مسجد بروكسيل... وكر للفكر المتشدد؟
٢٣ نوفمبر ٢٠١٥أعلن إمام المركز الثقافي الإسلامي في بروكسيل محمد نديايه Ndiaye، عن تضامنه مع المجتمع البلجيكي بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة في باريس قائلاً: "نعبرعن حزننا العميق إزاء الهجمات الإرهابية في باريس. عواطفنا مع الفرنسيين وأسر الضحايا".
يقع المركز الإسلامي بالقرب من حديقة Cinquantenaireفي حي الاتحاد الأوروبي في بروكسيل وقرب مبنى المفوضية الأوروبية. وقد دعا القائمون على المركز والمسجد لمؤتمر صحفي لمواجهة اتهامات بالانتماء إلى السلفية وتحريض الشباب المسلم على التطرف.
يرعى المسجد حوالي 700 طفل من أجل حفظ القرآن، كما يقدم دروس اللغة العربية ويقوم بتدريب الأئمة وبعقد لقاءات مع مسؤولين ومواطنين من بلجيكا. ويبدو المسجد كمركز مندمج في الحياة البلجيكية. ويقول كبير الأئمة في المسجد الشيخ عبد الهاد سويف من مصر، إن الإسلام هو دين السلام وفعل الخير، ولا علاقة له بأعمال إرهابية كتلك التي شهدتها باريس. كما ينفي أيضاً مدير المركز السعودي جمال مومناح Momenah وجود أية علاقة بين المركز والمتطرفين في مولينبيك.
ويتحاشى مومناح الإجابة عن سؤال بخصوص عدم القيام بشيء ما للتأثير على الأئمة المروجين للكراهية في مولينبيك وفي مساجد أخرى في بلجيكا. ويقول إن كل مسجد مسؤول عن نفسه وهم يعملون بشكل منفصل عن الأئمة الآخرين. وعندما سئل عن موقفه من خطبة الجمعة باللغة الفرنسية بدلا من اللغة العربية، أجاب مدير المركز أن الخطبة تترجم إلى الفرنسية، مضيفا أن الخطبة باللغة العربية لا تساهم في خلق مجتمع مواز للمجتمع البلجيكي.
اتفاق بلجيكا مع ملك السعودية
مقابل ذلك تقدم الصحف صورة مغايرة عن هذا المسجد، فقد كتبت صحيفة ليبراسيون الفرنسية Libérationقبل وقوع هجمات باريس بأيام قليلة: "يعتبر المسجد الكبير في Cinquantenaireوكرا للسلفية منذ ثلاثين عاما، ويشكل أرضية خصبة لشبكتها".
ونقلت الصحيفة عن الباحث في الدراسات الإسلامية ميشائيل بريفو Michael Privotقوله: "الفكر السلفي متجذر بين المسلمين في العاصمة البلجيكية". وهذا يعود إلى الدعوة الذي تمارسها السعودية، ملاحظا أن "السلطات البلجيكية تلعب بالنار منذ 30 عاما".
يحصل المسجد على تمويله من رابطة العالم الإسلامي، والتي يتم تمويلها من السعودية بالدرجة الأولى. وتعود قصة المسجد إلى عام 1967 ، عندما كانت خزائن الدولة البلجيكية فارغة فسعت الحكومة إلى البحث عن إمكانيات لشراء النفط بسعر زهيد. وقد عقد الملك بادوين صفقة مع الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز آل سعود قضت بالإبقاء على الجناح السعودي للمعرض العالمي بحديقة Cinquantenaireوتحويله إلى مركز إسلامي ولمسجد على مدى 99 سنة، كمقابل للنفط الرخيص.
في نفس الوقت سمح الملك البلجيكي بأن تتولى السعودية تدريب الأئمة بسبب تنامي أعداد المسلمين في بلجيكا من أفريقيا ودول المغرب. وكان ذلك تفويضا مطلقا للعائلة المالكة السعودية لنشر رسالة السلفية.
فضيحة بخصوص المدير
في الصيف الماضي نشرت ويكيليكس وثائق تفند المقولة الرسمية بأن المسجد يعمل على نشر السلام والتفاهم بين الشعوب، وتضمنت وثيقة أن السلطات البلجيكية أبلغت السفارة السعودية في نيسان/ أبريل 2012 بوجود مشاكل مع مدير المركز آنذاك، خالد العبري Khalid Alabri. "خطبه كانت سلفية وضد إسرائيل وضد الغرب"، كما جاء على لسان شاهد عيان في لقاء إذاعي. وبعد تلك الشكوى تمت إقالة العبري من منصبه بدون ضجة.
حاليا ترغب منظمة المساجد البلجيكية في إعادة النظر بشأن دور مسجد Cinquantenaire ومواجهة هيمنة السعودية عليه. ويقول الأئمة المنحدرون في غالبيتهم من المغرب، إن الحكومة المغربية ترى أن تأثير السلفيين بات قوياً جداً.
من جهته عبر الخبير في شؤون الإرهاب والصحفي البلجيكي كلود مونيه / Claude Moniquetعن اعتقاده أن الحكومة البلجيكية تعاملت بتسامح كبير مع انتشار أفكار متطرفة في السنوات الماضية، بسبب اتساع فضاء الحريات الليبرالية في بلجيكا. كما سعت الحكومات البلجيكية المتتالية إلى دعم السلام الاجتماعي بدل الدخول في صراع مع المهاجرين. وسيكون من الصعب الآن تغيير الأمور بالنظر إلى السنوات الضائعة في عدم مكافحة الميولات والمواقف الإسلاموية المتطرفة.