مسعود بارزاني يتنحى بعد فشل تحقيق حلم استقلال كردستان
٢٩ أكتوبر ٢٠١٧كان الرئيس مسعود بارزاني الذي أعلن الأحد تنحيه عن السلطة، مؤسس إقليم الحكم الذاتي لكردستان العراق، لكنه كان أيضا المسؤول الأول عن سقوط حلم الدولة بمغامرته الخطيرة في اجراء استفتاء حول استقلال الإقليم. لم يتخيل بارزاني أنه سيصل إلى اليوم الذي سيخسر فيه ما بدأ ببنائه قبل 26عاما.
فلا يزال هذا المقاتل الذي بدأ نضاله منذ كان عمره 14 عاما، مرتديا زي البشمركة التقليدي، حتى صار "أيقونة" في عيون شعب يسعى إلى دولة، بحسب ما يقول تييري أوبيرليه في صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية.
ينحدر ابن الحادية والسبعين عاما من عائلة لطالما قاتلت من أجل استقلال الأكراد، وهو ابن مصطفى بارزاني، الزعيم التاريخي للحركة الوطنية الكردية في العراق والذي حمل ايضا لقب جنرال منحه إياه الجيش السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية.
لم ينس أبدا أنه ولد في "جمهورية كردستان الأولى" في مدينة مهاباد الإيرانية، التي استمرت عاما واحدا فقط قبل أن تنهيها القوات الإيرانية.
في العام 1978، نجح في خلافة والده كرئيس للحزب الديموقراطي الكردستاني الذي تأسس في العام 1946. ولكن قبل ذلك كان السياسي المخضرم جلال الطالباني يقف له بالمرصاد والذي أسس في العام 1975 الاتحاد الوطني الكردستاني، كممثل للبورجوازية الكردية في المدن الكبرى، خصوصا في السليمانية، ليصبح منافسه اللدود فيما بعد.
وفي خضم الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، تعاون الحزبان مع إيران، لكن الثمن كان غاليا. فشن صدام حسين حملة الأنفال ضد الاكراد العراقيين فهجر عشرات الآلاف منهم، وقصف حلبجة بالسلاح الكيميائي، ما أسفر عن خمسة آلاف قتيل في العام 1988. كما قدمت عشيرة البارزاني أكثر من 8000 شخص كضحايا، حيث اعتقلت سلطات نظام صدام حسين كل رجل وطفل في سن العاشرة من العمر من مناطق بارزان بشمال شرق اربيل واختفوا جميعا إلى هذا اليوم.
بعد هزيمة صدام حسين في حرب الخليج الأولى (1990)، انتفض الأكراد مرة جديدة، ولكن الأمور انقلبت ضدهم مجددا. وبعد ذلك، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 688 الذي يحظر على القوات الجوية العراقية التحليق فوق خط العرض 36، مطالبا بإنهاء القمع ضد الأكراد.
وكانت تلك اللحظة التي ينتظرها مسعود بارزاني. فشكل كيانا مستقلا تقاسم فيه السلطة مع الاتحاد الوطني الكردستاني. بيد أن التنافس بين الزعيمين، بارزاني وطالباني، تحول إلى حرب أهلية بين العامين 1994 و1996. بعد سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، قام الأكراد بتوحيد إدارتهم.
وعرف عن مسعود بارزاني أنه سياسي عنيد ومراوغ ومغامر إلى أبعد الحدود. آخر تلك المغامرات كان تصميمه على إجراء استفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق في 25 أيلول/سبتمبر الماضي، رغم معارضة بغداد ودول المنطقة والعالم.
غضب بغداد ترجمته الحكومة الاتحادية تقدما عسكريا باتجاه الإقليم، مستعيدة غالبية المناطق المتنازع عليها مع أربيل والتي سيطرت عليها قوات البشمركة الكردية في خضم مواجهة مقاتلي تنظيم داعش في عام 2014، وخصوصا محافظة كركوك الغنية بالنفط.
بعد فوزه في الانتخابات غير المباشرة في العام 2005، أعيد انتخاب بارزاني مرة أخرى في العام 2009 بنحو 70 في المائة من الأصوات في أول انتخابات عامة، ليبدأ ولاية جديدة من أربع سنوات. وبعد انقضاء المدة، مدد البرلمان الكردستاني ولاية بارزاني لعامين.
لكن مع بداية الأسبوع الحالي، قرر البرلمان تأجيل الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، وتجميد عمل هيئة رئاسة الإقليم. وصدر قرار تجميد الأنشطة الرئاسية لبارزاني بسبب عدم تمديد برلمان الإقليم ولايته الرئاسية مجددا بشكل قانوني، الأمر الذي ينهي صلاحياته الرئاسية.
ابن البيشمركة الذي قاتل نظام صدام حسين، لم يقاتل اليوم. وبدأت حدود الإقليم التي توسعت في أعقاب تقدم القوات الكردية خلال قتالها تنظيم ما يًطلح عليه "الدولة الإسلامية" بالانحسار مجددا إلى الخط الأزرق الذي تم تحديده في العام 2003. حينها، كان يسعى بارزاني إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، طرد الجهاديين والتمدد جغرافيا في إطار حلم إنشاء الدولة.
هيمن بارزاني بشكل كبير على زواريب السياسة في الإقليم، وسعى إلى أن تكون لعائلته اليد الطولى في المناصب. ومنهم ابن شقيقه نجيرفان بارزاني الذي يتولى رئاسة الحكومة. كما أن مسرور، نجل مسعود، رئيس مجلس الأمن القومي في كردستان وله كلمة الفصل في أجهزة الاستخبارات الكردية.
وكان بارزاني الرئيس الأول والوحيد للأكراد حتى اليوم، لكنه وقع في فخ رهانه على الاستقلال.
في هذا السياق، يشير دبلوماسي غربي إلى أنه حين طلب من بارزاني تأجيل مشروع الاستفتاء، أجابه رئيس الإقليم "لا أستطيع، لدي فرصة لن تأتي مرة أخرى. بغداد لا تزال ضعيفة لكنها تزداد قوة، وبعدها سيفوت الأوان". وأضاف "لا أستطيع التراجع وأعتقد أن الدول التي تنصحني بعدم إجراء الاستفتاء ستدعمني بعد ذلك". وكان ذلك الخطأ الكبير.
ويقول المحلل السياسي كيرك سويل، ناشر مجلة "إنسايد إيراكي بوليتيكس"، إن رهان بارزاني لم يكن إلا "استنادا إلى دائرة ضيقة من المستشارين".
أما بالنسبة إلى المحلل المختص بالشؤون الكردية موتلو سيفير أوغلو، فإن بارزاني وضع الأكراد في موقف صعب، بعدما "أخطأ في قراءة الموقف وتفسير الرسائل"، ما جعله وحزبه معزولين داخل العراق وخارجه.
قد تكون حقبة شخص مسعود بارزاني قد انتهت، لكن تأثير عائلة بارزاني في المشهد السياسي الكردستاني لم ينته بكل تأكيد. فأولاد وأحفاد البارزاني كثر وحصلوا على تعليم وتأهيل سياسي ودبلوماسي وعسكري غير مسبوق ما يجعلهم قادرين على تولي المناصب في كل الظروف. إلى جانب أن القيادة التقليدية للحزب الديمقراطي الكردستاني، من أقدم الأحزاب السياسية العراقية" كانت وستبقى لعقود قادمة بيد عائلة بارزاني، يتغير فقط الاسم الأول، أما الاسم العائلي فيبقى بارزاني.
ح.ع.ح/م.أ.م(أ.ف.ب)