مراهقون إرهابيون - كيف يجنّد تنظيم "داعش" مراهقين في أوروبا؟
١٦ سبتمبر ٢٠٢٤كشفت التحقيقات بأن المراهق النمساوي، الذي قُتل على يد الشرطة الألمانية في ميونيخ في الخامس من سبتمبر/أيلول الجاري، كان مولعا أو متأثرا بالتطرف الإسلاموي على الرغم من أن الشاب لم يكن يُعرف عنه التردد الكثير على المساجد أو حتى قيامه بإطلاق لحيته أو ارتداء جلبابا طويلا.
بيد أن طرف الخيط الوحيد، الذي ربما كان سيُخبر عن سلوكه المتطرف الذي تجلى بواقعة إطلاق النار في ميونيخ، يعود لمطلع العام الماضي عندما عثرت الشرطة النمساوية على مقاطع مصورة على لعبة قام بتنزيلها على هاتفه الذكي حيث قام بوضع علم القاعدة على بعض المقاطع. وجاء تحرك الشرطة في إطار التحقيق في شجار حدث في مدرسته.
وقالت الشرطة إنها تعتقد ان الشاب النمساوي قد بات متطرفا عن طريق الإنترنت بعد ذلك بشهور.
تزايد أعداد المتطرفين في أوساط المراهقين
وليست هذه الواقعة الوحيدة؛ إذ أحصى باحثون بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى قرابة 470 قضية قانونية ذات صلة بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) خلال الفترة ما بين مارس/آذار 2023 ومارس/آذار 2024.
وقال التقرير إن مراهقين أو قُصَّر كانوا متورطين في 30 من هذه القضايا، مضيفا: "هذا الرقم قد يكون أعلى بكثير نظراً لأن العديد من الدول لا تنشر بيانات عن أعمار المعتقلين".
وكشفت دراسة قام بها بيتر نيومان، أستاذ الدراسات الأمنية في "كينغز كوليدج"، عن وجود 27 قضية حديثة مرتبطة بتنظيم داعش، فيما شكل المراهقون قرابة ثلثي معدل الاعتقالات في أوروبا.
وشهد الأسبوع الأول من سبتمبر/ أيلول اعتقال فتى في عامه الرابع عشر في أوروغواي بعد أن عرف نفسه عبر الإنترنت بكونه "إرهابيا من عناصر الذئاب المنفردة". وبعد ذلك جرى اعتقال صبي يبلغ من العمر 11 عاما في سويسرا بعد نشره رسائل متطرفة عبر منصات التواصل الاجتماعي.
داعش مازال يستهدف المراهقين في الغرب
ورغم دحره في العراق وسوريا عام 2017، إلا أن تنظيم داعش مازال موجودا سواء في بعض الدول الأفريقية وفي أفغانستان عبر ما يُعرف بـ "ولاية خراسان" أو "داعش خراسان" الذي يرجح خبراء أنه الكيان المسؤول عن الاتصالات الخارجية.
يشار إلى أنه منذ يناير/كانون الثاني الماضي، شجع تنظيم "ولاية خراسان" أتباعه على ارتكاب "هجمات الذئاب المنفردة" في أوروبا، بما في ذلك استهداف الفعاليات الكبيرة مثل الأحداث الرياضية ومباريات كرة القدم والحفلات الموسيقية.
وقال خبراء إنهم لا يعتقدون أن هذه الرسائل موجهة صراحة إلى المراهقين في أوروبا، قائلين إن تزايد أعداد المراهقين، الذين يرتكبون هجمات، بات مرتبطا بما تسمح به منصات التواصل الاجتماعي من الوصول إلى المحتوى المرتبط بداعش.
ويقول الخبراء إن الهجمات التي يشنها مراهقون غالبا ما تكون "مستوحاة" من تنظيم داعش على عكس الهجمات التي تشن بناء على أوامر مباشرة من عناصر متواجدة في أفغانستان.
ويأتي ذلك مغايرا للسيناريو الذي وقع عام 2014 عندما استولى تنظيم داعش على مساحات شاسعة في العراق وسوريا؛ إذ كانت العناصر الجديدة على اتصال مباشرة مع شخصيات في الشرق الأوسط تشجعهم على شد الرحال صوب مناطق سيطرة داعش.
وفي ذلك، قال كولين كلارك، الباحث بمركز صوفان المتخصص في الأبحاث الأمنية ومقره نيويورك، إن الاتجاه الجديد بات يتسم بأنه أقل مركزية.
من جانبه، قال بيتر فان أوستاين، المحلل الذي عكف على إجراء أبحاث عن داعش لأكثر من عشر سنوات والذي يعمل في الوقت الراهن في "مشروع مكافحة التطرف"، إن "هناك خدمة إعلامية وقيادة مركزية أصدرت أوامر بشن هجمات في روسيا، لكن في الوقت الحالي أعتقد أن هناك شبكة أكثر تنوعا تعمل على تجنيد هؤلاء الشباب".
وأشار مصطفى عياد، المدير التنفيذي لأفريقيا والشرق الأوسط وآسيا بمعهد الحوار الاستراتيجي ومقره لندن، إلى أن "هذه الشبكة منتشرة حيث تضم أطفالا في دوائرهم الخاصة على الإنترنت يرغبون في أن يكونوا مؤثرين". وأضاف: "لا تزال الإيديولوجية تلعب دورا، حيث لا يمكن استبعاد ذلك، لكن نشر محتوى داعش في مقاطع قصيرة وبلغات محلية يشير إلى سهولة استقطاب الشباب".
لما يقع مراهقون فريسة للجماعات المتطرفة؟
وأوضح عياد أن مثل هذه "الشبكات باتت منتشرة، لكن لا يعرف أي شخص حجمها الحقيقي. ولا تبذل المنصات ما يكفي من الجهد لإزالة المحتوى المتطرف".
ويقول الخبراء إن داعش اعتمد على سردية مفادها أن "المسلمين مضطهدين"، فيما يلقى ذلك قبولا بين المراهقين المنبوذين أو المهمشين.
وأشار الخبراء إلى أن هناك عوامل سياسية تلعب دورا في تزايد عدد المتطرفين في أوساط المراهقين مثل الصراع بين إسرائيل وحماس والذي يتم استخدامه للزعم بأن "بقية العالم يكره المسلمين".
وقال عياد إن "عدد القتلى المدنيين [من غزة] الذي ترصده الكاميرات وبات متاحا للجميع ويسلط الضوء على الموت والدمار، سيكون له التأثير على الأطفال أيضا. نحن نعلم أن هذا النوع من المحتوى العنيف يجعل الأطفال إما أن يصبحوا إنطوائيين أو أكثر عدوانية".
ويرجح الخبراء أن تنامي قوة اليمين المتطرف في ألمانيا بالتزامن مع تجدد النقاش حول الهجرة والإسلام، يؤثر على المراهقين الذين يشعرون بالتهميش في بعض المجتمعات.
وفي مقابلة مع DW، قال المحلل في مشروع مكافحة التطرف، فان أوستاين، "إن تنامي قوة اليمين المتطرف يتسبب في زيادة السلوك الجهادي. والأمر يعني ببساطة أن المجموعتين تعززان بعضهما البعض".
فيما قال مصطفى عياد إن "هناك الكثير من المواقف، التي تتخذها جماعات تابعة لتنظيم داعش تأتي متزامنة مع صدور الكثير من التهديدات، لكنني لا أعتقد أننا وصلنا إلى مستويات عامي 2015 و2016". وأضاف المدير التنفيذي لأفريقيا والشرق الأوسط وآسيا بمعهد الحوار الاستراتيجي: "عندما يتعلق الأمر بهؤلاء الأطفال، فإن خططهم عادة ما تكون غير مدروسة، رغم ذلك قد يكون لها عواقب وخيمة إذا نجحوا بالفعل؛ فالأمر لا يتطلب سوى نجاح هجوم واحد فقط".
أعده للعربية: محمد فرحان