مصر.. صراع مزمن مع نمو سكاني يلتهم التنمية ويغذي التطرف
١٣ مايو ٢٠١٧إذا صح ما كتبته مجلة "نيوزويك" الأمريكية فسيكون النمو الديموغرافي هو أخطر مشاكل مصر. فقد كتبت المجلة الشهيرة في عدد 20 مارس/ آذار الماضي "دعك من (تنظيم) الدولة الإسلامية (داعش) فالنمو السكاني المزدهر في مصر هو أكبر خطر يواجهها"، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نفسه فيما بعد خلال حوار تلفزيوني. ولم يكن السيسي أول وضع أصبعه على معضلة النمو الديموغرافي هذه، إذ سبقه إلى ذلك رؤساء مصر منذ عبد الناصر.
وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر قد أعلن في شهر أبريل/ نيسان الماضي أن تعداد المصريين بالداخل والخارج تخطى 100 مليون نسمة. وبحلول منتصف شهر مايو/ أيار الجاري، أي بعد يومين، سيبلغ عدد سكان مصر في الداخل 93 مليون نسمة، طبقاً لما صرح به محمد عبد الجليل مستشار رئيس الجهاز في حوار مع قناة "cbc" المصرية. وأوضح عبد الجليل أن "الساعة السكانية"، تشير إلى أن مصر تستقبل مولوداً جديداً كل 15 ثانية، أي بما يعادل أربعة مواليد في كل دقيقة.
ووفقاً لموقع "بوابة معلومات مصر" الحكومي تبلغ مساحة مصر نحو مليون كيلو متر مربع، والمساحة المأهولة منها تبلغ نحو 79 ألف كيلومتر مربع، أي بنسبة 7.9 في المائة من المساحة الكلية. وإذا ما قسمنا عدد السكان على المساحة المأهولة سنجد أن كل مواطن مصري يعيش على مساحة أقل من متر مربع واحد فقط، وهي نسبة تثير الاستغراب والمخاوف أيضاً.
نمو السكان يلتهم نمو الاقتصاد
معضلة الانفجار الديموغرافي تؤثر سلبياً أيضاً على الوضع الاقتصادي كما يوضح الدكتور صلاح سلام رئيس الصحة الإنجابية بالمجلس القومي المصري لحقوق الإنسان في حوار مع DW عربية. وقال سلام إن "الموارد في مصر محدودة والدخل شبه ثابت، بمعنى أن النمو الاقتصادي لا يواكب الزيادة السكانية الرهيبة". وتابع الخبير المصري: "لغاية 2008 كنا نزيد بنسبة مليون نسمة أو أقل، في السنة، وتأكدت هذه النسبة بين سنتي 2010 و2012 والآن نزيد بمليونين وستمائة ألف نسمة، في حين أن النمو الاقتصادي يصل بالكاد إلى 4 في المائة." ويواصل سلام حديثه "لكي نحقق نوعاً من التعادل لابد من نمو اقتصادي لا يقل عن 7.5 في المائة، وبمعنى آخر لابد للنمو الاقتصادي أن يكون ثلاثة أضعاف النمو السكاني".
وأوضح سلام أن صادرات مصر تقارب عشرين مليار دولار، فيما يقترب الاستيراد من ستين مليار دولار، بمعنى أن هناك خللاً في الميزان التجاري قدره أربعين مليار دولار. وهذا الخلل البنيوي في الميزان التجاري يجعل اقتصاد البلاد عاجزاً عن تلبية الاحتياجات المطردة. وبالتالي فإن النمو السكاني غير المتحكم فيه يؤدي إلى تفاقم معدلات الفقر والبطالة، "بل وقد يكون سبباً في التطرف والانحراف" على حد تعبير صلاح سلام.
ومن تداعيات الانفجار السكاني الزحف العمراني الذي يلتهم كل سنة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية رغم كل الإجراءات الحكومية. وبهذا الصدد يوضح الدكتور سلام "حينما كنا 18 مليون نسمة، كنا نزرع خمسة ملايين فدان، وهي مساحة لم تتغير رغم أننا أصبحنا 93 مليون نسمة، وبالتالي فإن الفجوة الغذائية تمثل تحدياً كبيراً حيث نستورد 70 في المائة من احتياجاتنا". كما أنه من الضروري أيضاً الانتشار في المناطق الصحراوية، فأكثر من 90 في المائة من مساحة مصر غير مأهولة تقريباً.
السيسي: النمو السكاني رافد للإرهاب
الزيادة السكانية غير المرغوب فيها هي حديث الساعة في مصر بعد مداخلة أجراها الرئيس عبد الفتاح السيسي (62 عاماً) مع الإعلامي المصري عمرو أديب مؤخراً، إذ قال إنه من الصعب في هذه المرحلة إصدار قانون يحدد الإنجاب أو يحفز على التقليل منه "لكنا نريد أن نعمل على توعية الناس وزيادة (التوجه) إلى تنظيم الأسرة بشكل أكبر وأكثر كثافة عما هو موجود حالياً".
ووصف الرئيس السيسي النمو السكاني بأنه "أحد روافد الإرهاب". وأكد "حالة الفقر المدقع الموجودة تدفع الناس إلى التشدد والتطرف، علينا الاعتراف بذلك، ونحن نفكر في مسألة إصدار قوانين ولكن بتحفظ".
تحفظ الرئيس المصري السيسي، يعود إلى علمه برفض قطاع كبير من المصريين، لاسيما البسطاء عبارة "تحديد النسل" أو حتى "تنظيم الأسرة". ويأتي الرفض لأسباب منها وجود "سند" عند كثرة الأولاد، والاعتماد عليهم عند العجز أو الكبر. غير أن الرفض يأتي في المقام الأول لاعتبارات دينية.
تحديد النسل..حرام؟
وفي حواره مع DW عربية يؤكد الشيخ قنديل الزهيري، إمام المسجد الكبير بمدينة الرياض بكفر الشيخ، أن مسألة كثرة الإنجاب في مصر تقع بين "خطين متناقضين". أولهما خط الفكر الديني غير الرسمي، وهذا يشمل الجماعات الإسلامية والسلفيين والإخوان والمتصوفين، وهؤلاء بسبب طرق فهمهم للآيات والأحاديث "يتفانون في الإنجاب رغم أنهم لا يعملون" ولا يقدرون على توفير حاجيات أولادهم. أما التيار الثاني فهو المشايخ الرسميين، الذين هم موظفون لدى الدولة "وهؤلاء يهاجمون كثرة الإنجاب دون أن يوضحوا للجماهير كيفية علاج المشكلة". ولهذا فإن "الجماهير العريضة تتهم التيار الثاني بأنه تابع لأمريكا في الرغبة في تقليل النسل"، يوضح الزهيري، المدرس والخطيب بالأوقاف.
ويؤكد الزهيري أنه لا مانع من إصدار قانون بخصوص الإنجاب، ويرى أنه لابد من التعاون بين وزارة الأوقاف، التي يتبعها خطباء المساجد، والأزهر وكليات الآداب بما فيها من أستاذة وشخصيات فكرية متميزة وأن يكون ذلك في إطار خطة تقوم بها الدولة للوصول إلى إطار مناسب.
وبعدها يكثف الخطباء فوق المنابر الحديث بأنهم ليسوا ضد الإنجاب والذرية وإنما "نحن ننصح الناس بأن يراعي كل منهم ظروفه وأن العبرة ليست بكثرة الإنجاب فالدولة العظمى الأولى في العالم (أمريكا) عدد سكانها نحو 325 مليون نسمة وليس مليار ونصف مليار نسمة"، يوضح الزهيري لـDW عربية.
أما بالنسبة للمسيحيين في مصر فأغلبهم من الأقباط الأرثوذكس وليس لديهم عموماً مشكلة في الوقوف عند حد معين من عدد الأطفال. ويؤكد البابا تواضروس، حسب ما نقل موقع مدى مصر، أن "الأسرة القبطية تنظم النسل جيداً، وغالبًاً يكون لديها طفلان أو ثلاثة أطفال على الأكثر".
فهل الخضوع للمد الديموغرافي قدر محتوم أمام مصر؟ أم أن هناك سبلاً أخرى لتجاوز هذا المأزق؟ هناك نماذج عالمية تمكنت من السيطرة على الانفجار السكاني، لكن لا يمكن استنساخها ميكانيكياً، "فالتجربة الصينية مثلاً لا يمكن الأخذ بها كاملة. فنحن لا نستطيع تحديد النسل بتعقيم الرجال بعد الطفل الأول، لأن هذا يتعارض مع التعاليم الإسلامية والمسيحية، يوضح صلاح سلام.
ص.ش/ ح.ز