مخاطر الانتكاسة تهدد الديمقراطية الناشئة في تونس
١٧ مايو ٢٠١٥أمنت تونس انتقالاً ديمقراطياً ناجحاً حتى الآن بعد أربعة سنوات على انتفاضة 2011. إلا أن تواتر الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية وحالة الفوضى الأمنية في المحيط الاقليمي ومخاطر الإرهاب، كلها عوامل تجعل الديمقراطية الناشئة على حبل مشدود وفي حاجة لضمانات قوية ربما تتجاوز قدرات الدولة لضمان نجاح نموذج الانتقال الديمقراطي للسلطة.
ومع أن البلد، الذي قاد انتفاضات الربيع العربي، كان الوحيد الذي نجح في تنظيم انتخابات ديمقراطية ونزيهة وتأمين انتقال سلمي للسلطة، فإن هاجس الخوف من الارتداد لا زال يسيطر على قطاعات هامة من النخب والمعارضة وحتى من هم مشاركون في السلطة.
ديمقراطية تفتقد إلى عنصر الشباب
وعلى العموم، هناك اتفاق بين أغلب الفرقاء السياسيين الذين اعتمدوا الحوار والنقاشات المستفيضة في كل خطوة من مراحل الانتقال الديمقراطي على أن استراتيجية "التوافق" كانت الأداة السحرية في تجنيب البلاد الانزلاق الى الفوضى والحرب الأهلية. ولكن مع تركيز مؤسسات الدولة، فإن السؤال الذي يطرحه السياسيون هو: إلى أي مدى يمكن الاستمرار في هذه الاستراتيجية، وهل يعني ذلك الافتقاد إلى ضمانات فعلية لحماية الديمقراطية الناشئة؟
ويؤكد هذا السؤال ما ذهب إليه برونو كاوفمان رئيس المنتدى العالمي للديمقراطية المباشرة، الذي تحتضنه تونس من 14 حتى 17 من الشهر الجاري، من أنّ التقدم الذي أحرزته تونس يفتح الأبواب أمام فرص جديدة، لكنه يترافق مع أخطار كبيرة.
ولكن في حديثه مع DWعربية يقلل لزهر العكرمي الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان من تلك المخاوف، مشيراً إلى أن الكثير من الضمانات موجودة في تونس لكي تنجح على خلاف ما جرى في دول الربيع العربي، وأن هذه الضمانات موجودة أولاً في الشعب التونسي وفي النخب والأحزاب السياسية والمجتمع المدني.
ويوضح العكرمي "مثلاً الكل يلعب دور المعارضة في البرلمان والكثير من نواب الائتلاف الحاكم ومن حزب نداء تونس، الذي يقود السلطة، لا يصوتون على مشاريع قوانين الحكومة. والانتخابات والتداول السلمي على السلطة أصبحا شبه عادة في تونس. والآن يجري تركيز المؤسسات الدستورية وإصدار القوانين الديمقراطية".
مع ذلك فإن شكوكاً ترافق عملية البناء الديمقراطي في ظل غياب واضح لشريحة هامة من مكونات المجتمع المدني، وهم الشباب الذين قاطعوا انتخابات 2014 ولا يتواجدون في مراكز القرار، فضلاً عن أن أنشطتهم محدودة داخل المجتمع المدني المعني بالانتقال السياسي.
ويفسر صلاح الدين الجورشي، وهو محلل سياسي وناشط في المجتمع المدني وكان رئيساً للمجلس التأسيسي الموزاي لفترة ما بعد الثورة، أن النخب السياسية لم تنجح في إقناع جزء هام من الشباب، وهم الفئة العمرية الطاغية في تونس، من أجل المشاركة في الانتقال الديمقراطي. ويعترف الجورشي في حديثه مع DW عربية قائلاً "لا يمكن بناء ديمقراطية ونضمن لها الاستمرارية دون حد أدنى من مشاركة كافة الفئات الاجتماعية وفي مقدمتها الشباب والنساء".
مخاطر الاقتصاد والإرهاب
ولكن هناك وعي أيضاً لدى الحكومة وحتى المجتمع المدني بأن الإنجازات السياسية ومفاهيم الحكم التشاركي والديمقراطية المباشرة وحدها ليست كافية لوضع تونس على بر الأمان. وما لم يكن ذلك مترافقاً مع الاقلإع الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة وتعميم التنمية وفرص العمل في الجهات الداخلية الفقيرة، التي تعرف نسب بطالة تقترب من 50 بالمئة، فإن خطر الانتكاسة يظل قائماً.
ويشير الجورشي إلى أن حالة الريبة تستند إلى أن "تونس لا تزال في مرحلة التأسيس وهي مرحلة تتسم بالهشاشة والغموض واحتداد التناقضات بين الفئات الاجتماعية، وهي تناقضات ذات طابع ثقافي واجتماعي واقتصادي".
لكن مع ذلك تظل تونس بحسب الخبير نموذجاً يحتذى به لأنها بالمقارنة مع دول أخرى في المنطقة العربية نجحت في الصمود أمام المخاطر الداخلية ومخاطر المحيط الإقليمي، الذي يشهد حالة فوضى ويفرض ضغوطاً مضاعفة على تونس كي تنجح وتشكل استثناءً. ولعل أكبر التحديات لأن تصمد وتمضي قدماً في ترسيخ مؤسساتها الجديدة، هو أن تكسب حربها المعقدة ضد الارهاب.
ويقول الجورشي "إن خطورة الارهاب تكمن في أنه يعطل حالة الانتقال الديمقراطي ويخلق حالة من الإرباك ويستنزف الثروات ويخيف المواطنين".
تونس تحتاج إلى دعم ألمانيا والعالم
ولا تبدو تونس قادرة لوحدها على كسب هذه الحرب ومواجهة باقي التحديات إذا لم تكن هناك مساعدات فعلية من المجتمع الدولي لإنعاش اقتصادها المتعثر ودعم جيشها بالتجهيزات والعتاد.
وتقف ألمانيا من بين الدول الداعمة بقوة للانتقال الديمقراطي في تونس عبر دعم منظمات المجتمع المدني ودعم مشاريع البنية التحتية والاجتماعية وتمويل الأنشطة الثقافية عبر مؤسساتها في تونس مثل أكاديمية "دويتشه فيله" ومؤسستي "فريدريش إيبرت" و"كونراد أديناور".
وتعد ألمانيا المستثمر الأوروبي الثاني في تونس بعد فرنسا، حيث تستأثر بنسبة 11 بالمئة من مجمل الاستثمارات في البلاد كما تعمل 274 شركة ألمانية في تونس باستثمارات قدرها 568 مليون دينار تونسي توفر حوالي 50 ألف وظيفة. وألمانيا كذلك من الأسواق السياحية والتقليدية المهمة لتونس (أكثر من 400 ألف سائح في 2014).
ويشير الجامعي الألماني كلاوس هوفمان من جامعة فوبرتال، وهو خبير في القوانين الانتخابية والديمقراطية التشاركية، إلى أن ألمانيا، التي رسخت ديمقراطيتها بعد الحرب العالمية الثانية وأمنت استقرارها وتطويرها، تسعى الى مشاركة تجربتها الناجحة مع دول أخرى ومن بينها تونس.
ويوضح هوفمان في حديثه لـDW عربية قائلاً "التجربة في مصر يبدو أنها فشلت إلى حد ما، لكن تونس مختلفة عن بقية دول الربيع العربي. لذلك من المهم جداً، رغم كل الظروف، العمل على كسب هذا التحدي وإنجاح النموذج التونسي".
وبحسب الخبير الألماني، فإنه من المهم أن يكون هناك تعاون أوثق على الصعيد الاقتصادي بين تونس وألمانيا. كما يتعين الانطلاق أولاً في توفير فرص العمل وضمان حياة كريمة للمواطنين، ثم تأتي في المرحلة الثانية المشاركة في المسار الديمقراطي. ولكن هوفمان يشدد في المقابل على أنه "كلما كان الشعب غير راض عن حكومته كلما تعثر مسار الديمقراطية".
وفي الواقع، فإن الحكومات المتعاقبة في تونس منذ 2011 لا تبدي رضاها عن حجم التعاون والدعم الدولي لها قياساً بالكلفة الهائلة التي تتطلبها مراحل الانتقال ديمقراطي ومحدودية مواردها في مقابل تصاعد حربها ضد الإرهاب.
ويعلق صلاح الدين الجورشي على ذلك قائلاً "هناك وعي لدى الدول الغربية بأن تونس تحتاج إلى دعم وليس وصاية أو حماية، ولكن مشكلة هذه الدول أنها لم تصل إلى مستوى الاستعداد لتقديم مساعدات جدية لتونس. هناك مساعدة أمنية، لكن الأمن وحده لا يؤمن الانتقال الديمقراطي". وأضاف الجورشي "أوروبا في حاجة إلى أن تراجع علاقتها بتونس كبلد يشق طريقه الى ديمقراطية ناجحة".