مصادرة "جدران الحرية".. محو لآثار ثورة 25 يناير
٢٥ فبراير ٢٠١٥في أحد شوارع العاصمة الألمانية برلين يطل وجه الناشطة المصرية الراحلة شيماء الصباغ والتي رسم صورتها على جدار الشارع المصري عمار أبو بكر. لا عجب أن هذا الشارع به العديد من رسومات الجرافيتي عن مصر، ففي الركن مكتب الناشر الألماني المولع بالغرافيتي المصري دون كارل. "جدران الحرية " كان آخر كتاب يصدره الناشر الألماني دون كارل، وهو يوثق عبر صور الغرافيتي ومقالات للفنانين لما وراء أعمالهم الفنية المنتشرة في شوارع المدن المصرية. كما يتطرق الكتاب لأهم الأحداث والتظاهرات ويذكر عدد القتلى والجرحى أحياناً حسب الإحصائيات الرسمية.
فن يزعج السلطات
صدر الكتاب في آذار/ مارس عام 2014 ومنذ ذلك الحين يتم توزيعه في مختلف أنحاء العالم إلا أنه مُنع من دخول الصين، لكن المنع الثاني والأكثر قسوة كان في مصر، بلد الثورة التي يعرض لها كتاب "جدران الحرية". فقد صُدرت الشحنة الأخيرة المكونة من 400 نسخة بحجة تضمنه لمواد تحرض على الجيش والشرطة.
وهذه هي ليست المصادرة الأولى في مصر، فالكتب القادمة من الخارج تخضع للرقابة ومن ثم تتم الموافقة على تداولها أو تُمنع. عن مصادرة كتابة يقول كارل في حوار مع DW عربية: "قد يكون الكتاب مزعجاً لأنه يسرد حقائق، ربما يرغب البعض في نسيانها أو نسيان المتورطين فيها".
الناشر الألماني لم يسافر إلى مصر كثيراً لكنه راقب عن كثب بداية تطور فن الغرافيتي في الثورة، ويقول عنها: "إنها ظاهرة مختلفة عن أي مكان آخر حتى عن تونس التي مرت بالظروف نفسها، الغرافيتي في مصر تطور بشكل مذهل منذ الأيام الأولى للثورة في عام 2011 وحتى اليوم". وعُرف عن الناشر الألماني أنه ساهم في رسم صورة الشهيد خالد سعيد على جزء من جدار برلين ، والذي كان موته أحد أسباب إندلاع الثورة المصرية. ويشير كارل هنا إلى رابطة عاطفية بين جدار برلين ورمزيته للحرية والانتصار وإلى رمزية صورة خالد سعيد، الذي يعد أحد أيقونات الثورة المصرية.
الكتاب المحظور في مصر الان هو الكتاب الأكثر مبيعاً في فئة الفنون وفنون الشارع على متجر بيع الكتب في الإنترنت "أمازون". ويذكر الناشر، الذي يكتب وينشر عن الغرافيتي حول العالم منذ عام 1986، أن السوق الأكثر مبيعاً للكتاب هي الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا.
منع رقابي أم تطوعي؟
صدر الكتاب باللغة الانجليزية وكان من المقرر أن يصدر باللغة العربية قريباً، إلا أن الناشر يقول: "قررنا نشر النسخة العربية للمصريين، حتى يصبح بين يديهم كتاب مصور به توثيق بذلنا جهوداً كبيرة للتأكد من دقته، لكن الوضع الآن بات متخبطاً بعد منع الكتاب ولا نعرف ما مصير خطة إصدار النسخة العربية".
من جانبه يقول أحمد سليم، رئيس جهاز المطبوعات الأجنبية، إنه كممثل للجهة الوحيدة المسؤولة عن المنع الرقابي لأي مطبوعات قادمة من الخارج لا يرى "أي عوائق رقابية تمنع دخول الكتاب فقد سبق وأن دخل الكتاب إلى مصر"، مؤكداً أن أسباب المنع هي أسباب جمركية تتعلق بدفع أموال للتخليص لجمركي.
لكن كارل يقول إنه تم دفع جميع المتعلقات المالية الخاصة بالكتاب، إلا أنه مازال قيد الحجز، كما يشير إلى "أنه بالفعل لم يتم الحجز على الكتاب رقابياً بشكل رسمي، وإنما قام أحد موظفي الجمارك تخوفاً من مضمون الكتاب حينما شاهد صوراً تخص الثورة المصرية فتطوع بإبلاغ النيابة التي تباشر الآن تحقيقات بهذا الصدد".
وهنا يوضح رئيس جهاز المطبوعات الأجنبية في حوار مع DW عربية بالقول: "بالفعل سيتم تشكيل لجنة متخصصة لفحص الكتاب مرة أخرى بناء على طلب من النيابة للتأكد من مطابقة النسخة الجديدة مع سابقتها التي دخلت مصر"، مضيفاً أنه "إجراء روتيني".
مطاردة وصمود
"بعيداً عن الصراع حول الرقابة على الفنون، يشق فنانو الشوارع طريقهم دون توقف"، كما يقول فنان غرافيتي الشوارع عمار أبو بكر فنان الشارع، وهو أحد ضم كتاب "جدران الحرية". وعن تجربته مع رسم الغرافيتي في مصر يقول في لقاءه مع DW عربية: "المصريون رسموا على المعابد، ورسموا توثيقاً لرحلات الحج على بيوت الحجاج، الغرافيتي في مصر حالة مختلفة".
ويوضح أن الثورة خلقت بيئة خصبة للفنانين فعبروا عنها على جدران القاهرة، وخلقت فنا له هوية مختلفة في مصر. "لم نكن نختبئ لنرسم مثلما يحدث في العالم. كنا نرسم وسط التظاهرات والاعتصامات". ويشير أبو بكر إلى أنه رسم وجوه الشهداء "بهدف أن يذكرهم الناس ويذكر من قتلهم"، موضحاً أن كتاب "جدران الحرية" لا يعتبر رفاهية، "فالتوثيق للثورة والفنون التي ولدت فيها ووثقت لها، ضرورة حتى لا يتم محو آثارها ونسيانها".
وعن صعوبات تواجه الفنانين يتذكر عمار في حديثه "جنزير"، وهو أحد الفنانين الذي ترى أعماله في كتاب "جدران الحرية"، والذي ترك مصر إلى الولايات المتحدة منذ عدة أشهر بعدما هُددت حريته بعرض صورته في إحدى الفضائيات الخاصة وإدعاء أنه يدعو للتخريب لأنه يرسم على الجدران.
"الغرافيتي من الفنون المزعجة للسلطات، إذ يصل للناس دون وسيط في الشارع، ويوصل رسائل يصعب إيصالها بطرق أخرى، بل ويهدد باقي أنواع الفنون لجماهيريته الشديدة"، يقول أبو بكر. ويستذكر في هذا السياق أكثر رسوماته التي أزعجت السلطات في مصر: "رسمت الشيخ عماد عفت الذي قُتل في أحداث مجلس الوزراء والشهيد مينا دانيال الذي قُتل بأحداث ماسبيرو وكلاهما كان يُمسح من على الجدران من قبل أجهزة الدولة بحجة تنظيف الجدار أو أنه يمثل مخالفة".
وعن وجود حلول بديلة لمنعهم من الرسم على الجدران يقول أبو بكر: "لا حلول بديلة لدى الفنان سوى أن يكمل فنه، إذ لم يكن الغرافيتي أبداً فنا شرعياً، لكن الناس تحب رؤيته وخاصة البورتريه وطالما يؤدي رسالته في التوثيق والتذكير فسنكمل ما بدأناه".