مشروع بحثي ألماني يهدف إلى تقديم القرآن في سياقه التاريخي
٨ أكتوبر ٢٠٠٧في إطار مؤتمر المستشرقين الألمان، الذي اختتم أعماله الأسبوع الماضي في مدينة فرايبورج، قدمت مجموعة من الباحثين الشبان في العلوم الإسلامية مشروعا طموحا يتتبع صيرورة النص القرآني وتطوره، ويهدف إلى رسم صورة للحالة الذهنية والثقافية التي كانت سائدة فترة نزول القرآن.
ويسعى الباحثون، الذين اختاروا لمشروعهم اسما لاتينيا هو Corpus Coranicum أي "مجمل النصوص المتعلقة بالقرآن"، يسعون إلى إنشاء بنك معلومات الكتروني متكامل يتضمن كافة المخطوطات التي حفظت القرآن ودونته بخطوط مختلفة، كما يتضمن القراءات المتعددة للنص القرآني، إضافة إلى نصوص تراثية من العصور السابقة على القرآن باللغات اللاتينية واليونانية والآرامية والعبرية.
صيرورة القرآن
تنطلق فكرة المشروع من الطبيعة الحية للنص القرآني، فهو نص أخذ يتشكل عبر أكثر من عشرين عاما، وهي الفترة التي نزل فيها على النبي محمد. ميشائيل ماركس، الباحث في المشروع، يصف فلسفة المشروع في لقاء مع موقعنا قائلا: "القرآن نص متعدد المعاني، وينفرد بتنوعه الصوتي، فالنص القرآني كتب بخطوط مختلفة مما أدى إلى حدوث تباين بسبب اختلاف طريقة رسم الحروف، فالخطوط القديمة كانت تخلو من النقاط المصاحبة للحروف، كما أكسبت القراءات المختلفة للقرآن فيما بعد طرقا مختلفة لسماعه، إضافة إلى تحوير لبعض معانيه".
ويوضح ماركس أن إرفاق النصوص التراثية من العصور السابقة على القرآن كالنصوص المسيحية واليهودية لا يهدف إطلاقا إلى إرجاع بعض الآيات القرآنية إلى أصل سابق عليها، وإنما يهدف إلى وضع النص القرآني في السياق الثقافي والتاريخي الذي ظهر فيه، مما يلقي الضوء على الحالة الذهنية لمتلقيه وطبيعة نظرتهم للعالم في ذلك الوقت، حيث أن المشروع لا يضع شخصية النبي في صدارة اهتمامه وإنما يركز على متلقي القرآن، الذين نشئوا في ظل الأفكار والنصوص التي كانت منتشرة آنذاك.
الهدف إنشاء بنك معلومات
المشروع الذي تموله أكاديمية برلين-براندنبورج للعلوم أثار اهتمام الحاضرين في مؤتمر المستشرقين، ونجح في اجتذاب عدد من أساتذة الجامعة وشباب الباحثين من فروع مختلفة، وهو أمر قد يساعد على توسيع دائرة العاملين في المشروع، والذين لا يتعدى عددهم حتى الآن 15 باحثا، بينهم مسلمون وغير ألمان.
ورغم عمر المشروع، الذي لا يتجاوز تسعة أشهر، يطمح القائمون عليه في أن يكون بنك المعلومات جاهزا نهاية العام القادم، وسيكون بالإمكان الاطلاع عليه عبر شبكة الانترنت. وحاليا يعكف فريق البحث على الاطلاع على القراءات المختلفة وتقييمها، كما يقوم بحصر المخطوطات المتفرقة بين المكتبات والمتاحف ساعيا لمعرفة تاريخ كتابتها حتى يتم تحديد أي النصوص أقدم على أساس علمي.
المشروع موجه أساسا للأوروبيين
يقول السيد ماركس إن المشروع حصد ثناءً كبيرا عند تقديمه في المغرب وإيران وتركيا، لذلك لا يعتقد بأنه سيثير حفيظة الإسلام الأصولي الذي لا يؤمن بتاريخية القرآن. ويهدف المشروع أساسا إلى توثيق التراث الإسلامي، مضيفا أن وضع النص القرآني في سياقه التاريخي سيمكننا من التعرف على الطريقة التي لمس بها أسئلة عصره.
في النهاية يؤكد ماركس على أن المشروع ليس موجها إلى العالم الإسلامي في الأساس، وليست الفكرة منه توضيح معنى النص القرآني للمسلمين، وإنما يهدف المشروع بشكل رئيسي، ويمكن لمس ذلك من العنوان اللاتيني، إلى إحضار القرآن إلى أوروبا، أي إلى تقديم القرآن للقارئ أو الباحث الأوروبي بشكل مرجعي يوضح أن التقاليد الإسلامية ليست غريبة عن التقاليد المسيحية واليهودية المعروفة في أوروبا، وأن القرآن يشترك في ذلك التراث ويبني عليه شيئا جديدا.
هيثم عبد العظيم