مستقبل الدستور الأوروبي مرهون بدعم الشارع الأوروبي
١٦ يونيو ٢٠٠٦بعد مضي عام على الرفض الفرنسي والهولندي لمشروع الدستور الأوروبي، لا يبدو أن هناك حلاً في الأفق لمشكلة جمود عملية التصديق على مسودة الدستور الأوروبي. ففي القمة الأوروبية في بروكسل التي جمعت رؤساء الحكومات الأوروبية خرجت الاختلافات الكبيرة بين ممثلي الدول المختلفة فيما يخص الدستور وكذلك فيما يخص سياسة التوسع في الاتحاد الأوروبي إلى دائرة الضوء. ورغم ذلك اتفق الزعماء الأوروبيون على تكثيف جهودهم من أجل كسب تأييد مواطني أوروبا للدستور مجدداً. لكن الكثير من المراقبين لا يعتقدون أن الوصول إلى دستور موحد أمر سهل، فالرفض الكبير لمسودة الدستور الأوروبي في الكثير من دول الإتحاد الأوروبي ومن بينها فرنسا وهولندا لم يقل، بل ازداد في الأشهر الأخيرة.
وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد إنفراتست ديماب بتكليف من قناة التلفزيون الألماني الأولى ARDفي مدينة كولونيا ونشر صباح اليوم، ظهر أن واحد من كل اثنين في ألمانيا تقريباً يوافق على وثيقة الدستور بينما يرفضها 33 بالمئة. ومن بين هؤلاء أكد 17 بالمئة أنه ليست لديهم معلومات كافية تمكنهم من اتخاذ موقف منه، بينما عبر 2 بالمئة عن عدم اكتراثهم به. يذكر أن وثيقة الدستور التي قبلتها 14 دولة مجمدة منذ نحو عام بسبب الرفض الفرنسي والهولندي الشعبي لها، إلا أن رؤساء الدول الخمسة والعشرين وممثلي حكوماتها اتفقوا في قمتهم في بروكسل على التوصل إلى قرار بخصوص الدستور حتى نهاية عام 2008.
مخاوف المواطنين المواطنين من الاتحاد هل هو مبرر؟
هذا التشكك من قبل المواطنين الأوروبيين، إلى جانب اللا الفرنسية والهولندية، يوضح أمراً واحداً وهو أن القرارات السياسية المتعلقة بمشروع الاتحاد الأوروبي اقتصرت على النخبة الأوروبية فقط وابتعدت كليا عن مشاكل الشارع الأوروبي. وهذا يعني أن مشاريع المستقبل يجب أن تهتم بالتطبيقات العملية التي يشعر بها كل مواطن أوروبي في حياته اليومية، مثل القيام بحملات تفتيش أوروبية للشركات المولدة للطاقة لحماية المستهلك من استغلال الشركات وتعسفها في تحديد الأسعار أو مثل التقليل من التلوث الذي يقتل مئات البشر سنوياً. وهكذا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يكسب ثقة مواطنيه مجدداً. فعن طريق "اللا" التي رفعها الهولنديون والفرنسيون في وجه الدستور الأوروبي، عبر المواطنون عن تخوفهم من العولمة، التي تؤدي في نظرهم إلى مزيد من البطالة وفقدان الهوية. فالشعور السائد بأن اقتصاد السوق أضح يملى عليهم أسلوب حياة معينة سبب رد فعل تمثل بالرجوع إلى القومية، لأن الاتحاد الأوروبي يبدو بالنسبة إليهم أحد عملاء العولمة والدستور هو وسيلتها للسيادة.
إلا أن الأمر في الواقع مختلف، فالتعاون الأوروبي هو الرد العملي على عولمة الأسواق وهو الحل الوحيد الذي يسمح لها بالصمود في وجه قوة الأسواق العالمية، حيث تتقلص الأسواق المحلية بشكل كبير وتفقد أهميتها بوضوح. معاً تملك الدول الأوروبية القدرة على مراقبة الشركات متعددة الجنسيات، كما أنهم معاً يملكون المزيد من الوسائل لتطوير الأبحاث والقيام بإصلاحات اقتصادية وتوفير مصادر طاقة رخيصة الثمن. لكن من أجل تحول موقف الشعوب الأوروبية من الرفض إلى التأييد يجب أخذ مخاوف الشارع الأوروبي مأخذ الجد والعمل على تفنيدها على أرض الواقع، فالوعود المجردة لا تكفي. وعلاوة على ذلك فإن مبدأ الاتحاد الأوروبي كضمان للسلام في أوروبا بعد ستين عاماً من نهاية الحرب العالمية الثانية، لم يعد يؤثر في الكثيرين. لكن ما سيؤثر هو التأثير العملي لهذا الاتحاد، وهذا لن يتحقق إلا إذا غير الاتحاد الأوروبي استراتيجيته.
"أوروبا النتائج الملموسة" هي الأمل
ولهذا يسعى زعماء الاتحاد الأوروبي إلى كسب التأييد الشعبي لخطواتهم القادمة عبر إنجازات ملموسة في مجالات الأمن الداخلي والاقتصاد والأبحاث وأيضاً فيما يخص السياسة الأوروبية الخارجية في مجال الطاقة. فهم يريدون إظهار "أوروبا موحدة عن طريق العمل" لإقناع شعوبهم بأهمية الاندماج الأوروبي وفعاليته. فالنتائج العملية ستقوي من ثقة الشعوب في الاتحاد الأوروبي كما جاء في تصريحات القمة. ووفقاً لآراء المراقبين فإن مزيدا من الشفافية التي تكمن في نقل جزء من عملية التصويت على القرارات في ممثلي الوزارات الأوروبية في المستقبل بشكل علني يمكن أن تساعد في كسب الثقة في صناعة قرار السياسي الأوروبي. وتطبق هذه القاعدة على جلسات التشاور على القوانين التي تستلزم الموافقة في البرلمان الأوروبي أو تقديم الخطط طويلة المدى فيما يخص السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.
"أوروبا النتائج"، هذا هو الشعار الذي أطلقه رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو على هذه الخطة، والتي تسعى إلى تغيير موقف المواطنين وإلى إنهاء حالة الجمود السياسي التي أصابت الاتحاد الأوروبي. ومن جانبها وافقت المستشارة الألمانية ميركل على هذه الخطة أثناء القمة قائلة: "من ناحية، يجب إقناع الشعوب الأوروبية أن لدينا مشاريع تساعد على توفير المزيد من العمل والرخاء لهم، وتجعل أوروبا أقوى عالمياً. ومن ناحية أخرى، يجب أن نوضح أننا نحتاج إلى دستور للوصول إلى هذه الأهداف. ولذلك فقد اتخذنا هذه الفترة المحددة حتى نهاية 2008 لاتخاذ قرار نهائي فيما يخص هذا الدستور". هذه الفترة تهدف لإتاحة الفرصة للتفكير وتقديم تصور للتطورات الممكنة، كما أنها تهدف لانتظار الانتخابات البرلمانية التي تقام في ربيع العام القادم في كل من فرنسا وهولندا. لكن للوصول إلى هذه النتائج لا يجب فقط تغيير استراتيجية الاتحاد، بل يجب أيضاً على رؤساء حكومات الدول تغيير مواقفهم، حيث أنهم كثيراً ما يلقون بأخطائهم على المفوضية الأوروبية ويجعلونه كبش فداء، ومن يسيء للاتحاد الأوروبي لا يجب عليه أن يلوم شعبه إذا ما رفض قرارات بروكسل ورفض الاندماج فيه!