مصر: حجب اليوتيوب يعاقب المصريين لا صنّاع الفيلم المسيء!
٢٥ فبراير ٢٠١٣بعد 6 أشهر من أحداث الفيلم المسيء للرسول لا تزال تداعياته مستمرة، فى مصر صدر حكم بحجب اليوتيوب ومن المقرر أن ينظر القضاء المصرى فى 2 مارس القادم الاستشكال الذى تقدم به الجهاز القومى لتنظيم الإتصالات التابع لوزارة الإتصالات المصرية ضد حكم الحجب لمدة 30 يوماً. الجهاز المنوط به لتسيير الخدمات الهاتفية والإنترنت فى مصر أعلن صعوبة تنفيذ الحجب، بينما باردت إدارة موقع يوتيوب بحجب رابط فيلم "براءة الإسلام" بالنسبة لمحتواها المتاح على الإنترنت فى البلد..هكذا أصبحت الشاشة العالمية المحررة من الرقابة، والوحيدة المتاحة لإبداعات المستخدم الهاوى مهددة بالوصاية فى مصر.
الحجب سيزيد الإقبال
يقول مخرج ومنتج الأفلام الوثائقية المصرى البراء أشرف لـ DW عربية أن الحكم إذا تمّ تنفيذه "سيساهم فى زيادة معدل مشاهدة اليوتيوب، لأن مستخدمى الإنترنت ستزداد متابعتهم لمقاطع الفيديو على الموقع الشهير عن طريق تطبيقات البروكسى، لمنع الحجب". كما يؤكد البراء أن " اليوتيوب سيزدهر جداً خلال أيام الحجب، لأنه بات مؤكداً استحالة فرض وصاية على المجتمع، خاصة أن الحكم منفصل عن الواقع، وإذا كان الحكم مستندا على الدستور المصرى الجديد فإن ذلك يكشف أن هذا الدستور لابد من كتابته مرة أخرى".
الجدير بالذكر أن الموقع كان قد بدأ فى شهر سبتمبر الماضى نشر إعلانات مصاحبة للفيديوهات المبثة والمحملة من جانب المستخدمين المصريين."سوق الإعلانات الإليكترونية ربما لن يتأثر، بينما سيؤثر الحجب على القنوات الفضائية الإسلامية"، حيث يتساءل البراء:"كيف سيتابع الجمهور قنوات مثل الحافظ، الرحمة، والأمة خاصة أنها تحمّل بإنتظام مقاطع لبثها المباشر على يوتيوب. أظن أن وجدى غنيم وأبو إسلام مثلا سيتأثرا"، ويضيف ساخراً:" كيف سيعاقب الداعية المتهم بإزدارء الديانة المسيحية بحجب فيديوهاته المسيئة بسبب الفيلم المسيء!؟".
يشير البراء إلى أن الوصاية لن تتوقف عند حجب الموقع الشهير فقط، حيث يقول "إذا كانت ملكية اليوتيوب بالنسبة للقانون المصرى غير معلومة، فرد الفعل سيكون أخطر بالنسبة للمواقع والقنوات معلومة الملكية مثل المواقع الإليكترونية الإخبارية مثلا والفضائيات". كما يقول المنتج الوثائقى لـ DW عربية إن الحياة العامة فى مصر ستفرز خلال الفترة القادمة نماذجا جديدة لقضاة يتمتعون بهالة من النجومية،"ستجد المشهد الملهم لبكاء قاضى على منصة مثلا ثم يعقب ذلك صدور حكم أخلاقى، هكذا تزداد شعبية القاضى بعد الحكم المخاطب لرجل الشارع"..هكذا يتوقع البراء أن تزداد أعداد رجال القضاء "النجوم". كما يشير إلى أن هذه الشعبية "لا تخلو من وجود أطماع سياسية، وربما نجدهم يشغلون المناصب الوزارية قريباً"، ويبرر هذا الهوس الإعلامى المتبادل بين القضاة والشارع:" بأن الأحكام تصدر فى حضور الكاميرات، وبشكل يخاطب عاطفة رجل الشارع كما لو أنها مشاهد درامية في مسلسل إجتماعى"!
ثقافة الوصاية الأخلاقية
يوتيوب بالنسبة لليلى فهمى - كما تقول لـ DW عربية - يعد النافذة الأهم على الإنترنت التى تطبق مبدأ الفضاء الإفتراضى وهو "إمكانية إسهام كل فرد بدون قيود أو تخصيص وبالتالى يمثل كنزا منتامياً"، لهذا تعتبر أن الحكم بحجبه يعد "سذاجة أو عبط"، وإن كان "متناسبا تماما مع هيكلة مؤسسة القضاء المصرى، والتى تعد أحد أركان عفن الدولة المصرية لهذا لا يبدو غريباً فى هذا السياق". ترى فهمى أن تراكم مثل هذه الأنواع من الأحكام سيمثل (فرشة) مناسبة لتمكين ثقافة الرقابة والوصاية الأخلاقية، التى تمثل الذراع الأيمن للسلطة الإسلامية الوليدة، لإحكام قبضتها على كافة مفاصل الدولة". رغم أن ليلى تتوقع عدم تنفيذ الحكم الآن، لكنها تتوقع دخوله حيز التنفيذ بعد عدة أحكام أخرى مشابهة، وتبرر ذلك بقولها "أن منهج الوصاية هو جوهر الفكرة السلطوية التى ينتمى إليها الإسلام السياسى، وتفترض وجود مثال صحيح مقدس وهناك أشخاص أصحاء مقدسون لهم الحق فى تقويم باقى المجتمع".
تسأل DW عربية ليلى كيف تتوقع رد فعل جمهور الإسلام السياسى مع عدم تطبيق الحكومة لحكم يوقف المساس بالرسول؟ فتقول "هذا الجمهور يرى الفيلم المسىء وتوابعه مجرد منفذا لتفريغ طاقة! وهذه - الطاقة- تفقد قيمتها بمرور لحظة فورانها، وبالطبع لن يتذكرها أحد. رغم ذلك أتوقع إلا تتوقف محاولات السيطرة على الفضاء المفتوح"، وتضيف "بما أن دولة الإسلام السياسى سلطوية بالأساس وتتبنى منهج الوصاية فإن الإنترنت يمثل تهديدا لرغبة هذه الدولة فى الإحكام على المجتمع".
من جانبه يتحدث المدوّن محمد جمال بشير المعروف بـ"جيمى هوود" لـ DW عربية قائلاً "حينما يصل الغباء بنظام سياسى أو قضائى لحجب موقع اليوتيوب فهذا يكشف أننا نتعامل مع هواة." كما يتساءل "كيف تتعامل الدولة المصرية مع الإنترنت؟ هل هناك خبراء فى هذه الدولة تعى بأهميته؟ و بناءً على خبرات الدولة المحدودة هل القضاء عنده تحديث ورؤية واعية لمعنى الإنترنت ومواكبة استخداماته؟ هل هناك خلفية معلوماتية لدى هذا القاضى، بما طالب به حكمه!؟". حسبما يرى جيمى فإن الحكم يعاقب كل المصريين" الحكم مبالغ فيه، وقد صدر بحق صنّاع الفيلم أحكاماً غيابية تتنوع بين المؤبد والإعدام ألا يكفى هذا.. كما أن الحكم لا يعاقب الصنّاع، لكنه يعاقب كل المصريين"، ثم يضيف ساخراً "لو كانوا نفذوا حكم حجب المواقع الإباحية، يمكنهم حجب اليوتيوب". كما يقول بشير لـ DW عربية أن الحكومة المصرية والقضاء المصرى بدلاً من أن يوصيا بتبنى نظام تعليمى وتربوى وخطاب دينى متزن، سلكا الطريق الأسهل والأكثر سلطوية وذلك بممارسة الوصاية، ويضيف:"رغم أن من لا يستخدم الإنترنت يرى أن حكم الحجب يعد رادعا وقد سمعت الكثيرين يقولون لماذا لا نغلق هذا الموقع للأبد؟ وأؤكد أنهم لا يستخدمون اليوتيوب أصلا"، ويفسر "جيمى هوود" هذه الحالة بقوله "هناك هوى إسلامى عند بعض القضاة، ورغبة فى المزايدة الدينية، مثلما قال النائب البرلمانى على ونيس، معلقاً على حكم سابق بحجب المواقع الإباحية، كيف ستكتبون على الإنترنت عن الحجب وتهاجمونه!؟".