مدينة ميشيلين البلجيكية تكافح ضد تطرف الشباب المسلمين
١ أكتوبر ٢٠١٧تقع مدينة ميشيلين البلجيكية في نصف الطريق بين بروكسل وأنتفيربن. وفي وسط المدينة يهيمن مبنى الكاتدرائية على ساحة السوق ومبنى البلدية القديم المشيد على الطراز الغوطي من حيث يكافح بارت زوميرس كرئيس بلدية ضد التطرف والتشدد منذ 2001. وهو صراع لا يمكنه أن يكسبه نهائياً ويمكن أن يخسره في كل يوم.
زوميرس ليس فقط رئيس لبلدية ميشيلين، بل أيضاً رئيس كتلة الليبراليين الفلاميين ورئيس وزراء سابق للمقاطعة الفلامية. وتتشكل سياسته من عمودين: "العمود اليميني هو الأمن. لقد استثمرنا الكثير في الشرطة. كما لا يوجد مدينة في بلجيكا بها هذا الكم من كاميرات المراقبة". والعمود الأيسر هو برنامجه للاندماج، "لا يمكن لنا أن نسمح أن تنعزل مجموعة اجتماعية. نحن هنا جميعا ننتمي لميشيلين سواء كنا وُلدنا هنا أم في المغرب. لكننا لسنا مدينة مزدهرة أيضاً"، كما يوضح زوميرس.
جزيرة السعداء
المقارنة مع المدن المجاورة تجعله محقاً، فالهجوم على مسرح باتاكلان في باريس نفذه إرهابيون من بروكسل، وأحد المهاجمين في شارع "رامبلاس" ببرشلونة كان إماماً ناشطاً في فيلفورد المجاورة لميشيلين، وفي السنة الماضية وحدها تم في أنتفيربن إلقاء القبض على تسعة أعضاء لخلية إرهابية.
وميشيلين ليس لها مثل هذه المشاكل، فالمدينة تُعد على المستوى الدولي نموذجاً للاندماج الناجح للمهاجرين وحتى اللاجئين. ولا يوجد فيها متطرفون إسلاميون، ولا أحد من بين سكان المدينة البلغ عددهم 86 ألفاً سافر إلى العراق أو سوريا من أجل القتال هناك.
ففي فيلفورد التي تصغر بالنصف كان عددهم 28 ومن بروكسل ذهب 200 شخص، علما أن هناك ظروف قاسية في ميشيلين حيث أن ينحدر 50 بالمائة من الأطفال من جذور مهاجرة، وعشرون في المائة من المسلمين، ويعيش في المدينة سكان ينحدرون من 138 جنسية.
ووُصفت ميشيلين في التسعينات بأنها "وصمة عار" داخل بلجيكا، أُضيفت إليها وصفات قياسية أخرى: أوسخ مدينة والمدينة التي بها أعلى نسبة جريمة ومرتع للحزب اليميني المتطرف الفلامي. واليوم هي تُسمى "لؤلؤة المنطقة الفلامية"، وحصل الحزب الفلامي اليميني المتطرف خلال الانتخابات الأخيرة فقط على نحو 9 بالمائة من مجموع الأصوات. والمدينة نظيفة وآمنة وإحدى مدن بلجيكا الأكثر نمواً. كيف حصل هذا؟
الخطوة الأولى: تعلم اللغة
رئيس البلدية زوميرس يعتقد أن المشروع التربوي الذي يمكن بموجبه دعم المواطن وحثه في آن واحد يمكن تطبيقه على التعايش الاجتماعي: "من يشعر بأنه يُعامل بجدية، فإنه يبذل الجهد". وكمثال على ذلك نجد المدرسة المهنية في ميشيلين الواقعة مباشرة بجنب الكاتدرائية، فنسبة التلاميذ من جذور مهاجرة تبلغ 80 بالمائة، بينهم 20 من اللاجئين الذين يتعلمون في ثلاثة فصول ليس فقط اللغة الفلامية، بل أيضاً كيف يعيشون داخل المجتمع البلجيكي، وكيف يتعامل الرجال والنساء في بلجيكا مع بعضهم البعض، وما هي المدن الموجودة في المنطقة، وكيف نسأل عن الطريق؟
ومن يزور الدرس يشعر بشكل خاص بأن الفصل فارغ. ويمكن أن يجلس في الحجرة 35 تلميذاً إلا أن عدد التلاميذ الحاضرين ثمانية فقط مع مدرسة، لأن عدد المشاركين في الفصل محدود بمعدل 12 تلميذاً في الفصل. وتهدف الدروس إلى تمكين اللاجئين من المشاركة بسرعة في الحياة المدرسية العادية. وأربعة بين خمسة تلاميذ ينجحون في إتمام ذلك بعد سنة واحدة رغم أن بعضهم لم يرى قبلها فصلاً دراسياً. وفي السنة الماضية كانت ميشيلين المدينة الوحيدة في بلجيكا التي استقبلت طواعية 250 لاجئاً.
عقلية أخرى
وعندما نسأل معلم المدرسة المهنية كريستوف فان غنيشتين لماذا ينجح اندماج المهاجرين واللاجئين بشكل افضل مقارنة بما هو عليه الحال في مدن أخرى، يجيب بسرعة: "إنهم الناس. الناس في ميشيلين منفتحون ببساطة". ويبدو هذا الجواب وكأنه سؤال وليس تصريحاً، لأنه يبدو وكأنه لا يعرف الحقيقة. لكنه مقتنع من أن الأمور تسير بصفة جيدة. "من يريد الاندماج هنا فعلاً، بإمكانه ذلك".
المدينة تقدم خدمات جليلة ويذكر كمثال على ذلك تلك البنت الهاربة التي قدمت قبل ثلاثة أيام إلى بلجيكا، "وهي تجلس اليوم في الفصل الدراسي وتتعلم اللغة". وفي مدن أخرى يستغرق ذلك حتى ستة أسابيع.
مدارس الغيتو في ميشيلين
"ميشيلين تعجبني كثيراً"، يقول رفيق البالغ من العمر 15 عاماً والذي قدم قبل 18 شهراً من أفغانستان إلى بلجيكا. "ما يزعجني هو أنني لم ألتحق بعد بالدروس العادية". وسابقاً كان رفيق سيذهب إلى إحدى "مدارس الغيتوهات" في ميشيلين فور تعلمه اللغة الفلامية. واليوم لا توجد "مدارس الغيتو"، لأن رئيس البلدية زوميرس مارس الضغط لكي تكون المدارس مختلطة بشكل أفضل. وكان الآباء في البداية قلقين إلا أن المدينة التزمت بتحسين الدروس، وهذا يجعل أيضاً الأطفال يعيشون في واقع الغد أي التنوع. وتلقى جهود زوميرس صدى جيداً، لأنه تم انتخابه ثلاث مرات، ومؤخراً بـ33 في المائة.
استثمار في المستقبل
التكاليف الناجمة عن برنامج الاندماج يعتبرها رئيس البلدية زوميرس استثماراً في المستقبل، فهو يمول ذلك الاستثمار من خلال التقشف في جهات أخرى. وهذا الاستثمار يعود بالنتائج: فمتوسط الدخل للسكان ينمو أكثر من المتوسط، وفي آن واحد تبقى ميشيلين المدينة البلجيكية الوحيدة التي تتراجع فيها نسبة الفقر. وهذا النمو يساهم في جلب عائلات ذات دخل قوي إلى ميشيلين، وهذا من جانبه يعود بضرائب إضافية في صندوق المدينة، وهذا ينتفع منه الناس الذين يعيشون في المدينة.
أدريان بريدر/ م.أ.م