مشاكل التربية والاندماج وراء ازدياد عدد العرب مدمني المخدرات في ألمانيا
٨ فبراير ٢٠١٣تجدهم في أغلب محطات القطار في المدن الكبرى أو تحت القناطر والممرات أو على قارعة الطرق. شباب، كبار السن، فتيات في عمر الزهور من ثقافات متعددة، وبينهم عرب، لا يجمعهم سوى الخمر والمخدرات والبحث عن لذة عابرة.
في إحدى الأمسيات اقتربنا من مجموعة من الشباب تقضي أغلب الوقت في إحدى زوايا محطة القطار بمدينة بون بولاية شمال الراين وستفاليا. ولتسهيل عملية التواصل حرصنا على عدم الظهور بمظهر أنيق، بل بمظهر متواضع. وما أن اقتربنا من المجموعة حتى اُسْتًقبلنا بابتساماتهم. "هل من مساعدة"، قال أحدهم، عرفنا فيما بعد أنه يُدعى "باتريك". بعد تبادل الحديث مع "باتريك" أخبرناه إن كان يعرفُ عربا في المجموعة. دون السؤال عن السبب اختفى برهة وجاء بشاب في نهاية الثلاثين من العمر وذو أصول مغربية يُدعى عبد الفاضل. جاء عبد الفاضل وفي يده قنينة خمر صغيرة الحجم. وبعد التعارف معه صارحناه أننا ننجز ريبورتاجا صحفيا حول العرب وآفة المخدرات في ألمانيا. بعد تردد لم يدم طويلا قال عبد الفاضل " طيب أنا رهن الإشارة لكن شرط أن لا تًلتقط صورا لي". كما أصر على الكلام والسير في نفس الوقت في اتجاه معين بدعوى أن لديه موعد هناك.
عبد الفاضل "ضغط الأب هو الذي دفعني للمخدرات"
ينحدر عبد الفاضل من عائلة ريفية من شمال المغرب، وجاء إلى ألمانيا رفقة عائلته وعمره لم يتجاوز أربع سنوات، وهو الآن أب لثلاثة أبناء، ويمتهن البناء من حين لآخر. أما علاقته بالمخدرات فبدأت عندما كان تلميذا في المدرسة. يقول عبد الفاضل "عندما كنت تلميذا لم يكن عندي شيء اسمه عطلة نهاية الأسبوع. فمن الاثنين إلى الجمعة أذهب إلى المدرسة الألمانية ويوم السب والأحد أزور المدرسة العربية والمسجد لتعلم القرآن". ويضيف عبد الفاضل "كان والدي يمارس علي ضغطا كبيرا ويعاملني معاملة قاسية، كلما كانت علاماتي في المدرسة أو في المسجد ضعيفة". هذا الضغط تسبب لعبد الفاضل في الكآبة والخوف المستمر، ما دفعه إلى البحث عن المخدرات كملاذ. "بدأت أدخن الحشيش وأشرب الخمر مع بعض الأصدقاء ومع مرور الوقت بدأت في استهلاك الهروين والكوكايين"، كما يعترف بنفسه. قبل أن ينصرف عبد الفاضل دلنا على مكان آخر في مركز المدينة يلتقي فيه مدمنو المخدرات لإجراء فحوصات طبية والحصول على أدوية بديلة عن المخدرات.
داوود: "ثقل المسؤولية والتجارب السلبية قادتني إلى الإدمان"
في الصباح الباكر من اليوم التالي قصدنا العنوان الذي أمدنا به عبد الفاضل، فوجدنا صفا من المدمنين ينتظرون دورهم لزيارة الطبيب. من بعيد أثار انتباهنا شاب قصير القامة ذو ملامح عربية فتقدمنا صوبه وبعد تبادل الحوار عرفنا أنه من أصول سورية واسمه داوود. كان داوود مخمورا وتحت تأثير المخدرات لأنه، كما باقي أفراد المجموعة، يقضون الليالي في السهر ولا يستطيعون النوم بسبب تأثير تناول المخدرات لسنوات عديدة كما سمعنا منهم.
جاء داوود إلى ألمانيا قبل عشرين عاما رفقة عائلته، وكما هو الأمر عند عبد الفاضل، فإن داوود شعر بدوره بثقل المسؤولية الملقاة عليه من طرف الأب. "كنت أقوم وبكل ما أوتيت من قوة بكل شيء لإرضاء أبي. لكن مجموعة من التجارب السلبية في الحياة، سواء داخل العائلة أو في المحيط الاجتماعي،هي التي دفعتني إلى تناول المخدرات"، كما يقول. ويضيف داوود، الذي أٌجرى قبل أسابيع عملية جراحية في الحنجرة التي تأثرت بكميات المخدرات التي تناولها على امتداد سنوات " أصبحت مدمنا والمخدرات صارت جزءا من حياتي. إنه الواقع المر".
تزايد عدد المدمنين من أصول مهاجرة
في العيادة الطبية، المخصصة لمدمني المخدرات التي يديرها طبيب ألماني من أصول أفغانية، يحصل المدمنون على أدوية بديلة عن المخدرات. بعد أن جاء دور داوود طلبنا الإذن من الطبيب لمرافقته، فوافق. يقول الطبيب محمد سوما "نستقبل يوميا مائة حالة. غالبية الأشخاص دون سن الأربعين ويدمنون الكوكايين والهروين ومختلف أنواع المخدرات الخطيرة". ويردف الطبيب أن "عدد المدمنين من أصول مهاجرة في تزايد مستمر". ويبقى هدف مثل هذه المصحات هو مراقبة المدمنين بشكل يومي، كي لا يتجاوزوا كميات محددة في اليوم. ويوضح الطبيب الأمر قائلا "إذا منعنا عليهم تناول المخدرات بصفة نهائية ولا نعطيهم أدوية بديلة فإنهم سيتحولون إلى قطاع طرق من أجل الحصول إلى المال لشراء المخدرات".
المخدرات "ملاذ بديل لغياب الآفاق المستقبلية وفقدان الاتجاه في الحياة"
وفي حديث لDWعربية مع عبد السلام الزاهيدي، وهو مساعد اجتماعي مغربي مقيم في ألمانيا، حول أسباب هذه الظاهرة في صفوف الشباب العربي والمسلم في ألمانيا يقول: " تختلف الأسباب من شخص لآخر، لكن عموما يمكن تلخيصها في عنصرين، وهما غياب الآفاق المستقبلية وفقدان الاتجاه في الحياة بسبب رفضهم في المجتمع أو بسبب المعاناة من كراهية الأجانب والأحكام المسبقة". وتدفع هذه التجارب، على حد تعبير عبد السلام الزاهيدي، إلى تناول المخدرات واللجوء إلى العنف. ويضيف الزاهيدي أن "الشباب المهاجر يعيش تحديات كثيرة لها علاقة بشكل التربية داخل العائلة والثقافة الجنسية للشباب المسلم في مجتمع متحرر، وأيضا بسبب رحلة البحث عن الهوية، أو عدم تسوية الوضعية القانونية للإقامة في ألمانيا". وما يزيد الأمر تعقيدا هو "غياب الحوار والتشاور بين الشباب وعائلاتهم حول تلك المشاكل، لأن بعض المواضيع تندرج ضمن المحرمات أو لأن الأبوين أو الأطفال غير منفتحين على الحوار"، حسب رأي الباحث الاجتماعي.
منظمات ألمانية تعتني بالمدمنين
بعد نهاية الفحص الطبي، قادنا داوود وأصدقاؤه إلى مأوى تابع لمنظمة "كاريتاس" الخيرية، الذي ينام ويأكل فيه المدمنون الذين لا يتوفرون على سكن دائمي أو الذين لديهم مشاكل مع عائلاتهم. في الطريق أسر لنا داوود أنه فقد أشياء كثيرة في حياته بسبب المخدرات. "فقدت العمل، الأصدقاء، وأيضا الإقامة الدائمية. حيث أصبحت عندي تأشيرة خاصة باللاجئين. وهذا يعني أن مقامي هنا مؤقت وليس دائم"، كما يقول داوود بنبرة حزينة. عند وصولنا إلى المأوى طرقنا باب المديرة، "ريكاردا ميباخ"، للتعرف عن قرب عن الدور الذي تقوم به "كاريتاس" لمساعدة المدمنين. تقول "ميباخ": "نحن نتعامل معهم كأناس من لحم ودم ومشاعر. نحاول أن نمدهم بوجبات غذائية بثمن لا يتعدى يورو واحد، ونعطيهم الملابس وغرف النوم ونحاول مساعدتهم للخروج من الأزمة".
ويرى المساعد الاجتماعي، عبد السلام الزاهيدي، أن أحسن طريق لحماية أبناء المهاجرين من السقوط ضحية المخدرات وشبكاتها هي "نظام تعليمي جيد، يكون بمثابة سند للشباب المهاجر في المراحل الحرجة من عمرهم، وأيضا مساعدتهم على الاندماج في سوق العمل وفي المجتمع". كما يشدد الزاهيدي على "أهمية العقوبات الزجرية بحق بائعي المخدرات ومروجيها ليكونوا عبرة للآخرين".