محمد صلاح.. "ابننا" الذي أصبح مصدر إلهام للمصريين
٢٨ مايو ٢٠١٨أصبح لاعب كرة القدم المصري محمد صلاح حديث الساعة في كل مكان، بعد التدخل الخشن من لاعب ريال مدريد سيرجيو راموس وإصابة صلاح في كتفه، التي خشى معها المصريون أن تمنعه من اللحاق بمنتخب الفراعنة في كأس العالم حيث تأهلت مصر بفضل صلاح ورفاقه بعد عقود من الغياب.
وحظي العديد من لاعبي كرة القدم في مصر بالكثير من التقدير، ليس فقط لمهاراتهم في المستطيل الأخضر وإنما أيضاً لمسار حياتهم، لعل أبرزهم محمود الخطيب وطه إسماعيل من جيل اللاعبين القدامى، وحالياً محمد أبو تريكة ومحمد صلاح.
"متلازمة" محمد صلاح
لم تشهد مصر منذ فترة احتشاداً حول هدف أو فكرة إلا مرات معدودة، منها انتفاضة الخبز في السبعينات وثورة يناير 2011، ومؤخراً عاد المصريون للاصطفاف مجدداً لكن هذه المرة خلف محمد صلاح. وأصبح تعلق المصريين الشديد باللاعب والاهتمام بمسيرته ومساندته بشكل غير عادي أمرا جديرا بالملاحظة.
فبعد إصابته، تآزر المصريون على شبكات التواصل الاجتماعي وصبوا جام غضبهم على راموس، لأنه وبرأيهم، حرمهم من مشاهدة لاعبهم وهو يتألق في نهائي دوري أبطال أوروبا ووصل الأمر إلى جمع توقيعات تطالب الفيفا بمعاقبته. وخلال أزمته مع اتحاد الكرة المصري وإحدى شركات الإعلانات، بعد أن تم استغلال صورته في الدعاية للمنتخب دون موافقته، وبمجرد أن أشار إلى ضيقه من الأمر واعتراضه على أسلوب التعامل معه، انفجرت مواقع التواصل الاجتماعي بآلاف التغريدات المساندة له ما مثل ضغطاً هائلاً على الاتحاد والشركة دفعهما لرفع صورة صلاح من اللافتات الإعلانية.
الكاتب الصحفي وخبير الاجتماع السياسي عمار علي حسن، وخلال مقابلة مع DW عربية، يرى أن سبب التفاف المصريين حول محمد صلاح بهذا الشكل هو أن اللاعب أصبح يمثل لهم الإجابة عن السؤال الكبير الذي يسألونه لأنفسهم طيلة الوقت: ما الذي ينقصنا حتى نبدع ونتقدم ونصبح جزءاً معترفاً به في هذا العالم؟
ويضيف الباحث بأن "صلاح، الذي كاد أن ينتهي مستقبله قبل أن يبدأ عقب رفض الزمالك ضمه في بداية مشواره، انتقل إلى منظومة تقدر إمكانيات الفرد وتؤمن بمبدأ الاستحقاق والجدارة وتتسم بالعدالة إلى حد كبير في تقدير المواهب وتنحي مسائل الطبقة أو العرق أو الدين جانباً لأن مصلحة المؤسسة تقتضي ذلك"، ما سمح للاعب بأن يبدع وهو في ذلك أكد على الخبرة المصرية المستمرة منذ عام 1952 وحتى الآن، "أي إبداع المصريين حين يلتحقون بمنظومات عمل منضبطة خارج مصر".
محارب الإسلاموفوبيا
لا يخفى على أحد الأثر الإيجابي الذي تركه محمد صلاح في نفوس الكثير من الأوروبيين. ويرى الدكتور عمار علي حسن أن صلاح "أصبح الرد النموذجي على الصورة النمطية المغلوطة في الغرب عن العربي والمسلم". فمحمد صلاح من "خلال حرصه على تدينه الوسطي وقدرته على التكيف مع المجتمع الأوروبي أكد قدرة العربي المسلم على التكيف مع هذه الثقافة وأن بإمكانه العطاء والمساهمة والإبداع في مجتمعه الجديد فيما هو يحمل ثقافة إنسانية مختلفة".
فعلها "ابننا" صلاح.. فلماذا لا يمكننا أن نفعلها نحن؟
بعد إجراء الفحوص الطبية عقب إصابته غرد محمد صلاح:
"كانت ليلة صعبة للغاية ، لكني مقاتل. ورغم الصعاب فأنا على ثقة بأني سأكون في روسيا لأجعلكم تشعرون بالفخر. حبكم ومساندتكم تعطياني القوة التي احتاج إليها".
تغريدة صلاح أكدت صورته في أذهان المصريين: شاب مصري بسيط خرج من بينهم ويسعى خلف حلمه بأقصى قوة ممكنة لا يقف في طريقه شيء. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يدلل فيها صلاح على صلابته، فكلنا نتذكر هدف الكونغو في مرمى مصر في تصفيات كأس العالم وملامح الحزن والغضب التي ارتسمت على وجه صلاح ثم قيامه وصراخه في زملائه وتشجعيهم حتى أحرز الهدف الذي صعد بمنتخب بلاده لنهائيات كأس العالم.
<iframe width="560" height="315" src="https://www.youtube.com/embed/1j6Ixhb1SDs" frameborder="0" allow="autoplay; encrypted-media" allowfullscreen></iframe>
تجربة محمد صلاح، الذي نشأ في قرية صغيرة في الدلتا لأسرة رقيقة الحال، تجعل ملايين الشباب المصري يرى أن الأمر ليس بالمستحيل وأن هناك أملا في أن تعدل أوضاعهم يوماً ما. فإن كان "ابننا" صلاح استطاع أن يفعل ذلك بمجهوده الفردي وتصميمه وإصراره، إذن فالحلم ليس بالمستحيل أبداً. أما الكبار فيرونه ابنهم الذي يتمنون أن يحقق ما لم يستطيعوا هم تحقيقه في شبابهم بخلاف فخرهم ببلدهم التي أنجبت مثل هذه الموهبة.
تعزيز أحلام الهجرة
يعزو الكثير من المصريين نجاح محمد صلاح إلى خروجه من مصر ودخوله منظومة عمل الأندية الأوروبية. ويقول الدكتور عمار علي حسن، الخبير في الاجتماع السياسي، إن نجاح محمد صلاح في الخارج رسخ مسألة الهجرة في أذهان شباب المصريين وزاد اعتقادهم بفكرة "لن ننجح ونحقق أحلامنا طالما بقينا في مصر". وبذلك أصبح صلاح الصورة المكبرة لقصص نجاح صغيرة لشباب مصريين سافروا إلى أوروبا واستطاعوا أن يحققوا نجاحاً في قطاعات مختلفة.
ولأنه لاعب كرة قدم، وهي اللعبة الأكثر شعبية، أصبحت قصة نجاحه أكثر إغراء وانتشاراً وعززت من فكرة النجاح خارج مصر، وهذا ما حدث مع أحمد زويل في العلم وإيهاب حسن في النقد الأدبي فكلها قصص نجاح متكررة في مجالات مختلفة؛ الفارق الوحيد مع محمد صلاح هو أنه لاعب كرة قدم ما جعل قصة نجاحه تنتشر بشكل أكبر وأوسع.
على أن الدكتور عمار علي حسن يرى أن الأمر خطير، فحلم نسبة كبيرة من الشباب بالخروج من مصر يهدد بنزيف مستمر لا يتوقف للعقول والخبرات والمهارات. "وما لم تنجح الدولة المصرية في توفير السياق الذي يفجر الطاقات الإبداعية عند الشباب فهذا معناه أنها تخسر أفضل عقولها" لاعتقاد الشباب بأن الدولة توصد الأبواب أمامهم أو لشعورهم بأن لا أفق للمستقبل في مصر فيفكرون في الهجرة في ريعان شبابهم. وقصة نجاح محمد صلاح زادت من هذا الإغراء في عقول الشباب وأصبح الأمر أكبر من مجرد كرة قدم.
لم يَحُم حول حمى السياسة.. فلم يقع فيها
على أن واحدة من أهم عوامل نجاح محمد صلاح والتفاف الناس من حوله هو حرصه على البقاء بعيداً عن الساحة السياسية وفق ما رأى الدكتور عمار علي حسن خلال مقابلته مع DW عربية. ويضيف بأن صلاح "حرص نتيجة التزامه بالعقود التي يوقعها مع الجهات المختلفة من أندية ورعاة إعلاميين على ألا يتم استخدامه في لعبة السلطة لتبرير شرعيتها أو لتلميع صورتها وحرص على تجنب هذه المسألة".
ويتابع عمار علي حسن قائلا إن صلاح نجح في هذا المسعى حتى وعزز من ذلك مشاركته في الأعمال الخيرية، وهو ما لم ينجح فيه لاعبون آخرون تم استخدامهم، "فأبو تريكة وهو لاعب فذ وعظيم في تاريخ الكرة المصرية تم استخدامه مبكراً من مجموعة أمانة السياسات وجمال مبارك ثم استخدمه تنظيم الإخوان فيما بعد ما جعله مجروحاً سياسياً لكن محمد صلاح حرص على ألا يقع في هذا الخطأ وأن يبقى بعيداً عن هذه الدائرة حتى الآن".
ويعتقد خبير علم الاجتماع السياسي بأن "هذا هو السبب الرئيس الذي أوجد إجماعاً على اللاعب المصري الشاب من أنصار النظام ومن معارضيه ومن كافة المذاهب والأديان حتى إن دوائر الاهتمام به تعدت مصر. أما أبو تريكة فقد دخل في إشكالية لأنهوُظف سياسيا مرة بغير إرادته ومرة بإرادته ما جعله يُستنزف في الصراع السياسي".
ع.ع.س