مصر: ردود فعل متباينة على فتوى تحرم انتخاب "الفلول"
١٨ أبريل ٢٠١٢
أثارت فتوى دينية تحرم انتخاب رموز النظام السابق في مصر زوبعة من ردود الفعل واهتماما لدى وسائل الإعلام والرأي العام المصري. الفتوى أطلقها الشيخ عمر سطوحي، أمين عام اللجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر، وتقضي بتحريم التصويت لمرشحي "الفلول"، كما أسماهم (والمقصود هنا رموز نظام حسني مبارك)، في انتخابات الرئاسة القادمة.
هذه الفتوى تأتي لتضيف حلقة جديدة في سلسلة الفتاوى الدينية التي صدرت بنكهة سياسية مع ارتفاع أسهم تيار الإسلام السياسي في مصر بعد ثورة 25 يناير ومروراً باستفتاء مارس / آذار، ثم الانتخابات البرلمانية. واستند سطوحي في فتواه إلى حديث نبوي يقول "من ولّى على الناس أحداً وفيهم من هو خير منه فقد خان الله ورسوله والناس أجمعين". وجاء في نص الفتوى "إن من يختار مرشحاً رئاسياً سبق أن أفسد في الدولة، ويعلم أن هناك من هو أحق منه وأصلح للبلاد، فقد ارتكب ذنباً وخان الله ورسوله". ولاقت هذه الفتوى قبولاً كبيرا من البعض فيما لاقت رفضاً لدى آخرين في استطلاع أجرته DW عربية. إلا أن الانطباع العام يؤكد صعوبة لدى قطاع واسع من الرأي العام المصري في الفصل بين المجالين السياسي والديني.
"الإفتاء في السياسة تزوير لإرادة الناس"
"
تلك الفتوى صحيحة وأؤيد هذا الشيخ فقد حرم الله كل ما يضر الإنسان والتصويت للفلول سوف يضر بالمصريين جميعاً"، يقول محمود رزق، سائق أجرة، في حواره مع DW عربية. رزق كان أحد المصوتين لمرشحي حزبي الحرية والعدالة والنور في انتخابات مجلس الشعب، عملاً بفتوى سمعها من أحد شيوخ المساجد بوجوب ذلك. "يجب أن نستمع إلى ما يقوله الشيوخ لأنهم أعلم بالدين منا" يؤكد محمود رزق.
ولم يختلف رأي نصر عبد الله، عامل نظافة، مع ما قاله رزق. "الشيوخ هم أعلم الناس بالدين وما يقولونه مؤكد له دليل شرعي لا نعلمه نحن". يقول عبد الله لDW عربية. "لذا يجب أن نستمع لهم وننفذ ما يطلبونه منا كي لا يحاسبنا الله بعد ذلك على معصيته". وكان عبد الله ينوي أن ينتخب الفريق أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، رئيساً للجمهورية "بعد سماعي عن تلك الفتوى لن أنتخبه لكني الآن، أنا في حيرة من أمري ولا أعلم من أختار بديلاً له. أتمنى أن يسمي علماء الأزهر مرشحا بعينه للناس كي ينتخبوه ويوفروا علينا هذه الحيرة".
أما رضوى علاء، طالبة جامعية، فقد رفضت تماما في حوارها مع DW عربية تلك الفتوى التي رأت أنها تسلب حق مواطنين مصريين في الترشح للرئاسة فقط لسابق ارتباطهم بنظام مبارك قائلة: "عملنا جميعاً في عهده ولصالحه كما عملوا". رضوى، و هي من مؤيدي عمرو موسى، وزير الخارجية المصرية الأسبق في عهد مبارك والمرشح لرئاسة الجمهورية، ترى أن استخدام الدين في توجيه آراء الجماهير بعيداً عن مرشحين معينين أو تجاه آخرين يعد "تزويرا لإرادة الناس ولعبا بعقولهم وعواطفهم تجاه الدين".
ولم تخف نيرمين حسن، كيميائية، استيائها من كثرة استخدام الفتاوى الدينية في أمور السياسة قائلة في حوارها مع DW عربية: "أشعر وكأن هؤلاء الشيوخ لا شغل لهم، فليس كل شيء يحدث له فتوى". نيرمين لا تؤيد أحداً ممن يوصفون ب"الفلول" لكنها تتمنى أن يترك رجال الدين الساحة للمرشحين ليعرض كل منهم برنامجه ويتركوا للناخبين حق اختيار من يرونه الأصلح دون تأثر بفتوى من شيخ أو قسيس.
هيمنة الدين على السياسية
"
الدين لا ينفصل عن السياسة" يقول محمود مرسي، تاجر، لDW. مرسي، رغم رأيه هذا يرى أنه ليست كل الفتاوى التي تصدر يجب أن تؤخذ على محمل الجد. "لدينا عقل ويجب أن نزن ما يقال لنا في تلك الفتاوى لننفذ منها ما هو صحيح وذو سند شرعي حقيقي". مرسي لم يخف نيته الأخذ بفتوى الشيخ سطوحي والابتعاد عن مرشحي "الفلول" مفضلاً أن يعطي صوته لأحد مرشحي التيار الإسلامي.
"الله لم يرسل لنا الرسل والكتب السماوية إلا ليكونوا لنا منهجاً في الحياة بكل ما فيها والسياسة جزء من حياتنا" هكذا بدأت الدكتورة نهى سعيد، محفظة القرآن الكريم، حوارها مع DW عربية. وترى نهى الفتوى التي أطلقها الشيخ سطوحي صحيحة من وجهة نظرها لكنها تعتقد أن الفتوى كانت يجب أن تعم كل المرشحين أي بمعنى أن تكون الفتوى بتحريم كل من لا يصلح للولاية قائلة: "حدد الدين مواصفات للحاكم الصالح من حيث الصدق والأمانة والقوة والعلم".
وعن إذا ما كانت سوف تأخذ بفتوى الشيخ سطوحي قالت نهى لDW عربية: "سوف آخذ بها على وجه العموم وليس على وجه الخصوص لرموز النظام السابق فأنا لن أصوت لأي من رموز النظام السابق وأيضاً لن أصوت إلا لمن أظن انه تتوافر فيه شروط الحاكم الصالح". وعبرت نهى في ذات الوقت ان آخذها بهذه الفتوى لا تعني أنها سوف تأخذ بأي فتوى أخرى تصدر بخصوص الأمور السياسية موضحه لDW عربية: "لا يمكن فصل الدين عن السياسة ولا إقصاء الفتاوى في السياسة ولكن ممن تؤخذ الفتوى؟ هذا هو الأهم. لابد للمفتي أن يكون على علم وأمانة وإلا يكون ولائه لأي جهة فتدخل الأهواء والمصالح في فتواه". بمعنى آخر، فحتى الآراء التي ترفض فتوى "تحريم انتخاب الفلول"، لا ترفض الفتوى السياسية بشكل مبدئي، وإنما تربط قبولها بشروط محددة.