مستقبل الديمقراطية في مصر الجديدة
٥ أبريل ٢٠١٢ماذا لو كان الليبراليون هم الأغلبية في الانتخابات؟
هل اعتراض الليبراليين المصريين على أغلبية التيار الديني، أم على أن لا حكم للأغلبية؟
لا شك بأن اعتراض الليبراليين المصرين على أغلبية التيار الديني المنافس للتيار الليبرالي المصري. حيث يعتقد الليبراليون المصريون أن التيار الديني سيكون عائقاً في طريق الديمقراطية المصرية.
ولكن لنعلم أن لا ديمقراطية حقيقية يمكنها أن تُطبَّق وتتفاعل في مصر اليوم.
وكل ما يقال في البرامج السياسية، والمقالات الصحافية، والأغاني الوطنية الكثيرة، لا يتعدى أن يكون كلاماً عاطفياً، لا يمتُّ الى الحقيقة، وإلى ما يجري على أرض الواقع بصلة.
والسبب بسيط جداً، لا يتعلق بحكم الأغلبية من التيار الديني، ولكنه يتعلق بحقيقة علمية، وهي تأكيد برنامج الأمم المتحدة للتنمية، بأن كل أمة يتجاوز فيها عدد الأميين عشرة بالمائة لا مستقبل لها. وعدد أُميي مصر من الذكور، يتجاوز نسبة 40% ، بينما عدد الأميّات من الإناث يتجاوز 60% . وربما ستزداد هذه النسبة إذا أصر التيار الديني الحاكم في مصر، على حرمان المرأة من التعليم. واعتبار أن تعليم المرأة ليس من الأوليات. وأن من الأولوية للمرأة إطاعة زوجها فقط.
ولكن، علينا أن نتذكر جيداً، أن فرنسا لم تصبح دولة ديمقراطية، وذات مجتمع مدني حقيقي، إلا في العام 1964، عندما أعطى الجنرال ديغول للمرأة حق الانتخاب، وحق المشاركة السياسية!
كل ما ظهر كان متوقعاً
ما أزعجني، وضايقني فعلاً، سماعي، ومطالعتي، ومشاهدتي لليبراليين المصريين، وهم حياري تجاه ما يقع في مصر اليوم.
ومما زاد في ضيقي، أن الليبراليين المصريين بدوا وكأنهم قد فوجئوا باعتلاء سعد الكتاتني سدة مجلس الشعب المصري، ممثلاً للإخوان المسلمين، وكأنهم كانوا يجهلون هذه الحقيقة، قبل الإطاحة بنظام حسني مبارك، ولا يعلمون أن الانتخابات النزيهة والنظيفة إن جرت في مصر، أو في أي بلد عربي آخر، ستكون الأغلبية فيها للتيار الديني، بفضل الثقافة، والتعليم، والتاريخ، والدين، والسياسة، والاجتماع، والاقتصاد.. الخ. وأن الشعب المصري، أو أي شعب عربي آخر، ليس الشعب السويدي، أو الهولندي، أو البريطاني، أو أي شعب آخر عريق بالديمقراطية.
أما ما يقال عن عراقة مصر بالديمقراطية، فهذه كذبة بيضاء، وكما قال تقرير التنمية للأم المتحدة، فإن الديمقراطية لا تنبت في أرض فيها أكثر من 10% من الأميين. ومصر فيها، وما فيها من الأميّة الشيء الكثير. وأن أي بلد يقلُّ فيها دخل الفرد السنوي عن عشرة آلاف دولار لا نجاح للديمقراطية فيها كما قال مدير سابق للبنك الدولي. ورغم هذا يريد الليبراليون المصريون إنبات الديمقراطية في مصر التي يشتري فيها المرشح صوت كثير من الناخبين بدراهم معدودة أو بكيلو لحمة ، أو بكيس رز، أو سكر، أو جالون زيت للطهي، نتيجة للفقر والجوع.
عراقة الديمقراطية كذبة بيضاء
كانت عراقة الديمقراطية المصرية كذبة بيضاء لأن الخديوي إسماعيل عندما بدأ مجلس النواب عام 1866 ، كان يهدف من وراء هذا تحقيق خطوة سياسية خالصة، لإرضاء الغرب الدائن لمصر المدينة بمبالغ ضخمة كما نعلم. ولكن كان الفقر والجهل متفشياً في المجتمع المصري، وكانت نسبة الأميّة تفوق نسبة 80% في الذكور و 99% في الإناث. وعندما جرت انتخابات تشريعية بعد ذلك التاريخ، ظلت النسب السابقة ثابتة، وظلت دواعي ودوافع الانتخابات التشريعية قائمة، وهي الزينة والتزويق السياسي، وذر الرماد في العيون الغربية، وإظهار مصر بمظهر البلد الديمقراطي، في حين أن حكم العلويين لمصر (1805-1952) كان حكماً عائلياً وراثياً ودكتاتورياً راضخاً لمشيئة وسلطة الدول الغربية (بريطانيا وفرنسا خاصة). ولم يكن حكم مصر الجمهوري (1952-2011) بأفضل من ذلك.
على الليبراليين أن يكونوا أكثر حكمة
على الليبراليين المصريين، والليبراليين العرب كذلك، الصبر والتحلّي بالأناة، وانتظار ما سيفعله التيار الديني في مصر.
كيف سيكتب هذا التيار الدستور المصري الجديد، وبأي صيغة؟
وهل سيقبل الجمهور المصري هذا الدستور، فيما لو طُرح للاستفتاء عليه؟
وهل سينجح التيار الديني بالإطاحة بحكومة الجنزوري، وتولّي الحكومة، وتكون بيده بناء على ذلك السلطة التشريعية (مجلس الشعب) والسلطة التنفيذية (الحكومة) وربما رئاسة الجمهورية غداً، بعد إعلان الإخوان المسلمين عن نيتهم بترشيح خيرت الشاطر؟
ليراقب الليبراليون المصريون أداء التيار الديني، وليسجلوا له أخطاءه، وليدرسوا هذه الأخطاء بعناية، وليستفيدوا من هذه الأخطاء، استعداداً لجولة جديدة من الانتخابات التشريعية والحكم في مصر.
فصعود التيار الديني السياسي المصري المدهش والصاعق، لن يستمر إلى ما شاء الله. فهناك ما زال في المستقبل المصري المتَسَع، والرحابة الكبيرة، لتجارب جديدة في الحكم.
ولنعلم، أن التيار الديني ستكون له أخطاء كثيرة وجسيمة في حكم مصر، لأنه يمارس هذا الحكم لأول مرة في التاريخ، ولأنه لم يسبق له أن مارسه منذ قرون طويلة! كذلك كان سيكون لليبراليين هذا الحجم الضخم والجسيم من الأخطاء. فهم لم يمارسوا الحكم منذ 15 قرناً كذلك. ووقوعهم في الأخطاء سيكون حتمياً. وتبقى مصر والعالم العربي، مجالاً رحباً وواسعاً للبحث عن الحرية، والديمقراطية.
لماذا كانت المفاجأة صاعقة؟
مشكلة الليبراليين المصريين ومن بعدهم الليبراليون العرب وباقي الأحزاب السياسية الأخرى، أنهم لم يشهدوا من قبل، ومنذ 15 قرنا أغلبية حزبية تفوز بالانتخابات غير حزب الحاكم فقط. أما أن يكون الحزب غير حاكم في السابق، ويفوز بأغلبية، فهذا لم يحصل في التاريخ العربي قط طيلة 15 قرن مضت. لذا كانت المفاجأة بالنسبة لكل هؤلاء صاعقة، حتى بالنسبة للتيار الديني نفسه، كما قرأنا كثيراً من تصريحات زعمائه. ولعل ما يجري في مصر الآن، جزء من هذه الدهشة المباغتة. ولكنها في حقيقتها غير مباغتة. فالدوائر الرسمية الغربية أُبلغت في الماضي، من قبل الأنظمة الدكتاتورية، التي كانت قائمة، بأن زوالها يعني حكم التيار الديني لا محالة. وهذا نتيجة لضعف وهشاشة التنظيمات الحزبية المنافسة للتيار الديني، وعطش التيار الديني للسلطة بعد حرمانه منها مدة طويلة.
الخاسرون والرابحون
هل الخلاف القائم الآن، والمنازعات التي تتحكم بالفريقين (التيار الديني والليبراليين) مردها إلى أن الليبراليين يريدون إرشاد التيار الديني، إلى أكثر الطرق نجاعةً في خدمة مصر، والنجاح في الحكم؟
لا أظن ذلك، للأسف الشديد.
فالليبراليون ينازعون التيار الديني على السلطة والحكم، وليس على أي الطرق أنجع لخدمة مصر، وتخليصها مما هي فيه.
ولو ضمن التيار الديني لليبراليين سلطة ما، لعادت أيام العسل والوفاق بين الطرفين!
وما يؤسف له حقاً أن مصر (الوطن) هي الخاسر الوحيد. فالتيار الديني رابح سياسياً، بتولي القيادة التشريعية والتنفيذية. والليبراليون رابحون سياسياً بمعارضتهم للتيار الديني، حيث أنهم الآن المعارضة الوحيدة في الميدان. ومصر كالكرة بين هؤلاء وأولئك.
لك الله يا مصر!
شاكر النابلسي
مراجعة ملهم الملائكة