مذابح الأرمن ـ بايدن يعاقب أردوغان فهل يقطع "شعرة معاوية"؟
٢٨ أبريل ٢٠٢١في خطوة غير مسبوقة لرئيس أمريكي، وبعدما سبق للكونغرس أن أقدم على خطوة مماثلة، اعترف جو بايدن رسميا بإبادة الأرمن على يد الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى والتي راح ضحيتها ما لا يقل عن 1.5 مليون شخص حسب المصادر الأرمنية عام 1915.
خطوة بايدن، أثارت، كما كان متوقعا، غضبا شديدا لدى تركيا التي استدعت السفير الأمريكي لديها في مؤشر على احتمال دخول العلاقات الأمريكية التركية في دوامة جديدة من التوتر الديبلوماسي. تركيا لا تنكر بأن أعدادا مهولة من المسيحيين الأرمن الذين كانوا يعيشون في الإمبراطورية العثمانية لقوا حتفهم، لكنها تعتبر أن عددهم لم يتجاوز 150 ألفا.
صحيفة "نويه تسوريخر تسايتونغ" (26 أبريل 2021) ركزت على السياق الذي دفع بالرئيس الأمريكي للتصادم مع الحليف التركي وكتبت "مراعاة لحساسية الحكومة التركية، دأب العديد من رؤساء الدول والحكومات (الغربية) في الماضي على التفافات مثيرة كلما كان عليهم التعليق على قضية الأرمن. غير أن الأمر تغير في سياق السلوك الاستبدادي والعدواني المتزايد لتركيا تحت حكم الرئيس رجب طيب أردوغان". واستطردت الصحيفة موضحة أن "سدا قد انهار، إذ اعترف عدد من الحكومات والبرلمانات في العالم بحقيقة الإبادة الجماعية للأرمن (...) العلاقات بين واشنطن وأنقرة باتت مثقلة بالسلوك المستبد، بشكل متزايد، لأردوغان، الذي لا ينتهك حقوق الإنسان بشكل منهجي من وجهة نظر الغرب فحسب، بل يتبع أيضًا سياسات مبنية على قوة عديمة الضمير تجاه أوروبا على خلفية بؤس اللاجئين. بالإضافة إلى ذلك، فهو يغازل موسكو من حين لآخر وبشكل علني، وهو ما يرحب به الروس بالطبع، إضعافا لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي".
بايدن ومذابح الأرمن ـ ارتدادات الصدمة في تركيا
الخطوة الأمريكية أثارت صدمة في تركيا، إذ دعا الرئيس التركي نظيره الأمريكي للتراجع فورا عن إعلانه الذي قال إنه سيؤثر على العلاقات الثنائية ويضعفها. ونصح واشنطن "بالنظر في المرآة" مضيفا أن بلاده ما زالت تسعى إلى علاقات حسن الجوار مع أرمينيا. وذهب أردوغان إلى القول بأن الخطوة الأمريكية "لا أساس لها وظالمة وتجافي الحقيقة بشأن الأحداث الحزينة التي وقعت في منطقتنا قبل قرن مضى". وجدد أردوغان دعوته إلى مؤرخين أرمن وأتراك لتشكيل لجنة تحقيق مشتركة لتسليط الضوء على المذابح التي ذهب ضحيتها الأرمن عام 1915.
أردوغان حاول رد الصاع صاعين، إذ خاطب بايدن قائلا "إذا قلتم إبادة جماعية، فإنكم تحتاجون عندئذ إلى النظر إلى أنفسكم في المرآة ثم تجرون تقييما. الأمريكيون الأصليون، أنا حتى لا أحتاج إلى أن أذكرهم، فما حدث واضح" مشيرا إلى معاملة المستوطنين الأوروبيين لسكان أمريكا الأصليين. واستطرد الرئيس التركي موضحا "في حين أن كل هذه الحقائق ثابتة فإنه لا يمكن أن توجه تهمة الإبادة الجماعية إلى الشعب التركي".
صحيفة "شتوتغارتر تسايتونغ" (25 أبريل/ نيسان) اعتبرت إعلان الرئيس بايدن "نقطة تحول في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا. وحتى الآن، تصرف الرئيس أردوغان على افتراض أن الغرب لا يمكنه الاستغناء عن تركيا، لدرجة أنه حتى القوة العظمى، الولايات المتحدة، عليها الخضوع لذلك. لقد تغير الأمر الآن، فبايدن أراد أن يوضح لأنقرة أن تركيا بحاجة إلى أمريكا أكثر من العكس".
الزواج الصعب ـ تركيا والشراكة الأطلسية
رغم أن إعلان بايدن لن يكون له أي تأثير قانوني ملموس ومباشر، إلا أنه يعتبر مؤشرا جديدا على تعقيدات الشراكة بين تركيا وحلفائها الغربيين. وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ذهب إلى وصف تركيا بـ"الشريكة الاستراتيجية المفترضة" التي "لا تتصرف كحليف في العديد من الجوانب".
وهناك عدد من الملفات التي تثقل كاهل العلاقات الأمريكية التركية من بينها شراء أنقرة لنظام الدفاع الصاروخي الروسي (إس ـ 400) رغم كونها عضو في حلف شمال الأطلسي، فضلا عن اختلاف وجهات نظر الطرفين تجاه عدد من القضايا الإقليمية الأخرى كالخلاف مع اليونان أو النزاع السوري. غير أن الجانبين يعملان في الوقت نفسه على تفادي الأسوأ، إذ دعا أردوغان نظيره الأمريكي إلى "فتح الباب أمام فترة جديدة" بطرح كل الخلافات على الطاولة خلال قمة حلف شمال الأطلسي المقررة في يونيو/ حزيران المقبل.
صحيفة "زودويتشه تسايتونغ" (25 أبريل/ نيسان) أوضحت من جهتها أن "إعلان بايدن (الاعتراف بإبادة الأرمن) سيلقي بظلاله الآن على العلاقة المتوترة بالفعل بين الولايات المتحدة وتركيا: بعدما اشترت أنقرة أسلحة روسية عالية التقنية، أقصت واشنطن الأتراك بغضب من برنامج الطائرات المقاتلة الغربية الأكثر تطورا في العقود المقبلة (..) من الناحية الموضوعية، فإن بايدن محق بلا شك في اعترافه بالإبادة الجماعية للأرمن، لكن من الناحية السياسية عليه العمل بشكل ما يجعل تركيا تعمل كشريك في الناتو".
وتعتبر الديبلوماسية التركية قضية الأرمن خطا أحمرا لا تقبل بتجاوزه، وكان من المتوقع أن ترد الحكومة التركية على الخطوة الأمريكية، وإن كان ليس واضحا بعد كيف ومتى ستفعل ذلك. وبهذا الشأن أوضح إبراهيم كالين، المستشار والمتحدث باسم الرئيس أردوغان "سيكون هناك رد فعل بأشكال وأنواع ودرجات مختلفة في الأيام والأشهر المقبلة". واستطرد كالين "كل ما سنقوم به مع الولايات المتحدة سيكون تحت تأثير هذا البيان المؤسف للغاية". ومن بين الخطوات التصعيدية المحتملة فرض قيود على استخدام قاعدة انجرليك ذات الأهمية بالنسبة لحلف الناتو، أو إعادة النظر في التعاون الأمني بين أنقرة وواشنطن في سوريا والعراق.
لجنة أوشفيتز الدولية: خطوة بايدن "التفاتة مهمة"
رحبت لجنة أوشفيتز الدولية للناجين من معتقلات البطش النازي بإعلان بايدن، وقال نائب الرئيس التنفيذي للجنة، كريستوف هوبنر "في ذكرى نكبته، شعر الناجون من الهولوكوست دوما بعلاقة وثيقة مع الشعب الأرميني لسنوات عديدة (..) الاعتراف بالإبادة الجماعية وتسميتها من قبل بايدن بادرة مهمة للناجين من المحرقة وكذلك إشارة للحكومة التركية لمواجهة مسؤوليتها التاريخية".
في ديسمبر/ كانون الأول 2019، اعترف الكونغرس الأمريكي بالفعل بالمذبحة على أنها إبادة جماعية في تصويت رمزي. وفعل البرلمان الألماني (بوندستاغ) الشيء نفسه في عام 2016، مما تسبب في أزمة ديبلوماسية حادة مع تركيا. ويرى مراقبون أن الخطوة الأمريكية قد تدفع بتركيا للاندفاع إلى الحضن الأوروبي في وقت يعيش فيه أردوغان ما يشبه العزلة القاتلة. صحيفة "تاغسشبيغل" البرلينية (25 أبريل/ نيسان) كتبت بهذا الصدد وقالت "قد يكون من تداعيات الخلاف الأمريكي التركي، توجه متزايد لأردوغان نحو الاتحاد الأوروبي. فالرئيس التركي في حاجة لشركاء أقوياء أكثر من أي وقت مضى لمساعدته على الخروج من عزلته السياسية. فعكس ما حصل مع بايدن، فإنه يبدو أن غزل أردوغان الأخير تجاه الاتحاد الأوروبي قد أتى ببعض من النتائج. غير أن الأوروبيين مصرون على سياسة تركية جيدة تجاه اليونان وقبرص (..) يمكن لخطوة بايدن أن تساهم في إعادة تركيا إلى أرض وواقع الحقائق السياسية".
علاقات في الحضيض ـ بايدن يعاقب أردوغان
لم يتلق أردوغان أي اتصال هاتفي من نظيره الأمريكي جو بايدن، طوال الأشهر الأولى بعد تسلم الأخير لمقاليد السلطة في البيت الأبيض، رغم أنه أجرى عددا لا يحصى من المكالمات الروتينية مع نظرائه من مختلف أنحاء العالم. هذا الوضع أزعج كثيرا دوائر صنع القرار في أنقرة التي رأت في صمت البيت الأبيض مؤشرا على تغير مزاج الإدارة الأمريكية تجاه تركيا، عكس ما كان عليه الأمر مع إدارة دونالد ترامب. هذا الموقف يمكن ترجمته كعقاب من بايدن لأردوغان خصوصا وأن الرجلين ليسا غريبين عن بعضهما البعض. فعندما كان نائبا للرئيس باراك أوباما، قاد بايدن العلاقات مع تركيا في وقت حرج بعد محاولة الانقلاب ضد أردوغان عام 2016، والتي حينها ألقى الرئيس التركي باللوم على الولايات المتحدة بشكل أو بآخر.
وتربط الولايات المتحدة وتركيا علاقات دفاعية وثيقة، إذ تضم قاعدة انجرليك الجوية أسلحة نووية أمريكية، كما يتم بناء نظام رادار في تركيا للاستشعار المبكر لحلف شمال الأطلسي لصد الصواريخ البالستية الآتية من الشرق. وتعتبر تركيا أيضا لاعباً رئيسياً في البحر الأسود، حيث تصاعدت التوترات بين الغرب وروسيا منذ أن ضمت موسكو شبه جزيرة القرم بشكل غير قانوني في عام 2014. ويُنظر إلى تركيا كحاجز طبيعي ضد روسيا وضد التوسع الإيراني في الشرق الأوسط.
حسن زنيند