مخيم شاتيلا للاجئين في لبنان
٣ يونيو ٢٠١٧دَرَجٌ ضيق من الطُّوب مؤدٍّ إلى الطابق الثاني في مبنى متهالك وسط مخيم شاتيلا للاجئين في لبنان. باب البناية مغلق بطُوب من الإسمنت الحديث العهد. قبل شهر واحد، كان سكان المبنى يستخدمون دَرج المبنى، إلى أن عَلِقَ صبي بالكابلات الكهربائية المعلقة فوق المبنى فتعثر وسقط ومات.
الأسلاك الكهربائية غير الآمنة هي من بين الأسباب الأكثر شيوعا للحوادث الخطيرة في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين. فهي تنتشر مثل شبكات العنكبوت، ممتدةً من مبنى إلى آخر في جميع أنحاء شوارع المخيم وأزقته الضيقة، ومشدودةً بشكل فضفاض بأشرطة ارتجالية، ويتكرر في المنطقة انقطاع الكهرباء وحالات الصعق الكهربائي
لقد بلغ المخيم حدود استيعابيته منذ فترة طويلة، كما يقول عماد رعد، أحد سكان مخيم شاتيلا، وهو أحد المتطوعين في منظمة "بسمة وزيتونة" المعنية بغوث اللاجئين. وبالإضافة إلى بنيته التحتية الهشة للغاية فإن المخيم كان مكتظا حتى قبل بدء الحرب السورية عام 2011. ومنذ ذلك الحين، جاء آلاف آخرون إلى مخيم شاتيلا. وقد تم بناء طوابق إضافية فوق المباني كوسيلة لاستيعاب الوافدين الجدد.
قبل الحرب، كان يعيش 22 ألف لاجئ فلسطيني في مخيم شاتيلا، في مساحة 1.5 كيلو متر مربع، كما يوضح عماد رعد. ومنذ ذلك الحين، وصل 17 ألف لاجئ جديد إلى المخيم.
إيجاد مأوى للعائلات الجديدة
"كانت العائلات تصل في الليل ولم يكن لديها مكان تذهب إليه"، كما يتذكر عماد رعد. "لم تكن هذه العائلات تمتلك أي شيء، ولم تكن المساعدات متوفرة". منذ وقت طويل كان عماد رعد المقيم في شاتيلا من بين المتطوعين الأوائل الذين واجهوا الأزمة، حاشداً أصدقاءه وجيرانه من أجل مساعدة اللاجئين الجدد، كما يقول: "كنا نتجول في المخيم في ساعات الصباح الباكر من أجل إيجاد مأوى للاجئين الجدد، وكنا نطرق الأبواب لنسأل عما إذا كان هناك مكان لإيوائهم". بالإضافة إلى ذلك، ساعد عماد رعد في إيجاد الضروريات، مثل الأواني وتجهيزات المطابخ والوسائد، وانضم إلى جهوده الكثيرون من سكان مخيم شاتيلا.
في بداية عام 2012، لم تكن هناك منظمات إغاثية حاضرة في شاتيلا، وفي العام نفسه 2012 تأسست منظمة "بسمة وزيتونة"، وكرست نفسها مع السكان مثل عماد رعد لخدمة اللاجئين السوريين على أرض الواقع في لبنان. وتبعتها منظمات أخرى غير حكومية محلية ودولية أنشأت لها مكاتب في المخيم، بما فيها: منظمة النجدة، ومنظمة بيت الأطفال ومنظمة الصمود ومنظمة المساعدات الشعبية النرويجية ومنظمة أطباء بلا حدود.
لقد وضعت السنوات الماضية مخيم شاتيلا على محك الاختبار، في ظل تفاقم الصعوبات المعيشية. "الفلسطينيون الذين عاشوا هنا كل حياتهم يعرفون الكفاح في متاعب الحياة"، لكن "السوريين كانوا ميسوري الحال قبل الحرب ولم يكونوا متعودين على ذلك."
إضافةً إلى ذلك، تشكل الملاجئ والشوارع الرطبة والمجاري المفتوحة تهديدا للأوضاع الصحية والبيئية. كما أن الحصول على الخدمات الطبية والتعليم أمر صعب، ناهيك عن العثور على عمل، وذلك لأن القانون اللبناني لا يسمح حتى للسكان المولودين في مخيم شاتيلا بالحصول على وظيفة في لبنان. وهذا يدفع الكثير من اللاجئين السوريين إلى التسول في شوارع بيروت، ويجعل الأطفال الصغار يحاولون بيع الزهور والعمل في تلميع أحذية المشاة.
حلم أوروبا
ورغم ذلك فإن الاندماج مرئي للعيان في مخيم شاتيلا، فقد فتحت عائلات سورية متاجر لبيع الخضراوات والفاكهة والمواد الغذائية، كطريقة لكسب لقمة العيش. ومع ذلك، تكاد فرص العثور على عمل تكون معدومة خارج المخيم. و"ما زال حلم الذهاب إلى أوروبا يساور الكثيرين"، كما يقول شاب فلسطيني- سوري جاء في عام 2013 مع والديه إلى لبنان. و"حتى لو كانت الرحلة خطيرة وحتى لو كانت القوانين والأنظمة في أوروبا معقدة فإن الأشخاص الذين فروا من الحرب وليس لديهم آفاق مستقبلية هنا في لبنان يفضلون بالأحرى اختيار المجازفة" والذهاب إلى أوروبا.
غادرت عائلات كثيرة مخيم شاتيلا إلى أوروبا، كما يؤكد عماد رعد. وقد واصل نحو 6000 شخص -ممن جاؤوا منذ عام 2011 إلى المخيم- رحلتهم باتجاه أوروبا إلى مستقبل مجهول، إذ يوجد "مهربون يقدمون خدماتهم في شاتيلا"، كما يقول عماد. لكنّ دَفْع عدة آلاف من الدولارات -للحصول على فرصة مستقبلية ممكنة في بلد جديد- هو خيار بعيد عن متناول الكثيرين. في حين يأمل آخرون في العودة يوما ما إلى سوريا ولذلك يختارون البقاء في مخيم شاتيلا، فهم يريدون البقاء في أقرب مكان ممكن من بلدهم سوريا.
تم تأسس مخيم شاتيلا في عام 1949 من قِبَل اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أجل إيواء اللاجئين الفلسطينيين الذين طُردوا من بلادهم، وما زال المخيم متروكاً يحكم نفسه بنفسه حتى الآن. وقد شهد المخيم إراقة للدماء وحالات عنف، وكان مسرحا لمذبحة عام 1982 الوحشية التي قُتِلَ خلالها 3500 شخصا من سكان المخيم على أيدي ميليشيا الكتائب اللبنانية. وتتحكم فصائل فلسطينية مختلفة في أجزاء من المخيم اليوم. ويجلس شبان مسلحون ببنادقهم على بعد بضعة أقدام عن ساحة المخيم الرئيسية تعلوهم أعلام انتماءاتهم وصور قياداتهم السياسية.
في حين أن الدولة اللبنانية غارقة في حالة من النسيان، فهي لا تحكم داخل المخيم، مستمرةً في إهمال البنية التحتية المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين.
إشكالية الالتحاق بالمدارس
عملت وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط "الأونروا" على إنشاء برامج تعليمية، فضلا عن خدمات للرعاية الصحية وبرامج للبنى التحتية للفلسطينيين في لبنان، بما في ذلك في مخيم شاتيلا. لكن مشاكل البنية التحتية ونقص الخدمات الاجتماعية متفشية، إضافةً إلى الفراغ القانوني الذي يواجهه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان. كما أن "المساعدة الدولية كانت غائبة عنهم غالباً"، كما يقول عماد رعد. ولم يكن الافتقار للخدمات الطبية والتعليمية إلا مرآة للظروف القاسية والصعبة التي عانى منها الكثيرون منهم، إذ "لم يكن هناك تعليم ولم تتلقَّ النساء الحوامل أي مساعدة طبية قبل وصول منظمة أطباء بلا حدود" إلى المخيم.
ووفقا لوكالة غوث اللاجئين "الأونروا"، يوجد 450 لاجئ فلسطيني مسجلين في لبنان، مشكِّلين عشرة في المئة من مجموع السكان. ويعيش أكثر من نصف عددهم في 12 مخيما للاجئين، أكبرها مخيم شاتيلا من حيث عدد السكان. ووفقا لمفوضية اللاجئين الأممية، فإن عددا يتراوح بين 350 ألف و500 ألف طفل لاجئ غير ملتحقين بالمدارس، في حين تمد البرامج -الممولة من قِبَل المساعدات الدولية- يدها للأطفال السوريين في المدارس اللبنانية. وقد قدمت السلطات اللبنانية فترات دوام مدرسية ثانية بحيث يتمكن الأطفال اللاجئون من المشاركة في دروس ما بعد الظهر، كما تم توظيف مئات المعلمين الجدد وتمويلهم من قِبَل المِنَح الدولية.
تهميش اللاجئين الفلسطينيين
ومع ذلك، فقد بقي أطفال كثيرون خارج المدرسة لسنوات، وهم يواجهون متاعب نفسية جراء تجارب الحرب والتكيف مع البيئة الجديدة. كما أن مجرد التمكن من الالتحاق بالمدرسة يشكل تحدياً أيضا. فـ"الكثير من العائلات في مخيم شاتيلا لم يكن لديهن ما يكفي من المال لدفع أجرة الحافلة إلى المدرسة"، وفق ما يقول عماد رعد، كما أنه من الخطر ترك الأطفال يمشون وحدهم في الشوارع خارج المخيم.
ما زال سكان مخيم شاتيلا مهمشين من دون وضع قانوني في لبنان، ورغم أن الهجرة إلى لبنان مستمرة منذ عقود، يبقى اللاجئون على هامش الحياة الاجتماعية والسياسية في البلاد،| فمن غير المسموح لهم بالتملك، كما أنهم ممنوعون من العمل في ما يصل إلى 20 مهنة.
وفي حين تُعتَبر أزمة اللجوء الناجمة عن الحرب السورية إحدى القضايا الرئيسية المقلقة للمجتمع اللبناني، تبقى الأحوال في مخيم شاتيلا تذكيرا بوضع هش جدا، يحيط به خليط من الإهمال والحمل الزائد عن الحد والتحديات المتعلقة في دمج اللاجئين الجدد منذ فترة طويلة في لبنان.
شارلوته هاوسوڤِدِل / (ع.م)