مجلس تنسيق إماراتي-سعودي.. قشة تقصم ظهر "التعاون الخليجي"؟
٩ يونيو ٢٠١٨ما يجمع أقوى دولتين في المنطقة الخليجية، أي الإمارات والسعودية، أكبر بكثير ممّا يفرقهما، فهما فاعلان أساسيان في مقاطعة قطر، وفي الحرب داخل اليمن، فضلاً عن تطابق وجهات النظر بينهما في عدة ملفات كمواجهة الإسلام السياسي والنفوذ الإيراني وتطوّرات "الربيع العربي"، زيادة على تقاربهما مع واشنطن.
المجلس الجديد يأتي بعد عدة أشهر على قرار تشكيل لجنة التعاون المشترك بين الرياض وأبو ظبي، وهو قرار صدر ساعات قليلة قبل انعقاد قمة خليجية جد باهتة لم تصدر عنها قرارات تذكر. كما يأتي هذا المجلس الجديد في أعقاب الذكرى الأولى لاندلاع الأزمة مع قطر واستمرار الشرخ في البيت الخليجي، بشكل يطرح عدة أسئلة حول أهداف هذا المجلس، فهل يتعلّق الأمر ببديل لمجلس التعاون الخليجي، الذي كان إلى عهد قريب، منظمة إقليمية عربية تحمل مواقف موّحدة؟ وهل التوتر مع قطر يعدّ أحد أسباب نشوء هذا المجلس أم أن هناك أسباباً أخرى حتمت قيامه؟
التعاون الخليجي في "غرفة الإنعاش"
في ثنايا هذا المجلس الجديد الذي يأتي لاستكمال اتفاقية بين السعودية والإمارات وُقعت عام 2016، يوجد 44 مشروعاً في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية والاجتماعية. إعلام البلدين كان حريصاً على تأكيد أن المجلس الجديد يدعم منظومة العمل الخليجي المشترك، حتى لا يتم التأويل أن الأمر يتعلّق باستبدال مجلس بآخر. غير أن الصحافي والمحلّل السياسي، عبد الباري عطوان، يعتبر الإعلان الجديد بمثابة "طلاق" بين أبو ظبي والرياض من جهة، وبين مجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى.
وضّح عطوان في حديث لـDW عربية، أن المجلس الجديد يجمع أكبر قوتين اقتصاديتين في المنطقة، بينما يستثني البحرين، الحليف الأبرز للإمارات والسعودية في الخليج، وهو ما يعني أن المجلس الجديد يؤكد دخول "التعاون الخليجي" إلى غرفة الإنعاش منذ مدة. ويتابع عطوان أن مجلس التعاون الخليجي قد يستمر نظرياً، لأن دول الخليج حاولت على الدوام إخفاء الخلافات، وهي تتجنب حالياً الوصول إلى مرحلة إعلان نهاية المجلس، لكن في الوقت ذاته، لم يستطع هذا الأخير، منذ تأسيسه وحتى الآن تحقيق أهدافه، وهو أمر لم يبدأ فقط مع مقاطعة قطر، بل منذ رفض بعض أطرافه تحويله إلى اتحاد، يقول عطوان.
التعلم من "سلبيات" الاتحاد الأوروبي
وفي الوقت الذي لا يتنبأ فيه عطوان بدخول أطراف أخرى في هذا المجلس الجديد، مشيراً إلى أن الرياض وأبو ظبي ترغبان بالاستفادة من سلبيات نموذج الاتحاد الأوروبي الذي تحملت فيه الدول الغنية تبعات انضمام الدول المتوسطة الدخل حتى لا يتكرر الأمر مجدداً، يقول سمير تقي، مدير مركز الشرق للدراسات في دبي، إن لا شيء يمنع أن يتسع هذا المجلس ويضم أطرافا أخرى، مبرزاً في سياق آخر، أن المجلس لن يهدّد التعاون الخليجي وليس بديلاً له: "هناك أزمات داخل الاتحاد الأوروبي حتمت تقارباً ثنائياً بين بعض مكوّناته، ومع ذلك فهو مستمر" يوضح المحلّل لـDW عربية.
غير أن علي الهيل، محلّل سياسي قطري، يحمل رؤية أكثر سوداوية في النظر إلى مستقبل مجلس التعاون الخليجي: "المجلس مات ولم تنقذه غرفة الإنعاش. لن يعود المجلس إلى الحياة مجدداً لأن العطار لا يصلح ما أفسده الدهر، فالشرخ أضحى عميقاً بين أطراف الأزمة وليست هناك أيّ بارقة أمل لتجاوزه" يقول الهيل لـDW عربية، الذي يشير إلى أن المنظومة الخليجية باتت تشهد انقساماً بين معسكرين، معسكر يقاطع قطر، وآخر يتكوّن من عمان والكويت، يقف إلى جانبها، وإن كان ذلك بشكل غير معلن. رأي يتفق معه عبد الباري عطوان، ويخالفه سمير تقي الذي يشدّد على أن عمان والكويت بقيتا على الحياد في الأزمة.
هل المجلس الجديد موّجه ضد قطر؟
بيّنت الأزمة الخليجية حجم الخلاف بين الدوحة من جهة والرياض وأبو ظبي من جهة أخرى بشكل غير مسبوق لم تعهده دول الخليج. ملفات الخلاف متعددة، من أكبرها مؤخراً العلاقة مع إيران، إذ يقول الهيل: "اضطرت الدوحة بسبب الحصار عليها أن تتجه إلى إيران، وهو ما يجعلها اليوم مستهدفة من هذا المجلس السعودي-الإماراتي".
يبّرر الهيل كلامه بما نشرته جريدة لوموند الفرنسية قبل أيام من تحذير الرياض للدوحة برّد عسكري في حال استكمال هذه الأخيرة شراء أنظمة الدفاع الروسية.S 400 لم يصدر أيّ نفي رسمي لما تداولته الصحيفة الفرنسية، لكن في الجانب الآخر يؤكد الهيل أن الدوحة أكملت الصفقة، بل إن شبكة الصواريخ الروسية جرى تركيبها بالفعل في قطر، وفق المتحدث ذاته.
يتفق عبد الباري عطوان مع فكرة أن التعاون الإماراتي-السعودي الجديد موّجه أولاً للتصدي لقطر، لكن له أهدافا أخرى منها مواجهة إيران، وإرسال رسالة إلى أمريكا مفادها أن الرياض وأبو ظبي مستعدتان لمزيد من التعاون مع واشنطن للتصدي لإيران، بينما تبقى تركيا غير معنية كثيرة بهذا المجلس، حسب قول عطوان، لأنها لم تدخل في توتر مباشر مع السعودية والإمارات، والخلاف الأكبر يتجسد في وجود قوات تركية في قطر، وهي قوات تهدف للدفاع أساساً.
غير أن هناك من يرى أن السعودية والإمارات لا تعطيان الكثير من الأهمية للموضوع القطري، خاصة وأن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، سبق له أن صرح أن المشكلة مع قطر "صغيرة جداً وليست مهمة لبلاده". ويؤكد سمير تقي هذا المعطى بقوله إن المجلس الجديد، وإن كان رداً استراتيجياً على "التغيير الثورجي الذي يستخدم الإسلام السياسي وحتى الجهادي لتحقيق أهدافه، والذي يعمل عبر قطر وتركيا وإيران، عبر المراهنة على التنمية الاقتصادية بديلاً للثورة، فإن له أهدافاً أكبر من قضية قطر".
يوّضح سمير تقي أكثر بالحديث عن أن المجلس يهدف عموماً إلى استعادة دور الخليج والعرب في المنطقة، من خلال إعادة مساهمة الخليج في الاقتصاد العالمي، خاصة في مرحلة ما بعد النفط، وذلك لأجل مواجهة عدة تحديات، منها المشاريع الصينية التي تريد التوّسع في المنطقة. هناك كذلك أهداف عسكرية حسب قول الخبير، منها أن دول الخليج لم تصل إلى مستوى عالي من التنسيق في المراقبة والتسلح، مما كان عائقاً أمام القيام بعمليات مشتركة كبرى أو الدفاع المشترك. وهناك كذلك أهداف سياسة بعيداً عن قطر، منها التصدّي للمحاولات التركية والروسية بالتدخل في المنطقة، يضيف سمير تقي.
إ.ع