مسعى الاعتراف بدولة فلسطين: هل كانت اليونسكو أول خطوة؟
٥ نوفمبر ٢٠١١ما دار في أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في الحادي والثلاثين من أكتوبر/ تشرين أول الماضي، في أعقاب التصويت بأغلبية أعضاء المؤتمر العام على قبول دولة فلسطين العضو رقم 195 في المنظمة، أبرز للفلسطينيين فاعلية النضال السياسي كأحد الجوانب على طريق الوصول إلى دولة مستقلة وذات سيادة.
لكن على الرغم من أن عدداً من الدول الغربية الكبرى صوتت لصالح قبول فلسطين في المنظمة الأممية، إلا أنها أعلنت أنها ستمتنع عن التصويت لصالح قبولها عضواً في الأمم المتحدة، عندما يتم طرح هذا الموضوع للتصويت في مجلس الأمن الدولي. ومن بين تلك الدول فرنسا، التي تشغل منصب عضو دائم في مجلس الأمن.
"الفلسطينيون يفعلون ما تفعله إسرائيل منذ سنوات"
قبول فلسطين في منظمة اليونسكو وتبعاته على عملية السلام وعلى السياسة الأوروبية كان أحد محاور النقاش في برنامج "نادي الصحافة"، الذي تبثه قناة "دويتشه فيله عربية" في إطار سلسلة برامجها الحوارية الخاصة التي تندرج تحت اسم "زمن التغيير". وفي هذا السياق رأت صحيفة "دي فيلت" الألمانية في طبعتها الإلكترونية أن قبول فلسطين عضواً كاملاً في اليونسكو يوضح "مدى الفوضى التي تحكم المنظمة الدولية في اتخاذ قراراتها".
إلا أن الصحفي الألماني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، يان كولمان، أكد أن قرار اليونسكو مهم جداً للفلسطينيين، مشيراً إلى أن "الفلسطينيين يفعلون الآن ما يفعله الإسرائيليون منذ سنوات، ألا وهو خلق حقائق على الأرض، عبر الانضمام إلى هذه المحافل الدولية من خلال النضال السياسي". ورأى كولمان أن رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض سيستفيد من هذا القرار في مسعاه لانضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة.
من جانبه اعتبر سميح المعايطة، رئيس تحرير صحيفة الرأي الأردنية، أن القرار انتصار معنوي وسياسي للفلسطينيين، لاسيما وأنه يعني أن المجتمع الدولي بدأ باتخاذ "خطوات باتجاه التعامل مع فلسطين كدولة، وككيان وطني وسياسي للشعب الفلسطيني. وهذا ما يرفضه الإسرائيليون ويحاولون تعطيله منذ اتفاق أوسلو للسلام عام 1993". لكن المعايطة شدد على وجوب توفر اعتراف سياسي أوسع وغطاء دولي، من أجل تحويل هذه الخطوة إلى دولة مستقلة وذات سيادة على الأراضي الفلسطينية في المستقبل.
تصويت اليونسكو وتباين سياسات أوروبا الخارجية
وبالإضافة إلى إبراز قدرة الفلسطينيين على المناورة في كواليس السياسة الخارجية وانتزاع "انتصارات" – ولو كانت محدودة – على الساحة الدولية، فإن تصويت أعضاء منظمة اليونسكو أبرز أمراً مهماً أيضاً، ألا وهو غياب السياسة الأوروبية الخارجية الموحدة، وهو ما ظهر جلياً في كيفية تصويت أعضاء الاتحاد الأوروبي.
ففي حين صوتت خمس دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي (جمهورية التشيك، ألمانيا، هولندا، السويد وليتوانيا) ضد قبول فلسطين في اليونسكو، صوت أحد عشر عضواً في الاتحاد الأوروبي لصالح قبولها، من بينها فرنسا وبلجيكا والنمسا وأسبانيا. وحول ذلك يقول الصحفي الألماني يان كولمان أن غياب السياسة الخارجية الأوروبية الموحدة "كان واضحاً في ليبيا. ألمانيا تقف منحازة إلى إسرائيل بشكل واضح. لذلك من الصعب القول بأن هناك سياسة أوروبية خارجية موحدة".
ويرى قراء "دويتشه فيله" ومتابعوها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أيضاً أن السياسة الأوروبية الخارجية لا تبدو موحدة، إذ علق المستخدم "Mothana Hanoun" بالقول إن ذلك "يتجلى في الموقف الأوروبي الضعيف من القضية الفلسطينية. فإذا ما نظرنا إلى الموقف الفرنسي الخجول، إلى الموقف الألماني المعارض للتحرك السياسي الفلسطيني، سنستنتج حقيقة الموقف الأوروبي الذي يحاول بكل صعوبة أن يبدو متوحداً ولكن دون جدوى".
اختبار وحدة السياسة في مجلس الأمن
كما ويفترض المستخدم "Abdulrahman Mazketly" نظرية أكثر بعداً، وهي أن "الوحدة الأوروبية (لم تنجح) إلا في الجانب الاقتصادي فقط، الذي يعتمد على علاقة المصلحة. فأي وحدة تتحدثون عنها بعد فشلكم حتى في الجانب الاقتصادي؟!"
ويتوقع مراقبون أيضاً أن يبرز هذا التباين في السياسات الخارجية الأوروبية أيضاً عندما يطرح مجلس الأمن عضوية دولة فلسطين للتصويت، وأن تصوت دول الاتحاد الأوروبي بحسب علاقاتها المنفردة مع السلطة الفلسطينية أو مع إسرائيل، وليس بحسب ما تمليه أجندة كاثرين آشتون، مفوضة السياسات الخارجية في الاتحاد.
ويشير كولمان إلى أن استمرار السلطة الفلسطينية في مسعاها للانضمام ككيان سياسي مستقل إلى المحافل والمنظمات الدولية "خطوة مهمة جداً وستعيد للفلسطينيين شيئاً خسروه منذ زمن طويل، وهو كرامتهم". ويعتبر الصحفي الألماني أنه في حال توفر دعم دولي للمسعى الفلسطيني، فإنهم سيكونون قادرين "على المفاوضة من موقع قوة، وعندها يمكن للطرفين (الفلسطيني والإسرائيلي) الجلوس على طاولة (مفاوضات) واحدة".
ياسر أبو معيلق
مراجعة: يوسف بوفيجلين