مشاهير ونجوم و"قراصنة" يشاركون في انتخاب رئيس ألمانيا
١٧ مارس ٢٠١٢جرت العادة في ألمانيا، أن تدوم التحضيرات لانتخاب رئيس الجمهورية مدة عام تقريبا. خلال هذه المدة، وتحت قيادة رئيس البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) يهيئ ما يقرب من عشرين فريقا برلمانيا، يصل مجموع عدد أعضائهم 90 شخصا تقريبا، لاجتماع الجمعية الاتحادية. وتنحصر وظيفة الجمعية الاتحادية في مهمة واحدة، هي انتخاب رئيس الجمهورية.
وبعد استقالة الرئيس الاتحادي السابق كريستيان فولف، كان من الواجب أن تتم هذه التحضيرات في ظرف ثلاثين شهرا تقريبا، كما ينص على ذلك القانون الألماني، الذي لا يقبل بفراغ في السلطة. ففي الأحوال العادية يتم انتخاب الرئيس الجديد للدولة، بعد مرور ثلاثين يوما، على أبعد تقدير، من انتهاء الولاية الرئاسية لسلفه. لذلك، ومباشرة بعد تخلي كريستيان فولف عن ممارسة مهامه كرئيس للبلاد، بدأ إعداد الوثائق الانتخابية، وإرسال الدعوات للحضور، إضافة إلى اتخاذ الإجراءات الأمنية تحت وقت ضغط كبير استعدادا لانتخاب خلف للرئيس المستقيل لفولف.
مفاجآت في اللجنة الانتخابية
وقد شهدت قاعة البرلمان الاتحادي لمدة أربعة أيام متتالية بعض الأشغال لتثبيت كراسي إضافية لتشمل كل المدعوين لحضور حدث انتخاب الرئيس الاتحادي الجديد. فخلال هذه الانتخابات، لن يقتصر الحضور على أعضاء البرلمان البالغ عددهم 620 عضوا. بل سيشمل أيضا مفوضين عن الولايات الاتحادية الستة عشر في البلاد، إضافة إلى شخصيات أخرى من عالم الفن والسياسية.
وينتمي جل الناخبين، الذين تم تزكيتهم من طرف الولايات الاتحادية، إلى عالم السياسة. ومن بينهم سياسيين شباب، مثلما هو الحال بالنسبة لمارتن ديليوس، رئيس الشؤون البرلمانية في حزب القراصنة، وعضو ممثل لهذا الحزب في البرلمان المحلي لولاية برلين منذ الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول للعام 2011. ويعتبر ديليوس، الذي يبلغ من العمر 32 عاما، أحد أكبر المدافعين عن حرية استعمال الإنترنت.
ويبقى الشيء المثير، هو ضم الهيئة الانتخابية أيضا لسياسيين بارزين توقفا عن ممارسة مهامهم السياسية، بعد أن قدما استقالتهما من منصبيهما لتورطهما في فضائح استغلال نفوذهما للاستفادة من بعض الامتيازات، وهي نفس التهمة التي أطاحت بالرئيس المستقيل كريستيان فولف، ويتعلق الأمر برئيس وزراء ولاية بادن فورتمبرغ السابق، لوتر شبيت، وكورت بيدنكوبف، الذي كان يشغل منصب رئيس وزراء ولاية سكسونيا.
وجوه شهيرة تشارك في انتخاب الرئيس
الجمعية الاتحادية لا تتكون من السياسيين فقط، بل إن الكتل البرلمانية التابعة لبرلمانات الولايات، لها الحق في ترشيح بعض الشخصيات المشهورة، التي لها تأثير داخل المجتمع الألماني. فمنذ أن حظي الرئيس الألماني السابق، فيلي براندت، في بداية السبعينات بدعم الأديب الألماني الحائز على جائزة نوبل غونتر غراس، أصبح تقليدا راسخا أن ترشح الأحزاب السياسية الألمانية بعض المشاهير من الفنانين والممثلين وغيرهم. وهذا ما ينطبق أيضا على التشكيلة الحالية للجمعية الاتحادية.
ففرع الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) في ولاية بافاريا، رشح، على سبيل المثال، الممثلة الشهيرة سينتا بيرغر. هذه الأخيرة التي مازالت تحصد الجوائز العالمية المرموقة، مقابل مشاركتها في أعمال فنية في نهاية الستينات وبداية السبعينات، إلى جانب بعض نجوم السينما الأمريكية، مثل كيرك دوغلاس، وجون وين، ويول برانر، وفلرانك سيناترا. ومعروف على بيرغر ميلها السياسي للحزب الديمقراطي الاشتراكي.
في المقابل أوفد الحزب المسيحي الديمقراطي (CDU) في ولاية شمال الراين ويستيفاليا (أكبر الولايات الألمانية) للجمعية الاتحادية، الناشطة الحقوقية والمدافعة عن حقوق المرأة أليس شفارتسر. وقد لاقت هذه الخطوة المفاجئة انتقادات لاذعة من طرف أعضاء الحزب المحافظين، فيما فسرها البعض كإشارة على تحديث آليات الحزب المحافظ.
وتدافع أليس شفارتسر عن حق المرأة في الإجهاض، ويرجع لها الفضل في تغيير بنود قانون الزواج في العام 1976، إذ كان على المرأة قبل هذا التاريخ، أن تأخذ الإذن من زوجها، إذا ما أرادت أن تعمل في وظيفة ما خارج البيت. وعبرت أليس شفارتسر عن سرورها بهذا التكليف، الذي لم يمنحه لها لحد الآن، لا الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) ولا الحزب الليبرالي الديمقراطي (FDP)، ولا حتى حزب الخضر ذو التوجه التقدمي.
وإضافة إلى أليس شفارتسر، يمثل حزب المستشارة أنغيلا ميركل في الجمعية الاتحادية مقدم البرامج التلفزيونية فرانك إلستنر والمدرب الحالي لفريق هيرتا برلين أوتو ريهاغل. إلستنر، كان وراء تأسيس أحد أنجح وأكثر البرامج التلفزيونية إثارة في أوروبا ( Wetten, dass …). أما أوتو ريهاغل، فيعتبر أحد أبرز الوجوه الرياضية في ألمانيا، وسبق له أن فاز بكأس الأمم الأوروبية في العام 2004، عندما كان مدربا لليونان.
ومن جانبه، قرر حزب الخضر إيفاد المخرج السينمائي سونكه فورتمان إلى الجمعية الاتحادية. سونكه أخرج في السنوات الأخيرة أفلاما لقيت متابعة ملايين الجماهير في ألمانيا. وإلى جانب المشاهير، هناك شخصيات أخرى لا يعرف عنها الشيء الكثير، لكن الأحزاب الألمانية، اختارتها بعناية لتدلي بصوتها في اختيار الرئيس الاتحادي المقبل. كمثال على ذلك، مولودة غينش التي نجت من حادث وحشي في مدينة زولينغن، بعد أن أضرم بعض المتعصبين المنتمين لليمين المتطرف النار في منزل عائلتها. خلال هذا الحادث فقدت غينش اثنين من ابنتيها وحفيدتين إضافة إلى ابنتي أخيها. ومن المفترض أن يثلج حضور غينش ضمن الجمعية الاتحادية صدر المرشح الأوفر حظا للفوز بمنصب الرئاسة يواخيم غاوك.
خلافات حول أماكن الجلوس
وفي خضم الاستعدادات لانتخاب الرئيس الاتحادي، ظهرت خلافات حول أماكن جلوس أعضاء الجمعية الاتحادية. وقد يبدو الأمر للبعض تافها، وهناك من سيقول إنها عادة ألمانية بامتياز، لكن ترتيب الجلوس في حدث مثل هذا له دلالات رمزية عديدة. فأين سيجلس، مثلا، الممثلون الثلاثة للحزب الوطني الديمقراطي الألماني المتطرف (NPD) في الجمعية الاتحادية؟ والحديث هنا عن ممثلي حزب سياسي من الممكن أن يمنع مستقبلا.
صحيح أنه لا أحد ينكر أن ممثلي الحزب الوطني الديمقراطي المتطرف انتخبوا بطريقة ديمقراطية، لكن لا أحد من أعضاء الجمعية الاتحادية يحبذ الظهور إلى جانبهم. فكيف سيحل رئيس البرلمان الاتحادي نوربنيرت لامرت هذا الإشكال إذن؟
فولفغانك ديك /عادل الشروعات
مراجعة: منصف السليمي