مخاوف من التطورات الدموية ومصر لن تعود لسابق عهدها
٢ فبراير ٢٠١١دويتشه فيله: سيد عمر قناوي، بعد التنازلات التي قدمها الرئيس المصري حسني مبارك في خطابه الأخير، وإعلانه عدم الترشح لولاية رئاسية جديدة وإجراء تعديلات دستورية، لا تزال أطياف المعارضة والمحتجون في الشارع يرفضون تصديق هذه الوعود. ما اسباب ذلك؟
عمر قناوي: هناك عدة أسباب: السبب الأول هو خبرتنا السلبية وتاريخنا الطويل مع حسني مبارك، فهو عوّدنا دائماً على الالتفاف على مطالب الجماهير. لا توجد أي ضمانة يمكن أن تؤكد لنا أن حسني مبارك سيرحل بعد مرور هذه الفترة الانتقالية. ولا نضمن ما الذي سيفعله بالتعديلات الدستورية، ولا نضمن أي شيء، لأن خبرتنا مع هذا النظام سلبية للغاية. فالشباب الذي اعتصم لأيام متواصلة في ميدان التحرير حقق تقريباً المطالب التي أرادها ما عدا مطلب واحد، وهو رحيل الرئيس مبارك عن السلطة بشكل واضح، بمعنى أننا كنا نحقق المكاسب كل يوم، فقد تمكنا من الضغط على النظام لحلّ الحكومة، وأطحنا بوزير الداخلية حبيب العادلي، وأجبرناه (حسني مبارك) فعلاً على القول بأنه لن يرشح نفسه لفترة رئاسية جديدة. فعملياً أجبر الضغط المتواصل النظام على تقديم تنازلات، وفي هذه الحالة فإن الشباب المعتصم في الميدان مقتنع تماماً أنه إذا كان الضغط هو الذي أتى بالمطالب التي كنا نطالب بها منذ 30 سنة، فسنستمر بالضغط.
تشهد العاصمة المصرية اليوم مسيرات مؤيدة لبقاء الرئيس مبارك، انتهت باشتباكات مع المتظاهرين المعارضين للرئيس. يضاف إلى ذلك أن الأعداد المتواجدة في ميدان التحرير بالقاهرة أقل مما كانت عليه أمس. ما هي رؤيتكم لهذا التطور في الأحداث؟
للأسف إن هذا الموضوع بدأ بأخذ أبعاد خطيرة، فنحن نخشى من اعتداء دموي على المعتصمين في الميدان (ميدان التحرير). لقد تم اكتشاف عدد كبير جداً ممن دخلوا الميدان بهدف التخريب على المتظاهرين، وتم العثور على أسلحة بيضاء في جيوبهم. هذا تطور خطير، والجيش طالب المتظاهرين اليوم بالعودة إلى منازلهم. والوضع مقلق للغاية في مصر، ونحن ندعو إلى جمعة غضب يوم الجمعة القادم، نأمل أن تكون جمعة الرحيل، لكننا نخشى من اعتداءات دموية على المشاركين.
هناك من يتحدث عن انقسام في معسكر المطالبين برحيل مبارك، وأن هناك فريقاً راض عما تم تحقيقه حتى الآن من نتائج، ويرغب في عودة الأمور إلى طبيعتها. ما هي صحة هذه الأخبار؟
لا نستطيع القول بأن هناك انقسام، بل هو اختلاف في الموقف. هناك وجهة نظر ترى بأننا حققنا بالفعل كل المطالب التي رفعناها، وهذا صحيح من الناحية السياسية، فنحن (أسقطنا) فكرة مشروع التوريث، وأصبح من الواضح أن جمال مبارك لن يحكم البلد، وبالتالي نحن أسقطنا كل مخططات النظام للاستمرار في السلطة. وأجبرناه (حسني مبارك) على تعيين نائب له، وهو الأمر الذي ناضلنا من أجله طيلة 30 عاما، وأجبرناه على إجراء تعديلات دستورية، وأطحنا بمجموعة رجال الأعمال الحكومة، التي كان لها دور كبير في الفساد والفقر، وبالتالي فنحن عملياً حققنا كل المطالب. هذه وجهة نظر الكثيرين ممن يقولون فلننسحب الآن ونرى ماذا سيفعل النظام في الخطوات القادمة، فهل يستجيب النظام ويقوم بتعديلات دستورية صحيحة تلبي مطالب الشعب، وإذا لم تتم هذه التعديلات بشكل سليم فنحن بالملايين ونستطيع أن نخرج إلى الشارع مجدداً وفي أي وقت، ونستطيع أن ندعو في أي وقت لمسيرة مليونية. لكن هناك وجهة نظر أخرى تقول إننا سنستمر في الضغط والاعتصام غداً وبعد غد وحتى الجمعة وما بعد الجمعة، وهذه وجهة نظر أيضاً تلقى رواجاً كبيراً، ولكن كل الخوف أن تتم اعتداءات دموية في الساعات القادمة وستكون لها انعكاسات خطيرة.
وماذا عن قوى المعارضة؟ ما هو دورها، ومن يمكنه التفاوض مع الرئيس مبارك أو نائبه عمر سليمان باسم الشارع؟
إذا ذهبت هذه الحركات السياسية للتفاوض فستجد نفسها في موقف ضعيف جدا، وهي أصلاًُ تعيش دون رصيد شعبي، إذا كان الحديث هنا عن الأحزاب التقليدية، كحزب الوفد والتجمع والناصري. الكل يعلم أنها أحزب بلا رصيد، وإذا ذهبت للتفاوض مع النظام، فلن يفيدها الأمر شيئاً، فهي لا تمثل الشارع. لكم من يستطيع حقيقة أن يتفاوض باسم الشارع وقد يجد قبولاً هو محمد البرادعي، و(جماعة) الأخوان المسلمون، لكن الأحزاب التقليدية تتحدث مع نفسها ، كما أن النظام لم يقدم لها أي شيء أصلاً. الإخوان المسلمون حركة قوية وفاعلة ومؤثرة، ولعبت دوراً معقولاً في هذه الاحتجاجات. لا نعلم كيف يفكرون ولا أتحدث باسمهم. لكن أطراف اللعبة في مصر أصبحت متعددة، فالجيش طرف فاعل، ومؤسسة الرئاسة، والشباب المعتصم، والأحزاب الموجودة، والضغط الدولي. إضافة إلى ذلك هناك الجوع أو حالة التجويع التي يتم من خلالها محاصرة الشعب المصري، سيكون لكل هؤلاء الكلمة في دعم صمود الصامدين، أو ستشقّ هذا الصف الوطني المتلاحم. وإذا كان الأمر كذلك فللأسف سيتم تحميل المستمرين في الاعتصام المسؤولية. ومن هنا فإن كثيرين يقولون فلنفضّ هذا الاعتصام ويكفي ما حققناه من مكاسب، ونحن لا نقدر أن نزايد على الناس وأن نضغط عليهم. فالناس من حقهم أن يمارسوا حياتهم الطبيعية وأن يبحثوا عن لقمة العيش.
على ضوء هذه الرؤية من تعتقدون أنه المرشح الأقوى لقيادة مرحلة ما بعد مبارك؟
في تقديري الشخصي الذي قد يكون المرشح الأقوى سيكون من المؤسسة العسكرية أو السيد محمد البرادعي، فهو قادر على أن يجمع كل الأطراف حوله. وذلك إذا واجه الموقف بقوة وكان واثقا من أن الملايين خلفه. إن نموذج مثل محمد البرادعي، من وجهة نظري الشخصية، قادر على إدارة الأزمة في هذه الفترة الحساسة.
وما هو رأيكم بالموقف الدولي الذي يؤيد مطالب المتظاهرين لكن يطالب في نفس الوقت بالحفاظ على الاستقرار؟
هذه من الأشياء التي تعطينا الثقة بقدرتنا على الإطاحة بنظام مبارك. كل الذي نأمله أن تدرك هذه الأطراف الدولية أننا قد نتعرض أثناء الأيام أو الساعات القادمة لمعركة دموية، ونأمل منهم ومن كل الشعوب والأنظمة الدولية الحرة أن تقف بجانب الشعب المصري.
وأخيراً، كيف تقيّمون ما تمر به مصر الآن عموماً؟
مصر تبدأ مرحلة جديدة. ولن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه، ونستطيع أن نقول بثقة شديدة إن مصر اليوم تتوقع أن تصبح وطناً حراً حقيقياً، ولن يتمكن أحد من قمع الشعب المصري كما كان الوضع في السابق، فنحن حققنا مكاسب بأيدينا، دون أن تكون مفروضة من أحد، ولم تأت بمطالبات أمريكية ولا بضغوط خارجية، حققناها بدماء المئات الذين استشهدوا والآلاف الذين قضوا ليالي في الشوارع. كل هذه المكاسب لن يتم التراجع عنها، ونأمل أن يتحلى النظام بالحكمة وأن لا يصل بالوضع إلى مرحلة دموية.
أجرى الحوار: ياسر أبو معيلق
مراجعة: يوسف بوفيجلين