مصر – إصلاح المناهج الدينية لمواجهة التطرف
٢٣ فبراير ٢٠١٥أصدر وزير التربية والتعليم محمود أبو النصر قرارًا بتشكيل لجنة من الوزارة لمراجعة بعض المواد في مناهج التربية الدينية لكافة المراحل التعليمية، الابتدائية والثانوية منها، وتقديمها إلى وزارة الأوقاف والأزهر لاحقا بهدف مراجعتها. وكانت وزارة التربية والتعليم قد وضعت في ديسمبر 2014 استراتيجية "الأمن الفكري"، لمواجهة ظاهرتي العنف والتطرف بالتعليم قبل الجامعى، والتى أعدّها المركز القومى للبحوث التربوية والتنمية، لخدمة التحصين الفكرى والأخلاقى والعقائدى للمتعلمين. يأتي ذلك في ظل الدعوات المتكررة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للقيام بـ"ثورة دينية" من أجل تقليص مخاطر الإرهاب. وكان الأزهر قد استجاب أيضاً لهذه الدعوة وأعلن عن رغبته في تعديل بعض المناهج، غير أن ذلك مازال قيد التطوير.
وفي هذا السياق، أكد المتحدث الإعلامي باسم وزارة التربية والتعليم عمر ترك على مراجعة المناهج الدينية، وقال إن "الوزارة أرسلت المناهج إلى الأزهر والأوقاف لمراجعتها وليس لتغييرها". وتتجلى أهمية ذلك في "التأكيد على وسطية المناهج وعدم تضمنها لأية نصوص تدعو إلى التطرف".
وأشار المتحدث الإعلامي إلى أن الوضع في البلاد يدعو إلى مراجعة المناهج لنشر ثقافة الوعي في مواجهة التطرف والعنصرية. ولكنه أكد في لقاء مع DWعربية أن تغيير المناهج مازال جاريا. واعتبر عمر ترك أن الأهم من تغيير المناهج هو خلق روح التسامح.
كما أشار إلى استراتيجية "الأمن الفكري" وقال: "الأمن الفكري يضم متخصصين، فكرياً وعقائدياً وأخلاقياً". وأوضح أن الأمر يتعلق ب" خطة قصيرة الأمد، مدتها 3 سنين، من عام 2015 حتى عام 2017. وتبدأ المرحلة الأولى هذا العام عبر ندوات لنشر ثقافة "الأمن الفكري"، والمرحلة الثانية عبر حصص أسبوعية للتحصين ضد العنف. أمًا المرحلة الأخيرة فسيتم قياس التجربة ميدانياً، أي تجربة العصف الذهني".
الشيخ أحمد تركي: المناهج الدينية سطحية
في وقت سابق من مطلع الشهر الحالي، قرر وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة تشكيل لجنة رفيعة المستوى برئاسته لمراجعة مناهج التربية الدينية ووضع ضوابط لها.
في لقاء مع DWعربية، أكد الشيخ أحمد تركي، مدير المساجد الكبرى بوزارة الأوقاف ومن علماء الأزهر الشريف، على أهمية مراجعة المناهج الدينية، ووصفها بإنها "سطحية"، واستشهد بمثال قصة الفيل والكعبة، وهي قصة شهيرة تتعلق بحماية الكعبة، التي هي أحد أهم الرموز الدينية في الإسلام. ولاحظ أن القصة تشير في نهايتها إلى أهمية حب الوطن والدفاع عنه. واستخلص الشيخ أحمد تركي أنها قصة دينية ولا تمت للوطنية بصلة!.
من المسؤول عن الأرهاب؟
من جانبه، يرى الأستاذ ممدوح الشيخ، خبير في الحركات الدينية، أن الحديث عن تغيير المناهج قديم ولكنه ازداد في الآونة الأخيرة. وهو يرى أن المناهج القومية أو الدينية غير مؤثرة. وانتقد الشيخ بشدة وجود فئة تُحمِّل الأزهر مسؤولية التطرف في المناهج الدينية وتعترض على وجود التعليم الأزهري. كما نوًه بالأزهر وقال "إن المناهج الأزهرية لا تصنع الإرهاب، ولكنها فشلت في منع ظهور الإرهاب". وأضاف المتحدث قائلا: "أنا مع تطوير المنهج الديني ومزجه بالعلوم الإنسانية الحديثة"، ولكنه يتحفظ على وصف استراتيجية التربية والتعليم ب "الأمن الفكري"، ملاحظا أن ذلك" يجر إلى تحويل مؤسسات الدولة إلى أجهزة أمن سياسي". كما يرى أن المطلوب هو "إرساء مبادئ وقيم وأنماط سلوكية وتكريسها في التعليم من خلال ممارسات تفوق المناهج، من أجل خلق مواطن مسالم، وغير مستعد لتغيير الواقع بالقوة".
"ضرورة تعميم التعليم الديني"
وتتفق إيمان رسلان، خبيرة متخصصة في التعليم، مع ممدوح الشيخ حول الغموض الذي يلف باستراتيجية "الأمن الفكري"، وربط الأمن بالفكر. وتقول في حديثها مع DWعربية: "هذا يعني أنه لا يوجد فكر ولا أمن ولا حتى تعليم". وتقول في سخرية "عايزين يحموا الأولاد من داعش وقالوا نعمل "أمن فكري" على غرار الشرطة المجتمعية". وتتساءل إيمان رسلان :" هل هذا فرع جديد لوزارة الداخلية؟". واعتبرت أنهم أساءوا استخدام المفاهيم، وهذا يدل على التخبط وعدم وضوح الرؤية".
وتعتبر رسلان أن تغيير المناهج الدينية أمر يدعو إلى الجدل، " فنحن لم نصل بعد لمعرفة المقصود من المناهج الدينية، فهل هي تشمل آيات قرآنية؟ أم نحن بصدد رؤية عصرية للدين"؟. كما شددًت على أهمية فتح ملف خاص بالتعليم الديني، ملاحظة وجود ازدواجية في التعليم الديني المصري، حيث هناك تعليم عام وآخر أزهري. "إنها خصوصية لا توجد في أي دولة أخرى"، حسب رأيها.
كما عبرت المتحدث عن اعتقادها أن التعليم الأزهري نفسه لا يخلق التطرف، لأن الدين الاسلامي لا يحث على التطرف، ملاحظة أن الجهود الحالية لتغيير المناهج، تأتي في هذا الوقت بالذات للتفاعل مع الأحداث فحسب، وليس نتاجا للإحساس بالخطر. وللخروج من هذه المحنة، عبرت الخبيرة رسلان عن اعتقادها من ضرورة وجود رؤية شاملة لفلسفة التعليم، عبر مجلس للتخطيط الاستراتيجي يضم مفكرين ومثقفين وعلماء، ولا يخضع لنفوذ أطراف تنفيذية. فالهدف، حسب رأيها، هو جعل المناهج الدينية إنسانية، بحيث إنها تشمل قيما إنسانية أكثر منها قصصا دينية، كما تقوم بترسيخ موقف المواطنة وعدم التفرقة بين المسلم والمسيحي"، كما تؤكدد الخبيرة رسلان.