مصر - "الوصم الاجتماعي" يطارد ضحايا كورونا إلى القبور
١٢ أبريل ٢٠٢٠لم يدر في بال سيد نصر أن يطاله فيروس كورونا ويتسلل لنحو 45 شخصاً من أفراد عائلته. بل لم يتخيل أيضاً أن يرفض أهل قريته شمال العاصمة المصرية القاهرة دفن جثمان جدته "غالية" التي توفيت متأثرة بمرض كوفيد-19.
يقول سيد في حوار مع DW عربية إن العدوى بدأت بعمه عبد الرؤوف الذي يعيش معهم في نفس العقار لتنتقل بعدها إلى جدته التي توفيت قبل أن تصل إلى المستشفى في السادس من أبريل/ نيسان.
ذهب سيد وابن عمه ليدفنا جدتهما، فوجدا ما لم يكن بحسبانهما. تصدى لهما أهل قريته ببهتيم في شبرا الخيمة (شمال القاهرة). ويضيف المواطن المصري في هذا السياق: "لم نستطع دفنها فسافرنا بها إلى مسقط رأسها بمحافظة الغربية (93 كم شمال القاهرة) فرفض أهل القرية في السنطة هناك أيضاً، ظناً منهم أنها قد تنقل لهم العدوى، إلا أن تدخلت الشرطة وتصدت للأهالي حتى وارت الثرى."
رغم ما فعله الأهالي، إلا أن سيد الذي يخضع وزوجته للعلاج بمستشفى كفر الزيات المخصصة لمصابي كورونا، يقول: "التمس لهم العذر بسبب جهلهم"، ثم أضاف: "لم نفكر يوماً في أن نسبب أذى لأحد، فمن المؤكد أننا لا نتعمد في أن نعدي أي شخص".
بعد وفاة الجدة، خضعت الأسرة ومخالطيها لفحص الفيروس حتى تبين إصابة 45 شخصاً من العائلة بينهم سيد وزوجته، فيما لحق عمه بجدته.
يُذكر أن مصر سجلت حتى يوم أمس السبت 1939 حالة إصابة، من بينها 426 حالة تم شفاؤها وخرجت من المستشفى، و146 حالة وفاة.
"روح شريرة"
يقول علاء غنام، الخبير في قطاع الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية وهي من منظمات المجتمع المدني في مصر، إن "الوصم نتيجة المرض في الوعي الشعبي الجمعي مسألة تاريخية ليست بسيطة"، موضحاً أنه "من المعروف في علم الاجتماع الطبي أن القبيلة البدائية كانت تنظر للمرض باعتباره من الأرواح الشريرة أو مساً من الشيطان فكانت تعزل أو تقتل مرضاها أيضاً".
بعدها بيوم، تكرر الأمر مع أسرة رجل مسن توفي أيضاً بالفيروس وعند دفنه في مسقط رأسه بقرية بولس بمحافظة البحيرة اعترض الأهالي حتى تدخلت الشرطة مرة أخرى.
لكن الوضع ازداد سوءاً مع الطبيبة سونيا عبد العظيم (64 عاماً) التي توفيت أمس السبت، بعدما أُصيبت هي الأخرى بالفيروس، حيث احتشد أهالي قرية "شبرا البهو" وسط الدلتا ورفضوا دفنها إلا أن فرقتهم قوات الشرطة بالغاز المسيل للدموع وألقت القبض على 23 شخصاً وأحالتهم إلى النيابة للتحقيق.
أثارت الواقعة ضجة واستياءً في أوساط الرأي العام، دفعت النائب العام المصري حمادة الصاوي إلى التحقيق العاجل في الواقعة. كما وصف المفتي المصري شوقي علام، في بيان يوم السبت، الظاهرة بـ "الفعل الغوغائي".
وفي هذا السياق قال علام: "لا يجوز لأي إنسان أن يحرم أخاه من هذا الحق الإلهي المتمثل في الدفن، ولا يجوز ارتكاب الأفعال المُشينة من التنمر – الذي يعاني منه مرضى الكورونا أو التجمهر الذي يعاني منه أهل الميت عند دفنه (...)".
كما دخل شيخ الأزهر أحمد الطيب على خط الأزمة أيضاً، وكتب على حسابه بفيسبوك يقول: "(...) إنسانيتنا توجب على الجميع الالتزام بالتضامن الإنساني، برفع الوصمة عن المرض وكفالة المتضررين وإكرام من ماتوا بسرعة دفنهم والدعاء لهم".
وقال أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية في القاهرة سعيد صادق، إن ظاهرة الوصم تنمو في المناطق الفقيرة حيث تغيب التوعية الصحية الكافية بإجراءات مكافحة الفيروس، ولا تثق في الخطاب الإعلامي الصحي.
وأوضحت منظمة الصحة العالمية: "أنه حتى الآن لا يوجد دليل على إصابة الأشخاص بالعدوى جراء التعرض لجثث الأشخاص الذين ماتوا بسبب مرض كوفيد-19".
مضايقات لمجرد الاشتباه
لم يقتصر الوصم على المصابين أنفسهم بل امتد لمجرد الاشتباه ملثما حدث مع الطالبة "ه" في الحي الراقي بالشيخ زايد، حيث ساءت حالة والدها الصحية (مريض القلب) بعدما تعرض لنوبة غثيان شديدة فاصطحبته والدتها إلى مركز طبي خاص.
تقول الطالبة التي تحفظت على ذكر اسمها في حوار مع DW عربية: "رغم تأكيدنا للطبيب بأن تلك الأعراض بوادر جلطة أصيب بها من قبل، إلا أنهم شكوا أن يكون مصاباً بالفيروس، وأرسلونا إلى مستشفى حميات إمبابة المخصصة لمصابي كورونا، لكنه توفي أثناء تشخيص حالته".
وتضيف المواطنة المصرية: "رغم أن التشخيص أثبت عدم إصابة والدي بالفيروس، وأنه توفي نتيجة تعرضه لهبوط حاد في الدورة الدموية مع انكسار الشريان التاجي، إلا أننا لم نسلم من الوصم ومضايقات من الجيران في العقار، كما أن أقاربنا وأصدقائنا انقطعوا عنا أيضاً، بعدما علموا بأنه توفي في مستشفى تأوي مصابي كورونا".
في حادثة أخرى تعرضت الطبيبة الشابة دينا مجدي العاملة في إحدى المستشفيات المخصصة لمصابي كورونا بالإسماعيلية، لمضايقات الجيران. مما دفعها لنشر قصتها عبر حسابها بموقع "فيسبوك".
تقول دينا: "تجمهروا أمام المنزل لطردي من سكني واتهموني بنشر الفيروس والتسبب في نقل العدوى إليهم لمجرد أني أعالج مصابيه". اضطرت الطبيبة الشابة إلى استدعاء النجدة لإبعادهم عن منزلها.
وفي هذا السياق يوضح غنام أن تكرار تلك الظاهرة يكشف تدني الوعي لدى المواطنين ويعكس غياب الثقة في الرسالة التي توجهها الدولة عن جائحة كورونا. "ليس هذا فقط بل تلقى تلك الظاهرة بظلالها على أدوات مؤثرة غائبة مثل القيادات الدينية الروحية وكذلك منظمات المجتمع المدني والأحزاب الفاعلة وكذلك الإعلام"، حسب غنام الذي أضاف أيضاً: "لا يمكن أن نلوم هؤلاء الناس البسطاء على تدني تعليمها ووعيها".
وذهب أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية في القاهرة سعيد صادق إلى أن "تلك الظاهرة تعكس تغير بنية المجتمعات العربية في العقود الأخيرة من تدهور حالة وثقافة واحترام حقوق الإنسان والرحمة والتسامح بها وانتشار القسوة والعنف ضد الإنسان والحيوان نتيجة الفوضى والجهل".
ويوضح صادق: "ليس فقط في عنف الحكومة ضد المعارضة بل العكس عندما تتمكن المعارضة وتتبدل الأدوار وتصل للحكم كما رأينا في أسلوب قتل معمر القذافي الزعيم الليبي وعلي عبد الله صالح الرئيس اليمني السابق".
وطالب صادق، السلطات بالتحرك سريعاً بفرض عقوبات عاجلة على مرتكبي تلك الأفعال، وأيضاً تكثيف الخطاب الإعلامي الصحي ليصل للمناطق الفقيرة بأن الإصابة بالفيروس ليس وصمة حتى لا يخرج الأمر عن السيطرة.
القاهرة - محمد مجدي