مشاهداتي: عشاء في قصر بيترزبيرغ
٢٤ يوليو ٢٠١٧يتربع قصر بيترزبيرغ - وكان اسمه سابقاً شترومبيرغ - على ارتفاع 331 متراً، وعلى مدى عقود اختصّ بالنبلاء والساسة والمؤتمرات الدولية الكبرى، وكان من أشهرها مؤتمر أفغانستان في عام 2011، وقبله بعقد وُقعت فيه اتفاقية أفغانستان 2001 الدولية التي جمعت الفصائل الأفغانية في حرب قادها تحالف دولي لإسقاط نظام طالبان في ذلك البلد، ضمن الحرب على محاور الشر التي أعلنها الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الابن بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001.
منذ عام 2005 تحول القصر إلى فندق وبات اسمه شتايغن بيرغر غراند هوتيل، إلا أنّ اسمه المتداول بين الناس بقي قصر بيترزبيرغ، وبقي يستقبل ضيوف السلطات الألمانية بالعاصمة الألمانية السابقة بون لكنه بات مفتوحا للزائرين والنزلاء، وفاجأني حقاً أنّ صديقي الوزير العربي السابق قد حجز فيه جناحا لثلاث ليالٍ، وبالنظر للفخامة الباهرة التي يبدو عليها المكان، سألته بنصف جد ونصف مزاح إن كانت ميزانيته تسمح بثلاث ليالٍ في هذا الفندق الأسطوري؟ فأجاب مبتسماً أنّ حقوقه التقاعدية المستمرة تمكنه أن ينفق 500 يورو للسكن ثلاث ليالٍ.
ساعة الغروب (العاشرة ليلاً! في منتصف شهر تموز/ يوليو) تتيح لنا مشاهدة ساحرة لخارطة مدينة بون ومسرى نهر الراين الذي يقسمها، من القمة الغارقة بالغابات والأنوار. جمال المكان أنساني موضوع اللقاء.
وصلت السيدة الألمانية، فاتجه حوارنا الى عالم الأطفال، لأنها استطاعت أن تجرنا إلى مملكتها بطفلة مهذبة رافقتها وجعلت جلستنا الودية جزءاً من سياحة في تاريخ المنطقة.
سألتني السيدة عن أهم ما لفت نظري في القصر المنيف، فشرحت لها أنّ زيارة قصور الساسة في بعض البلدان لا تُتاح للمواطن إلا بسقوط النظام السياسي بشكل دراماتيكي، مبدياً اعجابي بفكرة تحويل قصر رئاسي منيف فخم الى فندق مفتوح للجميع.
استأذنت الطفلة للدخول في حوارنا، وقالت بتهذيب ولباقة تفوق سنواتها العشر إنها قد زارت المكان مع تلامذة ومعلمة صفها، ووجدت أنّ ما ينقصه زاوية للأطفال يلعبون فيها ويمرحون، فتساءلت، كيف لهم أن ينسوا الأطفال بهذا الشكل؟
لفت نظري الوزير السابق - متحدثاً باللغة العربية - بالإشارة إلى مستوى نضج الطفلة الذي دعاها إلى المطالبة بحقها في أن تلعب في باحة قصر تربع فوق قمة جبل، لكنّ والدتها الأكاديمية وضعت الحوار في سياق المنطق الذي يحكم كل سلوك ولغة وتصرفات وسياسات الألمان، مشيرة بالقول: " ربما لم يكن خطأ الناس القائمين على هذا المكان، بل خطأ الماما التي جاءت بطفلة في العاشرة من العمر الى مكان خاص بالبالغين"، ثم خاطبتنا بالاعتذار مبيّنة أنّها لم تجد أحداً يعتني بالطفلة أثناء غيابها فاضطرت أن تأتي بها إلى لقاء عمل.
وعدنا لحوارنا الأكاديمي الذي اجتمعنا لأجله، فيما انقلب الجو على الطريقة الألمانية، فغابت الشمس وتدفق سيل من مطر كثيف يقرع زجاج النوافذ الفسيحة التي تطل على بانوراما مدينة بون وما حولها.
ونحن نغادر المكان من بوابة يعلوها تمثال لرأس القديس بيتر، تداعت إلى ذهني أحداث سياسية دولية كبرى جرت في هذا القصر الفخم، ثم لفتت نظري لوحة نحاسية لامعة أنيقة مثبتة على عمود رخام، وقد حفر عليها موجز تاريخ المكان: "هناك قرائن على معيشة عدد من الناس فوق قمة بيترزبيرغ وفي غاباتها منذ عام 3500 قبل الميلاد، كما أن السور الدائري الصخري المحيط بأسفل القمة بني عام 1000 قبل الميلاد".
ملهم الملائكة - كاتب من أصل عراقي يعمل ضمن هيئة تحرير DW
*المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي DW