مصر- تراجع في حرية الصحافة أو الرغبة في المطالب المفرطة
١٣ مايو ٢٠١٣عاد الجدل مجددا حول موضوع الحريات في مصر بعد تقرير لمفوضية الأمم المتحدة اعتبر أن الحريات في مصر تراجعت لمستويات أدنى مما كانت عليه في عهد الرئيس مبارك. وبحسب التقرير الذي صدر قبل يومين فإن الدستور الجديد يشكل أهم بواعث القلق بسبب الجدل الذي يثيره وعدم محاسبة أفراد الأمن المتورطين في الانتهاكات، وأيضا بسبب الإجراءات القانونية المستهدفة للصحفيين والنشطاء، والحد من صلاحيات سلطة القضاء. وحذر التقرير من التضييق على الصحافيين و متابعتهم، معتبرا أن مصر "مهددة بالانجراف، بعيدا عن المثل العليا التي ألهمت الثورة المصرية". و هو ما يتوافق مع ما صرح به الكاتب و الصحفي المصري جمال فهمي إلى DW عندما قال "إن إصرار جماعة الإخوان المسلمين على قمع حرية التعبير نابع من إحساسها بالفشل في معالجة القضايا الأساسية في البلد"، فيما يختلف الصحفي المصري علي عبد العال مع ما جاء به التقرير الأممي، معتبرا أنه "لا مجال للمقارنة بين وضع حرية التعبير حاليا مع ما كانت عليه في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك".
حرية مفرطة؟
وحسب المادة 215 من الدستور الحالي فإن "المجلس الوطني للإعلام يتولى تنظيم شؤون البث المسموع والمرئي وتنظيم الصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها. ويكون المجلس مسؤولا عن ضمان حرية الإعلام بمختلف صوره وأشكاله والمحافظة على تعدديته وعدم السيطرة عليه أو احتكاره، ومن مهمته أيضا حماية مصالح الجمهور، ووضع الضوابط والمعايير الكفيلة بالتزام وسائل الإعلام المختلفة لأصول المهنة وأخلاقياتها، والحفاظ على اللغة العربية، ومراعاة قيم المجتمع وتقاليده البناءة". غير أن هناك تساؤلات وانتقادات واسعة لهذا القانون ومن بينها عدم وجود ما يدل على توازن هذا المجلس بالإضافة إلى عدم تحديد المقصود من قيم المجتمع وتقاليده البناءة. ويرى جمال فهمي العضو السابق في مجلس نقابة الصحفيين المصريين أن "حرية الصحافة في مصر تشهد تضييقا أكبر مقارنة مع عهد مبارك"، وقال:"كانت تمارس علينا في العهد السابق قيود و الآن تم تعزيزها أكثر، فعدد المتابعات القضائية بحق الصحفيين تضاعفت أكثر من أي وقت مضى، وتمت محاصرة مدينة الإعلام، وهناك اعتداءات على مقرات بعض الصحف المعارضة الى جانب تخويف الصحفيين و تعذيبهم"
ويعطي فهمي مثالا عن ذلك من خلال مصورين صحفيين تم الإعتداء عليهما خلال مزاولة عملهم أثناء مظاهرات شهدتها مصر، مما أدى بتسعة منهم إلى فقدان بصرهم بالإضافة إلى الصحفي المصري الحسيني أبوضيف الذي توفي نتيجة إصابته خلال إحدى المظاهرات أمام القصر الرئاسي. ويعتقد فهمي أن ما حدث كان مدبرا بسبب مقال نشره المتوفى عن الرئيس مرسي. "لقد شهدنا 56 حالة اعتداء على صحفيين خلال أربعة أشهر فقط" يقول الصحفي أبو ضيف. غير أن علي عبد العال وهو صحفي وكاتب مصري ذو توجه إسلامي لا يشاطر زميله الرأي و يعتقد أن حرية التعبير التي تعرفها مصر الآن لا يمكن مقارنتها بعهد النظام السابق، و أضاف في حديث مع DW : "ما نعاني منه في مصر هو في الواقع هو "حالة حرية زائدة، و ينبغي تقنينها في قانون الصحافة الذي أثار كل هذا الجدل. فهو جاء بالأساس لينظم تنظيم البث الفضائي وإصدارات الصحف وهو يضمن لأي مواطن مصري حق فتح جريدة، وهو ما لم يكن متاحا بسهولة في العهد السابق".
"فشل الإخوان"
ويضيف عبد العال في معرض تعليقه على إصابة صحفيين خلال تغطيتهم لأحداث المظاهرات" هؤلاء أصيبوا كما قد يصاب أي متظاهر خلال فض احتجاج ما، وليس لأنهم صحفيون. كما أن الحسيني أبو ضيف بدوره توفي لأنه أصيب في المظاهرة وليس بسبب كتاباته".
قبل أسابيع شهدت مصر جدلا بسبب اعتقال الإعلامي الساخر باسم يوسف صاحب برنامج "البرنامج" بتهمة إهانة الرئيس مرسي و ازدراء الدين الإسلامي، مما أثار انتقادات كبيرة داخل مصر و خارجها. بيد أن عبد العال يؤكد على أن هامش حرية الصحافة في مصر اتسع بشكل كبير بدليل أن عشرات القنوات الآن توجه اتهامات وهجومات وشتائم وطعون ضد الرئيس مرسي و تدعو للانقلاب عليه، "لو كان هناك بالفعل تقييد لحرية الصحافة كما يدعون، لما كان بإمكان هذه القنوات أن تعرض كل ذلك"، حسب عبد العال
في السابق كان نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك يفرض رقابة تامة على الإعلام المصري ويحظر انتقاد شخصه أو سياسته. وبالإشارة إلى أن الصحفيين المصريين الآن فقد أصبحوا أكثر جرأة وحرية في التعرض للرئيس الحالي، إلا أن الإجراءات القانونية التي تتخذها السلطات المصرية الحالية جعلت بعضهم يصف وضع الصحافة في مصر الآن على أنه "الأسوأ" على الإطلاق.
ويقول الكاتب جمال فهمي في هذا السياق:" ما فعله الإخوان هو أنهم احتفظوا بترسانة القوانين التي كانت تقيد الصحفيين في عهد مبارك بالإضافة إلى فرض قيود جديدة، وهو ما لا يمكن قبوله لأن هذه الثورة جاءت بالأساس لتحقق الحرية".ومع الإشارة الى فشل الإخوان وجماعتهم في العديد من الملفات يضيف قائلا: " إن إصرارهم على قمع حرية التعبير نابع من فشلهم في التعامل مع القضايا الأساسية في البلد". ومن بين القوانين المثيرة للجدل في مصر أيضا قانون الجمعيات المدنية الذي أثيرت بخصوصه مطالب بتعديله و ملاءمته مع القوانين الدولية، بالإضافة إلى قانون تنظيم التظاهر الذي لم يتم تشريعه بعد. ومن هنا تأتي اتهامات المعارضة للجماعة الإسلامية بأنها تسعى من خلال تطبيق ذلك القانون إلى منع التظاهر السلمي في شوارع مصر.