ولن تفتح المعبر إلا إذا عادت السيطرة عليه إلى الجانب الفلسطيني.
وتظهر لقطات الأقمار الاصطناعية اصطفاف آلاف الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية قرب الجانب المصري من الحدود.
تزامن هذا مع تحذير الأمم المتحدة من الخطر الوشيك بحدوث مجاعة في قطاع غزة البالغ عدد سكانه 2.3 مليون نسمة.
وفي السياق ذاته، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الأربعاء (15 مايو / أيار) إن الجيش سيرسل المزيد من القوات إلى رفح، مضيفا "هذه العملية ستستمر بقوات إضافية ستدخل المنطقة".
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد وصف السيطرة الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني من معبر رفح بـ "الخطوة الهامة على طريق تدمير ما تبقى من قدرات عسكرية لحماس، بما في ذلك تدمير القدرات الحكومية لحماس".
يذكر أن حركة حماس ، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية.
مصر "غاضبة ومحبطة"
وفي مقابلة مع DW، قال سيمون فولفغانغ فوكس، الأستاذ المشارك في قسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية بالجامعة العبرية في القدس، إن مصر "تدين بشدة احتلال المعبر الحدودي. حالة من الغضب والإحباط وراء ردود فعل القاهرة في الوقت الراهن".
وأوضح أنه منذ العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة ردا على هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي، ظلت مصر "متعاونة للغاية، حيث التزمت بدقة بجميع شروط إسرائيل" فيما يتعلق بتفتيش شاحنات المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح الحدودي قبل دخولها قطاع غزة.
وأشار فوكس إلى أن "القاهرة كانت تتوقع أن يتم التعامل معها بكل احترام".
وتحدث مسؤولون في الاستخبارات المصرية – بحسب تقارير صحفية - عن أن إسرائيل أبلغت القاهرة بشأن العملية العسكرية في رفح "قبل ساعات فقط" من السيطرة على الجانب الفلسطيني من المعبر "وذلك برسالة مختصرة".
ونُقل عن المسؤولين المصريين قولهم إن إسرائيل فشلت في الوفاء بتعهدها السابق بشأن عدم تأثر المعبر بالعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
وفي حديث إلى صحيفة "وول ستريت جورنال"، قال محمد أنور السادات، ابن شقيق الرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي وقع على اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979، إن "النزاع الحالي يعد الأسوأ الذي تشهده العلاقات الثنائية. هناك غياب في الثقة ونوع من الشك بين الطرفين”.
ويرى ناثان براون، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، أن مصر "تنظر إلى حشد القوات الإسرائيلية قرب الحدود المشتركة باعتباره مصدر قلق أمني محتمل على المدى الطويل".
وفي مقابلة مع DW، أضاف أنه على مدار نصف قرن منذ "اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ومعاهدة السلام اللاحقة"، فقد "جرى تحديد الانتشار العسكري المصري في سيناء" قرب الحدود مع غزة وإسرائيل.
وأشار إلى إمكانية تغير ذلك لأول مرة منذ عام 1979، فيما قالت مصادر غير مؤكدة إن مصر بدأت في الآونة الأخيرة بنشر قوات ومعدات في سيناء.
مخاوف القاهرة من نزوح فلسطيني
وأشار مراقبون إلى حدوث توتر في العلاقات بين مصر وإسرائيل حتى قبل السيطرة على الجانب الفلسطيني من المعبر بسبب مخاوف القاهرة من أن العمليات العسكرية الإسرائيلية الحالية في غزة قد تتسبب في نزوح جماعي للفلسطينيين إلى مصر.
ففي أواخر نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، خرج الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ليؤكد رفض بلاده "أي تهجير للفلسطينيين من غزة أو من الضفة الغربية"، معتبرا أن الأمرَ يُعد "خطا أحمر" بالنسبة لمصر.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، كان يقيم نحو 1,2 مليون شخص غالبيتهم من النازحين في رفح قبل العمليات الإسرائيلية الأخيرة في المدينة.
وقبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كان يقطن مدينة رفح حوالي 300 ألف شخص فقط، وبعد أن قصدها الكثير من النازحين أصبحت الظروف المعيشية في المدينة الحدودية كارثية. ويعاني النازحون من ظروف معيشية صعبة وسط نقص في الغذاء ومياه الشرب والأدوية، فيما اضطر الكثير منهم إلى العيش في خيام.
وطالب الجيش الإسرائيلي سكان مناطق بمدينة رفح إخلاء أماكنهم، فيما قالت الأمم المتحدة إن 600 ألف شخص تدفقوا إلى مدينة خان يونس وإلى الشمال على طول الشاطئ حيث أقيمت مخيمات.
وفي تعليقه، قال سايمون فولفغانغ فوكس إن "أوامر إسرائيل بإجلاء السكان إلى ما يسمى مناطق إنسانية جديدة عمدت إلى تقليل المخاوف المصرية من حدوث نزوح جماعي بصورة مؤقتة".
وأضاف "لكن بالطبع، تعلم مصر أن هذا لا يعني تجنب الخطر، إذ سوف يظل الوضع الإنساني مأساويا وصعبا كما نرصد الآن، ما يعني أنه من الممكن أن تشهد الحدود اقتحاما وشيكاً (من النازحين)".
خطوات رمزية
من جهته قال براون إن مصر "تريد أن تبلغ إسرائيل بكل وضوح أنها لن تقبل أن يتم النظر إلى تصرفاتها باعتبارها أمرا مسلما به"، مضيفا أنه خلال الأسابيع الماضية أصبح من الواضح أن مصر تعطي الأولوية لمصالحها الخاصة.
وأشار إلى أن "القاهرة يساورها القلق من أن تتسبب الحرب بين إسرائيل وحماس في حدوث مشاكل داخلها".
وقالت تقارير إن مصر ربما تعيد النظر في دور الوساطة في المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار في غزة مقابل الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس.
تزامن هذا مع ما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال" من أن القاهرة تفكر في استدعاء سفيرها في إسرائيل، خالد عزمي، وذلك في أعقاب إعلان القاهرة عن اعتزامها الانضمام إلى الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي.
وقال براون "انضمام (القاهرة) إلى الدعوى المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية يبعث برسالة استياء بشكل مباشر جدا وعميق للغاية إلى القيادة الإسرائيلية".
ورغم ذلك، قال تيموثي كالداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط ومقره واشنطن، إنه لا يعتقد أن مصر ستقطع علاقاتها مع إسرائيل تماما، مضيفا "تمتلك مصر الكثير من السبل الأخرى للتعبير عن الاستياء دون أن يتطور الأمر إلى حد إلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل".
وأشار مراقبون إلى أن مصر ترى أهمية كبيرة في الحفاظ على اتفاق السلام مع إسرائيل، لأنه يسمح باستمرار العلاقات التجارية الثنائية بين الدولتين خاصة وأن القاهرة تعتمد على واردات الغاز من إسرائيل، فضلا عن أن مصر لا تريد المخاطرة بالدعم العسكري الأمريكي الذي تحتاجه بشدة.
ساعد في إعداد التقرير: عماد حسن
أعده للعربية: محمد فرحان