السودان ـ مسار الأحداث منذ انقلاب 2021 وحتى تفجر الوضع
١٥ أبريل ٢٠٢٣يرى مراقبون أن خطورة الأزمة في السودان هذه المرة تكمن في أنها ليست كسابقاتها بين العسكريين والمدنيين، وإنما بين جناحي السلطة النافذة، وهما القوات المسلحة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، وما تعرف بقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، نائب رئيس مجلس السيادة، اللذين كانا يمثلان كيانا واحدا أمام القوى المدنية في المرحلة التي أعقبت الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير.
واعتبر المركز الافريقي للأبحاث ودراسة السياسات أنه منذ تأجيل التوقيع على الاتفاق النهائي لتسوية الأزمة السياسية في البلاد مطلع الشهر الجاري، وبعد ذلك التأجيل مجددا في 6 نيسان/أبريل بسبب الخلاف حول بند الإصلاحات الأمنية والعسكرية وبروز الخلاف حول دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، بدا أن الأوضاع في السودان تتجه نحو مزيد من التعقيد.
وعزا المركز هذه الخلافات إلى "الشقاق السياسي والخلافات العميقة للقوى السياسية السودانية حول إدارة الفترة الانتقالية واستحقاقاتها"، إضافة إلى الهوة الشاسعة بين الأطراف المختلفة التي "تتخندق" مع الجيش أو الدعم السريع، فضلا عن "طموح دقلو في تشكيل مستقبل السودان ولعب دور رئيسي فيه، مع اتجاه معاكس للجيش يسعى لتحجيم دور الدعم السريع وإدماجه في الجيش وبالتالي التقليل من أي دور سياسي بارز مستقبلا".
واستشعارا لخطورة الموقف تعالت دعوات من وسطاء وأطراف سودانية إلى نزع فتيل التوتر. ونقلت بوابة "سودان تريبيون" الإخبارية عن وسطاء أن دقلو أبدى استعداده للجلوس مع البرهان "دون قيد أو شرط"، لحل الأزمة الناشبة بين أكبر قوتين عسكريتين بالبلاد، وأبدى التزامه بـ"عدم التصعيد".
وذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن الخلافات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تصاعدت في الأشهر الأخيرة، مشيرة إلى الدور الذي لعبته قوات دقلو، وهي قوات شبه عسكرية يقدر قوامها بعشرات الآلاف من المقاتلين، وتشكلت أساسا من ميليشيا الجنجويد التي لعبت دورا بارزا لصالح القوات الحكومية في الصراع الذي دام عقودا في إقليم دارفور. وقالت الصحيفة إنه على الرغم من تلاقي مصالح الجانبين من قبل ووجودهما في نفس الخانة من المعادلة، تجلى الشقاق بينهما خلال الأشهر القليلة الماضية، مع "تصريحات علنية متضاربة ووجود عسكري مكثف في الخرطوم وزيارات أجنبية متوازية من قبل الجيش وقوات الدعم السريع".
وتقول قوات الدعم السريع إن وجودها في شمال السودان وأي مكان آخر يستهدف"تحقيق الأمن والاستقرار ومكافحة تهريب البشر والهجرة غير الشرعية". وأشارت الصحيفة إلى أن أساس الخلاف يعود إلى الكيفية التي يجب أن يتم بها دمج قوات الدعم السريع في الجيش و"أي سلطة ستشرف على العملية"، منوهة إلى أن عملية الدمج "شرط أساسي للاتفاق الانتقالي غير الموقع".
ودق مراقبون ناقوس الخطر من أن التوترات بين الجانبين عند أعلى مستوى على الإطلاق حاليا، وأن الجيش في بيانه التحذيري فجر الخميس الماضي "كاد يتهم قوات الدعم السريع بالتمرد"، وسط مخاوف من اندلاع صراع جديد في "بلد معروف بصراعاته الداخلية المسلحة"، بحسب صحيفة واشنطن بوست.
أبرز الأحداث منذ الانقلاب العسكري في 2021
في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021 تم توقيف الغالبية الساحقة من المسؤولين المدنيين، وبينهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بعد رفضهم دعم "الانقلاب" الذي قاده قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
حينها أعلن البرهان عبر التلفزيون الرسمي حالة الطوارئ بعد حل السلطات الانتقالية وإقالة عدد كبير من أعضاء الحكومة والأعضاء المدنيين في مجلس السيادة المسؤول عن قيادة المرحلة الانتقالية. وعلّقت واشنطن مساعدات بقيمة 700 مليون دولار للسودان.
وفي 26 تشرين الأول/أكتوبر، تظاهر آلاف السودانيين ضد الجيش في الخرطوم وأغلقوا الشوارع، فيما نشرت القوات الأمنية مدرعات على الجسور ومحاور الطرق الرئيسية. وفي المساء، وبعد العديد من الدعوات للإفراج عن رئيس الوزراء الذي كان قائد الجيش يحتجزه في بيته، أعيد عبد الله حمدوك إلى منزله حيث وضع قيد الإقامة الجبرية.
وفي 4 تشرين الثاني/نوفمبر وبفعل الضغط الدولي أفرج عن أربعة وزراء. في 11 تشرين الثاني/نوفمبر، شكل البرهان مجلس سيادة انتقاليا جديدا استبعد منه أربعة ممثلين لقوى الحرية والتغيير واحتفظ بمنصبه رئيسا للمجلس كما احتفظ الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوة الدعم السريع، المتهم بارتكاب تجاوزات إبان الحرب في دارفور وأثناء الانتفاضة ضد البشير، بمنصبه نائبا لرئيس المجلس.
وفي 21 تشرين الثاني/نوفمبر، توصّل الفريق أول عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى اتفاق بشأن عودة الأخير إلى رئاسة الحكومة السودانية، إلا أن ذلك لم يؤدِ إلى تهدئة الشارع واستمرت التظاهرات في مدن عدة. في اليوم التالي، أطلق سراح الكثير من السياسيين الذين اعتقلوا منذ الانقلاب.
وفي مساء الثاني من كانون الثاني/يناير 2022، أعلن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك استقالته بعدما أسفر يوم جديد من الاحتجاجات عن مقتل ثلاثة متظاهرين. سقط مزيد من القتلى خلال الاحتجاجات في الأشهر التالية.
وفي 8 حزيران/يونيو، انطلقت محادثات برعاية الأمم المتحدة قاطعتها الأطراف المدنية الرئيسية ولا سيما قوى الحرية والتغيير، العمود الفقري للحكومة المدنية المقالة إثر الانقلاب، التي وضعت كشرط مسبق إنهاء القمع وإطلاق سراح السجناء السياسيين. فوي الحادي عشر، أرجئت الجولة الثانية من المحادثات إلى أجل غير مسمى.
في 21 تموز/يوليو، في مواجهة الأزمة الغذائية المتفاقمة في السودان، أعلن البنك الدولي عن منح 100 مليون دولار مقابل "تحويلات مالية وغذائية".
في 12 أيلول/سبتمبر، أعلنت الأمم المتحدة ومنظمة "أنقذوا الأطفال" أن نحو سبعة ملايين طفل سوداني محروم من التعليم وأن نحو 12 مليون طفل يواجه خطر الانقطاع عن التعليم. ويلامس التضخم شهريًا نسبة 200% وقيمة العملة تتراجع وسعر الخبز ازداد عشرة أضعاف منذ الانقلاب.
وفي 18 تشرين الأول/أكتوبر، أعلن زعيم "قوى الحرية والتغيير" خالد عمر يوسف أن مفاوضات غير مباشرة جارية مع الجيش.
في 19 و20 تشرين الأول/أكتوبر، أدّت مواجهات قبلية في ولاية النيل الأزرق بجنوب السودان إلى سقوط 250 قتيلًا. ويعتبر خبراء أن الفراغ الأمني الذي أحدثه الانقلاب شجع على تجدد العنف القبلي.
في 5 كانون الأول/ديسمبر، وقع اللواء برهان والقائد محمد حمدان دقلو، الرجل الثاني في النظام والعديد من القادة المدنيين وخصوصا من قوى الحرية والتغيير، اتفاقاً لإنهاء الأزمة. وقالت قوى الحرية والتغيير، وهي فصيل مدني رئيسي كان انقلاب البرهان أطاح به، إن الاتفاق الاطاري يمهد الطريق لتشكيل سلطة مدنية انتقالية. تم التوقيع في حضور المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتس ومحمد بلعيش سفير الاتحاد الافريقي لدى الخرطوم.
في 13 من نيسان/أبريل، انتشرت قوات الدعم السريع شبه العسكرية الموالية لدقلو في الخرطوم والمدن الرئيسية. والسبت 15 من نيسان/أبريل، أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على مطار الخرطوم الدولي والقصر الجمهوري، إثر اندلع اشتباكات بينها وبين قوات الجيش. وسمع في الخرطوم دوي قوي لانفجارات واطلاق نار قبل أن تتهم قوات الدعم السريع في بيان الجيش بمهاجمة معسكراتها.
ف.ي/ع.ج.م (ا.ف.ب، رويترز، د.ب.ا)