نعيم "داعش" في الرقة هو جحيم سكانها الآخرين
١٩ يونيو ٢٠١٥"تُعرض الرؤوس المقطوعة مثبتة فوق قضبان معدنية على محيط الساحة، كما تخفق الأجساد المصلوبة معروضة على محيط الميدان لأيام متعاقبة لترويع السكان المحليين"، بهذا التعبير وصف أبو إبراهيم الرقاوي أوضاع مدينته. وأبو إبراهيم هو أحد سكان الرقة وناشط ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف إعلاميا باسم "داعش".
"منذ سيطرته على الرقة، تبنى "داعش" سياسة نشر الرعب وإرهاب الناس، من خلال عمليات الإعدام، وضرب الأعناق، وقطع الأيدي والأقدام، ومشاهد الصلب"، كما أكد الرقاوي، الذي يتخفى تحت اسم مستعار، متحدثا إلى وكالة الأنباء الفرنسية. وينشط أبو إبراهيم في مجموعة "الرقة تُذبح بصمت" السرية، التي توثّق فظائع "داعش" في المدينة الواقعة شمال سوريا، وفي المناطق المحيطة بها.
شرطة المدينة - الحسبة للرجال وكتائب الخنساء للنساء
الناشطون تربعوا على رأس قائمة أهداف "داعش" في الرقة، لكن الرقاوي ومعه مجموعة ناشطين استمروا في عملهم، ليوفروا نافذة نادرة، يطل منها العالم على الحياة في إحدى حصون ما يسمى بالـ"الدولة الإسلامية".
كانت الرقة أولى مراكز المحافظات، التي خرجت عن سيطرة النظام السوري، حين احتلها الثوار في آذار/ مارس 2013. لكن تنظيم "داعش" سرعان ما طرد الثوار من المدينة ليحولها خلال أيام إلى "المدينة النموذجية"، حسب تفسيره المتشدد للشريعة الإسلامية، كما قال الباحث والكاتب هشام الهاشمي، مضيفا أنّ التنظيم يسعى "أن تكون الرقة مقرا لحكومته المركزية ، لذلك أقام فيها نظاما للشرطة، وللقضاء، والتربية".
بدأ تنظيم "داعش" يغير كل مستويات الإدارة المدنية، فأعاد كتابة المناهج الدراسية، ونشر المحاكم الإسلامية، وانشأ جهاز "الحسبة"، وهو جهاز شرطة عناصره من الرجال، كما أنشأ في المقابل"كتائب الخنساء"، وهو جهاز شرطة عناصره من النساء، والجهازان يعملان على تطبيق الشريعة الإسلامية، كما يفهما التنظيم المتطرف.
ركز "داعش" بشكل كبير على التربية، فأغلق مدارس المدينة وجامعاتها لعام كامل، وضع خلاله مناهج دراسية جديدة. وعلى لائحة هذه المناهج ما زالت مادتا اللغة الإنجليزية والرياضيات موجودتين، غير ذلك، لم يبق من مفردات المناهج القديمة شيء يذكر. وفي المقابل أضيفت مواد الحقوق والجهاد والقرآن إلى المنهج الجديد.
"الرقة اليوم نموذج حي لأرض التمكين"
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، أعدم التنظيم 2618 شخصا في سوريا في الفترة الممتدة من إعلان "الخلافة" في 28 حزيران/ يونيو 2014 حتى 28 أيار/ مايو 2015، وهناك أحكام أخرى تتراوح بين الجلد والغرامة والسجن.
المرأة التي لا يُخفي نقابُها كل تفاصيل وجهها وجسدها، تجلد أربعين جلدة، وقد تطال العقوبة من يرافقها. أما من تظهر عيناها من خلال النقاب، فتدفع غراما من الذهب. ويتوجب على كل رجل يضبط وقد حلق لحيته أن يدفع غرامة بقيمة مئة دولار.
في المقابل، تفيد التقارير النادرة من الرقة أن من يلتزم بقوانين "الدولة الإسلامية" يعيش بشكل طبيعي، ويستفيد من خدماتها. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن أبو إبراهيم الرقاوي، وهو شاب عشريني وطالب سابق في كلية الطب، القول "إذا تقيدت بقوانين داعش ومشيت وجهك إلى الأرض، فلن يتعرض لك أحد".
ويرى الكاتب، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية هشام الهاشمي أنه "يمكن القول إن الرقة اليوم نموذج حي لأرض التمكين". وهي التسمية التي يطلقها التنظيم على الأراضي التي يسيطر عليها بالكامل، مثل الرقة ومدينة نينوى العراقية، وهي "عمليا أرض الأحكام الشرعية والمؤسسات ". وتظهر أشرطة فيديو أنتجها التنظيم شوارع تعج بالسيارات في مدينة الرقة ومحالاً تجارية مليئة بالزبائن.
"الأفضلية للمقاتل الأجنبي"
وبموجب قوانين "الدولة الإسلامية"، يقدم سكان الرقة معلومات عن ممتلكاتهم ويدفعون الزكاة، وتلزم المؤسسات والمحال التجارية بإغلاق أبوابها خلال أوقات الصلاة. وأخضع التنظيم الأطباء والصيادلة والمدرسين والمهندسين وسائقي سيارات الأجرة (التاكسي) لـ"دورات شرعية". وفي "أرض الخلافة"، يحظى "المهاجرون" أو المقاتلون الأجانب القادمون من خارج سوريا بمعاملة متميزة. ويقول هشام الهاشمي إن مؤسسات التنظيم "تعطي أفضلية للمقاتل الأجنبي، (...) أما عامة الناس فتعتبرهم درجة ثانية أو ثالثة ".
في السابع من حزيران/يونيو، نشر موقع "إصدارات" الالكتروني، التابع للتنظيم شريط فيديو يروي فيه شاب يقدم نفسه باسم أبو سلمان الفرنسي نشأته في عائلة فرنسية مسيحية، ثم اعتناقه الإسلام والتحاقه بالتنظيم .
ويقول الشاب، ذو العينين الفاتحتين واللحية الطويلة الخفيفة، بالفرنسية إنه طلب من زوجته الانضمام إليه في الرقة "بعدما شعر بالأمان التام في الدولة المباركة"، ويضيف: "أعطتنا الدولة الإسلامية منزلا وما احتجناه لتجهيزه، والحمد لله، راتبا كل شهر".
ويقول الرقاوي متحدثا إلى وكالة الأنباء الفرنسية "أجبر التنظيم الأهالي الذين يملكون أكثر من منزل على الاحتفاظ بواحد وتقديم منازلهم الأخرى لمقاتلين أجانب"، مشيرا إلى أن هؤلاء "يعيشون إجمالا في أحياء راقية ولا يدفعون رسوما".
وفي أحد الأشرطة المصورة الدعائية للتنظيم، يقول رجل حليق اللحية يقدم نفسه بأنه الطبيب أبو يوسف الأسترالي: "الحمد لله، هاجرت من أستراليا إلى دولة الإسلام للعيش في ظل الخلافة"، مضيفا باللغة الإنجليزية: "الوضع هنا ارتقى إلى توقعاتي تماما".
م.م/ ص.ش ( أ ف ب )