محطات الوصول إلى الوحدة الالمانية
لم يكن انهيار جمورية المانيا الشرقية وتوحيد المانيا عام 1990 ممكنا دون التحولات السياسية الجذرية في الاتحاد السوفيتي السابق والتي اخذت بوادرها تظهر منذ منتصف الثمانينيات. فمن اجل انقاذ الامبراطورية السوفيتية من التفتت والإنهيار شرع ميخائيل غورباتشوف، الرئيس السوفيتي الجديد وزعيم الحزب الشيوعي الحاكم آنذاك باجراء اصلاحات سياسية شاملة في البلاد. ومن اهم التغيرات الايدولوجية في هذه المرحلة هو تخلي الاتحاد السوفيتي عن موقع السيد الآمر والناهي في حلف وارسو واتجاهه نحو اقامة علاقات طيبة وتعاون اقتصادي اقوى مع اعداء الامس في حلف شمال الاطلسي.
بهذه السياسة يكون الزعيم الجديد للكرملين قد مهد الطريق تدريجيا امام ارساء مبادئ واسس الديمقراطية في دول اوروبا الشرقية. وكانت كل من هنغاريا وبولندا سباقة في الإنفتاح على الغرب ، ففي أيار/مايو 1989 اخذت هنغاريا باحداث ثقب في الستار الحديدي الذي فرضه الاتحاد السوفيتي وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني فتحت هنغاريا حدودها بالكامل مع الغرب مما مكن عددا كبيرا من الالمان الشرقيين في صيف عام 1989 من الهرب عبرها واللجوء الى المانيا الغربية.
مظاهرات لا يبزغ الشهيرة
وفي الوقت الذي زادت فيه اعداد الهاربين من المانيا الشرقية الى الغربية نمت حركة معارضة منظمة داخل المانيا الشرقية. فلأول مرة يخرج الناشطون في مجال حقوق الانسان الى الشارع ويعلنوا عن مطالبهم الاصلاحية على الملأ كما كان الحال في مظاهرات الإثنين الشهيرة في مدينة لايبزغ التي خرجت تحت شعار "نحن الشعب".
وقد أوضحت المظاهرات الضخمة ضد النظام الشيوعي في الفترة التي كان يحتفل فيها هذا النظام بالذكرى الأربعين لتأسيس المانيا الشرقية رفض الالمان الشرقيين لهذا الحزب ولسياساته وان الوحدة مع الجزء الغربي اصبحت امر لا يمكن التنازل عنه . وقد اضطرت هذه التطورات ايريش هونيكر الامين العام للحزب الحاكم ورئيس الدولة لتقديم استقالته في 18 أكتوبر/ تشرين الأول، ممهدا الطريق امام تفتت الحزب وانحسار قدرته على ضبط الامور، الا ان خليفته على سدة الحكم ايغون كرينتس حاول ضبط الامور واعادة هيبة الحزب وسلطته وتأثيره، ولكنه سرعان ما ايقن بانه يجذف عكس التيار مما اضطر المكتب السياسي للحزب الى تقديم استقالة جماعية في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 1989.
انهيار النظام الشيوعي وإعلان وحدة الالمانيتين
في اليوم التالي من استقالة الحزب وفتح الحدود بين شطري المانيا اصبح امر تحقيق الوحدة الألمانية في متناول اليد. وبالرغم من محاولة بعض المثقفين المشهورين في المانيا الشرقية تسويق فكرة القيام باصلاحات جذرية في طبيعة وآلية الحكم كبديل عن الوحدة التي تعني حسب رأيهم الذوبان كاملا في المجتمع الالماني الغربي وضياع خصوصية الهوية الشرقية، اظهرت غالبية مواطني المانيا الشرقية تفضيلها الوحدة باسرع وقت ممكن.
وقد انعكس هذا الموقف من خلال تصويت الغالبية لصالح حزب "الإتحاد من اجل المانيا" الذي دخل الانتخابات تحت شعار الوحدة الشاملة. وفور تولي الحكومة الجديدة برئاسة لوثار دي ميزيير مهامها شرعت في التفاوض مع حكومة المانيا الغربية بشأن تهيئة الأرضية الملائمة لتوحيد الالمانيتين. وكانت اولى خطوات ذلك هو توقيع اتفاق بشان الوحدة الاقتصادية والنقدية والضمان الاجتماعي. ونظرا لعدم قابلية النظام الاقتصادي لالمانيا الشرقية البتة للاصلاح، تم الاتفاق على اعتبار النظام الاقتصادي لالمانيا الغربية نظاما موحدا للالمانيتين. وقبل الانتهاء من المفاضات صوت مجلس الشعب (برلمان المانيا الشرقية ) آب 1990 لصالح اعتبار دستور المانيا الغربية دستورا لالمانيا الشرقية على ان يبدأ العمل بذلك في 3 أكتوبر/تشرين الأول 1990 وهو تاريخ الاعلان الرسمي عن الوحدة الالمانية.
هيلموت كول اول مستشار لألمانيا الموحدة
في ليلة الثالث من اكتوبر/تشرين اول 1990 تجمع الآلاف في ساحة مبنى الرايخ للاحتفال بهذا الحدث التاريخي الذي انهى أكثر من أربعة عقود من الانفصال وازال آخر مخلفات الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة. ففي تلك الليلة غرقت برلين في جو من الإحتفالات الصاخبة تخللتها مشاهد العناق والبكاء وتسلق جدران سور برلين وبوابة براندنبورغ الشهيرة وكأن التاريخ توقف عند تلك اللحظة. وفي اليوم التالي عقد اول لقاء في مبنى البوندستاغ للبرلمان الالماني الموحد الذي ضم 663 نائبا من برلمان المانيا الغربية والشرقية. وفي 1990.12.02 اجريت ولأول مرة منذ عام 1933 انتخابات حرة موحدة. وكان الفائز بتلك الانتخابات هو تحالف الحزب المسيحي الديمقراطي (CDU ) وحزب الأحرار ( FDP) بزعامة وزير الخارجية هانس ديترش غينشر. في 17 يناير/ كانون الأول 1991 تم انتخاب هيلموت كول اول مستشار لألمانيا الموحدة ليدخل التاريخ تحت لقب "مستشار الوحدة".
DW