مصر: خط مواجهة مفتوح ومستقبل قلق
٦ أغسطس ٢٠١٣الأوضاع لا تهدأ في مصر، فبعد شهر على قيام الجيش بعزل الرئيس الإسلامي المنتخب محمد مرسي ما تزال الانقسامات الاجتماعية والسياسية تهيمن على البلد. ولا تلوح في الأفق أي بوادر تقارب بين مؤيدي مرسي وبين مؤيدي الحكومة المؤقتة.
قبل أسابيع من عزل مرسي خرج المعارضون لنظامه في مظاهرات احتجاج كبيرة، لكن الصورة انقلبت الآن، ففي الوقت الراهن توجد اعتصامات ومظاهرات كبيرة للإخوان المسلمين، الذين ينتمي إليهم مرسي. ويطالب الإخوان بالعودة الفورية لرئيسهم. أما في القاهرة فقد أُقيم مخيمان اعتصاميان كبيران لمؤيدي مرسي، قام الإخوان المسلمون بتحصينهما بأكوام من الحجارة وأكياس الرمل، أما المدخل فيخضع لرقابة صارمة. وتتحدث التقارير الإعلامية عن أوضاع صحية سيئة للغاية، إذ تتكوم النفايات في محيط المخيمين، الأمر الذي يثير غضب سكان المنازل القريبة منهما.
إخلاء مخيمات الاعتصام؟
رغم البيانات المتكررة، إلا أن الجيش لم يخل المخيمين بعد، لكن حصل في الأيام الماضية العديد من المواجهات بين مؤيدي الإخوان المسلمين وقوات الأمن المصرية. وحسب تقارير إعلامية فقد سقط منذ عزل مرسي 250 شخصاً على الأقل وأُصيب الآلاف بجروح. ويُخشى حدوث حمام دم، إذا ما حاول الجيش إخلاء مخيمي الاعتصام بالقوة.
في هذه الأثناء، يدعو دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الطرفين إلى الحوار. بعد زيارة ممثلة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون ووزير الخارجية الألمانية غيدو فيسترفيله، وصل في نهاية الأسبوع الماضي نائب وزير الخارجية الأمريكية ويليام بيرنز لإجراء مباحثات في القاهرة.
عن تلك المساعي الغربية يقول غونتر ماير، من مركز دراسات العالم العربي في جامعة ماينز الألمانية: "المساعي الغربية قادت إلى إيقاف عملية إخلاء المخيمين اللذين يعتصم فيهما الإخوان المسلمون، التي كانت مقررة يوم الأربعاء الماضي، وإلى تراجع استخدام العنف – إلى الآن على الأقل".
موقف أمريكي متناقض؟
ويرى ماير أن موقف الإدارة الأمريكية بالذات كان صارماً بعض الشيء خلال الأسابيع الماضية، ويضيف الخبير الألماني: "قبل عزل مرسي وقفت السفيرة الأمريكية في مصر ضد الاحتجاجات ضده. وبعد عزل مرسي طالبت الولايات المتحدة بضرورة إطلاق سراحه". وبحسب ماير فإن موقف الإدارة الأمريكية "تغير تماماً فيما بعد"، ففي الأسبوع الماضي صرح وزير الخارجية الأمريكية جون كيري أن الجيش المصري كان "يستعيد الديمقراطية" عندما أسقط مرسي.
من جانبه ينتقد أستاذ العلوم السياسية التونسي في جامعة برلين الحرة حمادي العوني هو الآخر تدخل أطراف خارجية للتأثير فيما تشهده مصر حالياً. ويقول العوني: "في الوقت الراهن ينبغي فعلاً ترك المصريين وشأنهم، ويجب أن يتراجع كل من يرى أن عليه أن يقدم النصح للمصريين".
لكن العوني لا يقصد بذلك الحكومات الغربية وحدها، ولكن أيضاً "التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، بقيادة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان"، الذي وجه مؤخراً انتقادات شديدة للجيش المصري. الحكومة التركية اعتبرت آنذاك انتخاب مرسي رئيساً دليلاً على قدرة حركة الإخوان المسلمين المحافظة على التأقلم مع الديمقراطية. لكن فشل مرسي أضر بهذه الصورة كثيراً.
انقلاب مشروع؟
لكن على الرغم من أن رئيس الوزراء التركي الإسلامي المحافظ رجب طيب أردوغان يريد ربما في تصريحات بشأن عزل مرسي خدمة مصالحه الخاصة قبل كل شيء، إلا أن المرء يتساءل هنا عن مشروعية نقده للانقلاب العسكري، فرغم كل شيء كان مرسي رئيسا منتخبا ديمقراطياً بعد سنوات من حكم نظام مبارك الدكتاتوري في مصر. بالنسبة للعوني فإن الديمقراطية تعني أكثر من نتيجة الانتخابات. "إنها تعني أمن الشعب وحريته ورخاءه. ولم يحقق الإخوان أياً من ذلك".
أما غونتر ماير فيرى من جانبه أن الانقلاب على مرسي له مشروعية ما، "فالإخوان المسلمون حصلوا على شرعيتهم من خلال تصويت الشعب، لكنهم فقدوا شرعيتهم هذه من خلال نهجهم السياسي". ويضيف الخبير الألماني أنه من الواضح أن الجيش المصري اعتمد على الجو المهيمن في البلد وتصرف بما يوافق إرادة غالبية الشعب من خلال عزل مرسي.
منذ مطلع أيار/ مايو جمعت حركة تمرد المصرية، وفق تصريحاتها، أكثر من 22 مليون توقيع للمطالبة بتنحي مرسي. وكان الهدف جمع عدد من التواقيع للمطالبة يتنحي رئيس الدولة بشكل يفوق عدد الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات الرئاسية، فقد اُنتخب مرسي رئيساً بحصوله على 13.2 مليون صوت.
تفاؤل بالمستقبل ولكن...
ينظر العوني بتفاؤل إلى مستقبل مصر، ويقول: "المصريون سوف لن يتغلبوا على جميع المصاعب خلال الثلاثة أشهر أو الستة القادمة، لكنهم سيتمكنون من تحقيق استقرار للأوضاع في بلادهم، معتمدين على قاعدتهم الأساس وهي القضاء. فالقضاء ما يزال شفافاً ويعمل جيداً، وهو في الحقيقة العماد الرئيس للمرحلة الانتقالية".
على العكس من ذلك يرى غونتر ماير أن الطريق ما يزال طويلاً أمام مصر، "فمن السذاجة أن نعتقد أن الديمقراطية يمكن أن تبدأ بمجرد إسقاط نظام دكتاتوري. نحن هنا في العالم الغربي المتنور احتجنا بشكل جزئي إلى قرون من الزمن من أجل الخروج من أشكال حكم قمعية وممارسة الديمقراطية، وهي التي تنعم بها اليوم ألمانيا مثلاً".