مستقبل العراق مرهون بقبول نظام فيدرالي من كافة الأطراف
١٥ أغسطس ٢٠٠٧قدم الباحث الألماني غيدو شتاينبيرغ من " المعهد الألماني للدراسات الأمنية والسياسة الدولية" في برلين دراسة جديدة تناولت الوضع العراقي الراهن. وتكونت الدراسة، التي أتت تحت عنوان "العراق بين الفيدرالية والتقسيم" من ثلاثين صفحة، تطرق فيها الكاتب إلى الخوض في تفاصيل المعضلة العراقية وابرز اللاعبين في استمرارها. ويبدأ الباحث دراسته بتوقعه بأن العراق لن يكون مستقبلاً ذلك البلد المركزي الذي كانه حتى سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين عام 2003. فالأكراد والكثير من الشيعة مازالوا يربطون بين الدولة المركزية التي كانت تُدار من بغداد، وبين الممارسات الدكتاتورية المبنية على القسوة والبطش. ويرى واضع الدراسة أن المسألة الآن تتعلق بالحفاظ على العراق من التقسيم والتجزئة.
وفي محاولاته للبحث عن حل يحول دون تقسيم العراق، يجد شتاينبيرغ في "النظام الفيدرالي" ولامركزية مهام الدولة وأدوارها إستراتيجية واقعية وحيدة لوقف سير العراق نحو التقسيم إلى ثلاث مناطق نفوذ للفصل بين الشيعة والأكراد والسنة. ولا تنتهي سيناريوهات التقسيم عند هذا الحد فحسب، بل ستتعداه إلى الكثير من المخاطر التي تهدد العراق، والتي تبدأ بالحرب الأهلية ولا تكف عند الاجتياح العسكري من قبل دول الجوار.
ويتطرق الباحث في دارسته إلى مصالح وخيارات اللاعبين العراقيين والإقليمين في إبراز أهم خطوط الصراع حول شكل نظام الحكم الجديد في العراق، إضافة إلى دور قوات الاحتلال ودول الجوار في تحريك ميزان القوى في بلاد الرافدين، وما لذلك من أثر على العراق والمنطقة عموماً.
كردستان بين الاستقلال والاجتياح التركي
يرى شتاينبيرغ أن أطراف الصراع الداخلية في العراق لا تعرف سوى قضية واحدة فقط، وهي الصراع على السلطة من خلال منظار طائفي وعرقي ضيق يتعلق بأمن وبمصالح طائفة معينة بعيداً عن مصلحة البلد العليا. وانطلاقاً من تلك النظرة فأن الأكراد في شمال العراق قد حققوا بالفعل خطوات كبيرة نحو إنشاء منطقة تتمتع بالاستقلال. وما من شيء سيحول دون ذلك، لان الخصوم من الشيعة والسنة تعلموا قبول ذلك. ومما يزيد هذا الوضع تعقيداً هو الاستفتاء الذي سيجرى نهاية العام الجاري والمتعلق بمدينة كركوك، والتي يرى فيها الأكراد جزءاً من كيان كردي مستقل رغم معارضة السنة والتركمان القاطنين فيها.
غير أن كركوك الغنية بمواردها النفطية والتي ستمنح الدولة الكردية المستقلة القدرة على النهوض، ستفتح أبواب اجتياح تركي عسكري محتمل لتخوف أنقرة من أن تثير الأقلية الكردية الموجودة فيها القلاقل وعدم الاستقرار، كما يتوقع الباحث. وفي خضم هذه التغيرات ستنجر المنطقة المستقرة الأخيرة في العراق إلى دوامة العنف اليومي، في ظل تشتت البرلمان العراقي وعجز الحكومة العراقية الحالية على اتخاذ القرار.
شيعة العراق والحروب الداخلية
أما على صعيد الساحة الداخلية الشيعية فيخصص الكاتب مبحثاً لدور المجلس الإسلامي العراقي الأعلى (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية سابقاً) في تحريك الأحزاب الشيعية الأخرى، إضافة إلى علاقة هذا الكيان السياسي بالأحزاب والجماعات الشيعية الأخرى. فخلال المفاوضات حول دستور البلاد في صيف 2005 طالب المجلس الأعلى بنظام فيدرالي في جنوب البلاد، يضم تسع محافظات تقطنها الأغلبية الشيعية. الجدير بالذكر أن هذه المطالب أثارت حفيظة الحلفاء الأكراد، لأنها في الوقت الذي تدعوا فيه إلى تأمين منطقة حكم ذاتي مستقرة في جنوب البلاد، ترمي إلى أخذ دور مهم في النظام المركزي ببغداد. إضافة إلى ذلك بدأ العنف المستمر في المنطقة الوسطى من العراق وفي المناطق العربية في شماله يأخذ طابعاً موجهاً ضد الشيعة، ليتحول فيما بعد إلى حرب أهلية وقودها الطائفة والعِرق.
وإزاء كل هذه التطورات وتصاعد حدة الصراع ازدادت رغبة المجلس الأعلى في إنشاء منطقة ترتكز على قاعدة نفوذ عريضة وأمينة له لمواجهة حرب أهلية اكبر. ولأن مناطق الجنوب العراقي تحتوي على قرابة 50 بالمائة من احتياطي النفط العراقي، فأن إمكانيات إقامة دولة مستقلة تعد ممكنة حتى من وجهة النظر الاقتصادية.
ويرى الباحث أن مطالب المجلس الأعلى هذه تصطدم باستراتيجيات بعض الأحزاب والجماعات الشيعية الأخرى، التي ترفض إقامة منطقة شيعية على غرار المنطقة الكردية. وتبين الدراسة هنا إلى أن هناك أكثر من ثلاث جماعات عرقية ومذهبية تتجاذب أطراف الصراع المشوب بالعنف في العراق، والأمر ينسحب كذلك على الساحة الشيعية، التي قد تكون مسرحاً لحرب شيعية داخلية محتملة في ظل الانقسام الشيعي-الشيعي، بحسب شتاينبيرغ.
العرب السنة صراع مرير على السلطة
ويقدم الباحث الأحزاب والجماعات السنية المختلفة على أنها أكثر خصوم النظام الفيدرالي ضراوة، وهذه هي أحدى نقاط التلاقي للسياسيين السنة من العلمانيين والإسلاميين، الذين ينهجون نهجاً قومياً في العراق. كما يرى شتاينبيرغ أن هؤلاء السياسيين، الذين يرون في السنة العراقيين الشعب الأصلي في العراق والأقدر على حكمه، لم يكفوا عن المطالب بعودة الدولة المركزية. كما يرى الباحث أنه كلما تم تذكير هؤلاء السياسيين بأن السنة لا يشكلون سوى 20 بالمائة من مجمل الشعب العراقي، رفضوا واعترضوا، متحدثين عن أرقام اكبر.
ويخشى القادة السنة في العراق، الذين يجدون في احتلال العراق عام 2003 تهميشاً لهم، أن استقلال دولتين شيعية وكردية أن يحرمهم من ثروات العراق ويحصرهم في منطقة شحيحة الثروة في غرب العراق وبعض من وسطه. ويطرح شتاينبيرغ في دارسته مواقف سنة العراق المتضاربة من نظام حكم فيدرالي، ففي الوقت الذي يرفضون فيه حكومة مركزية تهيمن عليها الأغلبية الشيعية، فأنها لا تقبل أي نظام غير مركزي لحكم العراق.