مدينة مصدر الخضراء..حفاظ على البيئة أم تلميع للصورة
٢٣ يناير ٢٠١٢على بعد 30 كيلومترا من العاصمة الإماراتية أبو ظبي وفي وسط الصحراء يجري مشروع بناء المدينة الخضراء، مصدر، لتكون نموذجا مستقبليا يُحتذا به في مجال الحفاظ على البيئة وتشجيع استعمال الطاقات المتجددة. إمارة أبو ظبي تتوفر على ما يزيد عن عشر المخزون العالمي للنفط، ولديها احتياطي منه يكفيها لمائة سنة على الأقل. ولكن إمارة أبو ظبي تريد من خلال هذا المشروع ومشاريع مستدامة أخرى أن تظهر للعالم اهتمامها بالطاقات المتجددة والحفاظ على البيئة.
وهكذا بدأ التخطيط لمدينة مصدر منذ سنة 2006، بمعايير عالية وتطلعات كبيرة. وهذا يشمل بناء مدينة بيئية بهواء نقي، تستمد التيار الكهربائي من الطاقة المتجددة وتكون خالية من السيارات، كما يتم إعادة تصنيع النفايات فيها. ومن أجل التنقل في المدينة ونقل البضائع سيتم تصميم عربات كهربائية تحافظ على التوازن البيئي ونقاء الطبيعة. كما من المقرر أيضا أن تكون هناك مساحات خضراء شاسعة وممرات واسعة، حتى يتسنى للسكان الاستمتاع بجمال المدينة وحيويتها ونقاء هوائها.
ويشتغل في هذا المشروع مهندسون معماريون وخبراء عالميون من بينهم نورمان فوستر، أحد أشهر المهندسين المعماريين في العالم. وبدأ البناء بشكل رسمي سنة 2008، ومن المرتقب استكمال البناء سنة 2016. وستتسع المدينة إلى أكثر من 40.000 ساكن، ومن المحتمل أن تصل تكاليف المشروع إلى حوالي 22 مليار دولار.
ولكن وبعد 4 سنوات من بداية الأشغال لم ينجز من هذا المشروع الواعد سوى جزء صغير. وهو عبارة عن مجموعة سكنية تتكون من6 بنايات كبرى. وقد اتخذت مؤسسة مصدر للعلوم والتكنولوجيا مقرا لها في إحدى هذه البنايات. ويجتمع في هذه المؤسسة حوالي 170 طالبا وباحثا من مختلف أنحاء العالم.
مركز للتكنولوجيا المستدامة
ومن الأهداف الأساسية لهذا المشروع هو جعل مدينة مصدر ملتقى ومركزا رائدا في مجال التكنولوجيا المستدامة والطاقات المتجددة، وذلك من خلال استقطاب الشركات الكبرى والباحثين والطلبة المتفوقين في هذا المجال. ومن أجل تحقيق هذا الطموح الكبير قام الأمير، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بتعيين الخبير الاقتصادي والمهندس السلطان أحمد الجابر رئيسا لمشروع مدينة مصدر.
ومن جهته قام أحمد الجابر بتعزيز الشراكات مع العديد من المؤسسات والمنظمات الرائدة في مجال الطاقات المتجددة والبحت العلمي. ومن بينها مؤسسة ماساشوسيتس (Massachusetts) الأمريكية للتكنولوجيا، والتي ساعدت على فتح شعب دراسية عالمية في مجال التكنولوجيا المستدامة في مدينة مصدر. كما تساهم أيضا مؤسسة فراونهوفر(Frauenhofer) المرموقة في مجال فيزياء البناء والطاقة الشمسية في إنشاء مركز تجريبي.
علاوة على ذلك استطاع الجابر كسب شريك استراتيجي مهم ورائد في المجال التكنولوجي، وهو الشركة الألمانية العملاقة سيمنس (Siemens) حيث أنه من المخطط بناء مقر يتسع لحوالي 2000عامل من شركة سيمنس، يجعل منه المقر الرئيسي للشركة في منطقة الشرق الأوسط.
الصعوبات والتحديات
بالرغم من المخططات الطموحة والتطلعات العالية، إلا أن هناك العديد من المشاكل التي تعيق سير المشروع، مما يثير بعض الشكوك حول واقعية إنجازه وأهدافه الحقيقية. هذا ما يشاطره أيضا أحد الخبراء العالميين في مجال الطاقة، الذي رفض أن ينشر اسمه في هذا التقرير. ويعتبر هذا الخبير في حوار مع دويتشه فيله أن: "هذا عبارة عن مشروع فخري استعراضي وللتظاهر فقط". ويضيف: " حتى الآن ليس هناك إنجازات تؤكد القيمة البيئية لمدينة مصدر".
كما عبر خبير آخر في الطاقة المتجددة، والذي يشتغل في مشروع مصدر منذ سنوات، عن وجود العديد من الأخطاء في التصميمات، ومن بينها مشكل التظليل على الألواح الشمسية على سقف البنايات، مما يسبب في استهلاك مفرط للكهرباء. وكذلك فيما يتعلق بالإضاءة الليلية لشوارع مصدر: فهناك أيضا بعض المشاكل حيث أن الأضواء ظلت مضاءة ليلا ونهارا دون انقطاع لعدة أشهر، وغيرها من المشاكل المشابهة. وهذا ما يجعل الخبير، الذي لم رفض نشر اسمه ـ لأسباب عمليةـ يشعر بالاستياء حيث يقول: "المشروع عبارة عن حديقة ديزني لاند خضراء".
"مشروع من أجل تلميع الصورة فقط"
كل هذا لم يمنع أن العديد من الجمعيات والمنظمات الكبرى تود أن تجعل من مدينة مصدر مقرا رئيسيا لها. وقد تم اختيار مدينة مصدر لتصبح المقر الرئيسي للمنظمة الدولية للطاقات المتجددة (IRENA) التي أسست سنة 2009 وتضم في عضويتها 149 دولة. ويذكر أيضا أن "قمة العالم لطاقة المستقبل" (WFES) والتي يشارك فيها شخصيات بارزة، تعقد أيضا منذ سنة 2008 في العاصمة الإماراتية. وقد عرفت هذه القمة التي انتهت فعالياتها يوم 19 كانون الثاني /يناير مشاركة العديد من الشخصيات السياسية الرفيعة المستوى. إلا أن العديد من الخبراء وشركات الطاقة المستدامة تحجم عن المشاركة في المؤتمر وتبقى قاعات المعرض فارغة.
شكوك حول نجاعة المشروع
ولكن وبالرغم من هذه الاستثمارات الهائلة، إلا أن مشروع مرصد وغيرها من المشاريع البيئية تلقى انتقادات واسعة من طرف المتتبعين وخبراء الطاقة. فهذه الاستثمارات كانت ستكون لها فعالية أكبر إذا وظفت في مجالات بيئية أخرى. وفي هذا الصدد يشير الخبراء إلى بعض الحلول البسيطة القليلة التكلفة، و التي من شأنها أن تعود بالنفع على السكان أيضا. وذلك من خلال تزويد المنازل العادية بالطاقة الشمسية، وتوعية السكان ببعض التقنيات والإجراءات للحفاظ على البيئة." فذلك سيكون أكثر نجاعة."
فمن اجل الحفاظ عل البيئة وتشجيع استعمال الطاقات المتجددة ليس هناك بالضرورة حاجة ملحة لمثل هذه المشاريع الضخمة ذات التكاليف الباهظة. فإذا أخدنا ألمانيا كدولة رائدة في مجال الطاقة المستدامة والحفاظ على التوازن البيئي، فسنرى أنه يمكن الوصول إلى نتائج أكبر وفعالية أكثر بتكاليف أصغر.
وتظل الإمارات العربية المتحدة رغم كل هذه المشاريع من الدول الأكثر إنتاجا لثاني أكسيد الكربون بنسبة 28 طنا لكل شخص سنويا. وهي نسبة عالية بالنسبة لدولة في حجم الإمارات العربية.
بالإضافة إلى ذلك فإنه وبعد 6 سنوات من بداية مشروع مصدر، لا تزال الحصيلة ضعيفة. وهذا ما يثير شكوكا لدى العديد من الخبراء، الذين يرون في مثل هذه المشاريع مجرد محاولة لتلميع الصورة.
غيرو روتر/أمين بنضريف
مراجعة: عبد الرحمن عثمان