مخاوف جزائرية من "عدوى أزواد" تصيب ولايات الجنوب
١٦ فبراير ٢٠١٣بعد أسابيع قليلة من عملية اختطاف رهائن أجانب ومحليين في منشأة "عين أميناس" للغاز الطبيعي في جنوب شرق الجزائر، أبدت الحكومة الجزائرية اهتماماً ملحوظاً لإعطاء "دفعة جديدة للتنمية" في المحافظات الجنوبية للبلاد وإخراجها من حالة التهميش، في مسعى يهدف فيما يبدو إلى "درء مخاطر محتملة" جراء التطورات المتسارعة للأحداث في شمال مالي.
ويرى مراقبون بأن الحكومة الجزائرية تخشى من "عدوى" تمرد قبائل الطوارق في شمال مالي وتداعياتها على مناطق جنوب الجزائر، التي لا تشترك فقط مع شمال مالي في الجغرافيا، بل أيضاً في التداخل البشري والاقتصادي. كما تنتشر في المناطق الممتدة بين دول الساحل والصحراء أعمال وشبكات التهريب وجماعات إسلامية مسلحة.
وتتباين نظرة الخبراء للخطوة الجزائرية، ففيما اعتبرها الكاتب الصحافي الجزائري المقيم في باريس، عثمان تازغارت، في حوار مع DW عربية "استفاقة متأخرة من الحكومة الجزائرية إزاء منطقة عانت تاريخياً التهميش والقمع"، يعتقد بن دحو السنوسي، أستاذ الاقتصاد في كلية العلوم الاقتصادية بجامعة وهران، بأن "اهتمام الحكومة الجزائرية بتلك المناطق ليس جديداً"، وإنما يتم إضفاء "تفسيرات وتأويلات لما تقوم به الحكومة الجزائرية وربطه بسياق الحرب في مالي". وفي حديثه مع DW عربية، أشار بن دحو إلى أن المناطق الجنوبية كانت منذ عقود في صلب اهتمام خطط التنمية في البلاد.
وتشكل الولايات الجنوبية الثلاث (تمنرسات، إليزي، أدرار) حوالي نصف مساحة الجزائر، وتتسم تركيبتها السكانية بتعدد عرقي ولغوي، إذ ينحدر سكان تلك الولايات من أصول بربرية وعربية وأفريقية، إضافة للطوارق. وتتراوح المسافات التي تفصل الولايات الجنوبية عن الجزائر العاصمة بين 1500 إلى ألفي كيلومتر، وتحدها جغرافيا ستة دول، هي شرقاً تونس وليبيا وجنوباً النيجر ومالي وموريتانيا، وصولاً إلى المغرب وإقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه.
هل استفاقت الحكومة الجزائرية متأخرة؟
ويعتقد الخبير الاقتصادي الجزائري بن دحو السنوسي أن "هتمام الحكومة الجزائرية بالمناطق الجنوبية ليس جديداً، إلا أن أحداث مالي تضفي طابعاً خاصاً على هذا الاهتمام"، ويوضح أن مشاريع تنموية عديدة أنجزت في تلك المناطق، مشيراً على الخصوص إلى مشروع نقل المياه مسافة 750 كيلومتراً من عين صالح إلى تمنراست، بتكلفة وصلت إلى ملياري دولار. إضافة إلى ذلك، هناك مشروع طريق الوحدة الأفريقية، الذي يمتد مسافة ثلاثة آلاف كيلومتر من العاصمة الجزائر إلى عيز كزام (جنوب)، والذي أطلق منذ سبعينيات القرن الماضي. لكن "ترامي أطراف المنطقة تجعل تلبية توقعات وحاجات السكان غير ممكنة دفعة واحدة"، كما يقول بن عبو.
أما الكاتب الصحفي عثمان تزغارت، فيرى أن "رد فعل الحكومة الجزائرية، بعد عملية بحجم عملية اختطاف الرهائن في عين أميناس، ينمُ عن استفاقة متأخرة". ويلاحظ تزغارت أن طريقة تفكير نظام الحكم في الجزائر لم تتغير منذ عقود، وتعتمد على أسلوب توزيع الريع على المواطنين لشراء السلم الاجتماعي، "لكن مثل تلك الخطوات تأتي دائماً متأخرة".
"عين أميناس" سلطت الأضواء على مشاكل المنطقة
وبرأي تزغارت، فإن عملية أميناس سلطت الضوء على حقيقة الأوضاع في مناطق جنوب الجزائر، إذ فوجئ المراقبون بأن هذه العملية الإرهابية لم تقتصر على الجماعات الجهادية بزعامة مختار بلمختار، بل كشفت عن مفاجأة، وهي أن الشخص الذي تزعم العملية واسمه لمين لشنب ليس زعيماً إسلامياً ولا جهادياً ولا من فكر القاعدة، بل كان أحد النشطاء في المنطقة الذين أسسوا سنة 2003 جمعية اجتماعية محلية أسموها "جمعية أبناء الجنوب"، وتنادي بتحقيق التنمية والمساواة في تقاسم الثروات بين الأقاليم الجنوبية وباقي مناطق البلاد.
وتعرضت هذه الحركة الاحتجاجية للقمع من قبل السلطات واتهمت عناصرها بالإرهاب بسبب اعتصام نفذوه في مطار جانيت، وهو مطار محلي صغير، وزجت بهم في السجن، إلا أنها أطلقت سراحهم سنة 2008 دون محاكمة. ويشكل هؤلاء نواة صلبة لما أطلق عليه لاحقاً "حركة أبناء الصحراء من أجل العدالة الإسلامية". وتطورت الأمور إلى أن أسسوا علاقات مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي التقط بدوره الفرصة وحاول توظيفهم لتنفيذ عمليته الإرهابية المعروفة في عين أميناس، على غرار أساليب تنظيم القاعدة في أنحاء عديدة من العالم.
وفي رده على مسألة ظهور احتجاجات في المناطق الجنوبية، وانتقادات لمظاهر الفساد وسوء إدارة ثروات البلاد، خصوصاً أن تلك المناطق تعتبر المصدر الرئيسي لإنتاج الطاقة من البترول والغاز، يرى بن دحو أن "الاحتجاجات لا تقتصر على المناطق الجنوبية وليست مميزة لها، بل تحدث في مناطق مختلفة من البلاد"، مشيراً إلى السياق الخاص الذي تمر به منطقة الساحل والصحراء حالياً، مما يعطي تفسيرات لأي أحداث تقع في جنوب الجزائر. ويعتبر الخبير الجزائري أن ما تحقق من مشاريع تنموية في مناطق الجنوب ليس كافياً، وأن هنالك مشاكل قائمة، مثل بطالة الشباب وضعف البنى التحتية والخدمات الصحية والاجتماعية.
سيناريوهات مسألة الطوارق
ويتفق الخبراء بأن حرب مالي وظهور مشكلة الطوارق في منطقة الساحل والصحراء تكشف اليوم عن حقيقة الأوضاع المعقدة في تلك المناطق الصحراوية الشاسعة والإهمال الذي تعرض له سكانها، وهو ما يثير لدى الخبراء مخاوف من تداعيات الأحداث الحالية على مستقبل استقرار وتماسك وحدة دول المنطقة.
ويوجد تفاوت في توقعات الخبراء بالنسبة لتأثيرات الأوضاع على جنوب الجزائر. ويبدو الخبير بن دحو حذراً في توقعاته، إذ يقول إن المناطق الجنوبية للجزائر تظل "قابلة للتأثر بما يجري في جوارها بمالي، بحكم التداخل البشري والجغرافي بين البلدين". لكن تأثر تلك المناطق "قد يكون مصدره أيضاً الجماعات الإرهابية أو مصالح جيواستراتيجية لقوى أو دول لها مصلحة في خلق حالة عدم استقرارفي منطقة الساحل والصحراء".
بينما يرى الكاتب الصحفي عثمان تزغارت أنه "حيثما وجد الإهمال وغابت التنمية وساد التهميش والظلم الاجتماعي والفساد الإداري"، يمكن أن تحصل "عدوى سواء دعوى التطرف ذي الطابع الجهادي أو ذي طابع انفصالي، في الولايات الجنوبية أو حتى في منطقة القبائل شمال البلاد".
وبحسب الكاتب الصحفي الجزائري، فإن معضلة الطوارق والنتائج التي ستفضي إليها حرب مالي والتدخل الفرنسي سترسم إلى حد ما ملامح الوضع أيضاً في جنوب الجزائر، خصوصاً فيما يتعلق بأوضاع الطوارق (داخل الجزائر). مضيفاً أن "الطوارق في حقيقة الأمر مهمشون في أقصى الصحراء، وسكان الجنوب يعانون التمييز والنظرة الدونية". ويتابع تزغارت بالقول إن "الصمت على الجرح التاريخي العميق لدى الطوارق المتفرقين بين دول المنطقة لن يصمد أمام سيناريوهات المستقبل".
ويوضح الكاتب الصحفي الجزائري أن "احتمال قيام دولة أو كيان حكم أو استقلال ذاتي للطوارق في شمال مالي" سيقوّض آمال الطوارق والطموحات الشرعية لمن هم موجودون داخل الجزائر أو في النيجر أو في ليبيا. ويذكر أن محمود قمامة، زعيم أعيان قبائل الطوارق في ولاية تمنراست والنائب في البرلمان الجزائري، قد صرح لصحيفة "الشروق" الجزائرية بأن مقترح دول "الإيكواس" - الدول الأفريقية الناطقة باللغة الفرنسية - المتعلق بمنح الحكم الذاتي لشعب الأزواد في شمال مالي، لا يعني "طوارق" الجزائر، وأن "الجزائر ستبقى موحدة وطوارق تمنراست وأدرار جزائريون لن يتخلوا عن جزائريتهم، ولن يؤثر فيهم المقترح الجديد".
من جهته، يعتقد الخبير بن دحو السنوسي أن نهج نظام اللامركزية في الجزائر وتوسيع مشاركة السكان المحليين في تسيير شؤونهم المحلية والاستفادة من ثروات مناطقهم، يمكن أن يشكل آلية لحل مشكلات التنمية والحكم المحلي، سواء تعلق بمناطق الشمال أو الجنوب.
بينما يرى الكاتب الصحفي عثمان تزغارت أن تطور الأوضاع في جنوب الجزائرسيكون محكوماً من ناحية بنتائج حرب مالي والوضع الذي سيمنح للطوارق في شمال مالي، ومن ناحية ثانية بكيفية تعامل النظام السياسي الجزائري مع المشاكل المطروحة، ويعتقد أن "استمرار وضع النظام على ما هو عليه الآن يعني حدوث انهيار وتفكك أجنحة الحكم المركزي وتصارعها وتضارب مصالح شبكات المصالح المرتبطة به، وما سينتج عنه من حالة فوضى يمكن أن يستغلها سواء المتطرفون الإسلاميون أو الانفصاليون في منطقة القبائل (شمال) أو الطوارق في جنوب البلاد لإقامة كيان خاص بهم".