مجلة لسان: قناة جديدة لنقل الأدب العربي
١٧ أبريل ٢٠٠٦يمكن للمرء وصف العوائق التي يلاقيها نشر الأدب العربي في البلدان الناطقة باللغة الألمانية بأنها صعبة جدا وهو ما يؤكده الكثير من الناشرين والكتاب والمترجمين. ولم يأت معرض فرانكفورت في شهر أكتوبر 2004 ، الذي كان محوره الرئيسي "العالم العربي"، بتغيير يذكر في هذا المجال. فالآثار الإيجابية للأنشطة المتنوعة للمعرض والتظاهرات الثقافية وحصص النقاشات التي دارت هناك سرعان ما خبت جذوتها مباشرة بعد ذلك الحدث. وقد كانت هناك مسحة من الفتور والقنوط تسود المعاينات التقييمية في حلقات النقاش بالمعرض، بخصوص حظوظ رواج الأدب العربي في ألمانيا. وفي مثل هذه الظروف تغدو شجاعة والتزام ناشر صغير من بازل جديرة حقا بالتنويه إليها. فبتأسيسه مجلة للأدب العربي المعاصر، أصبحت هناك الآن أرضية للدفع قدما بعملية التعريف بالأدب العربي، وتوسيع مجال شعبيته داخل البلدان الناطقة بالألمانية. "لسان" المجلة الأدبية الجديدة التي تصدر نصف سنوية ابتداء من الآن، والتي تحمل اسم دار النشر التي يشرف عليها حسن حمد، ستضاف إلى صف العدد المتنامي للمؤسسات والمبادرات التي تسعى إلى ترويج الأدب والثقافة العربيين في المحيط الألماني.
فرصة للكتّاب والمترجمين الشبان
غير أن حسن حمد ورفقاءه يطمحون إلى تحقيق إنجازات أكبر. فالعدد الأول من مجلة "لسان" لا يقف عند حدود تقديم نظرة مفيدة على أعمال كتاب وشعراء عرب معروفين، من أمثال جمال الغيطاني وإبراهيم أصلان(مصر)، أو أمجد ناصر (الأردن). بل هي تبرز في هيأة انطولوجيا متعددة الألوان لأعمال كتاب معاصرين من الشباب تستهويهم مغامرة التجريب. يمكن أن نذكر من بينهم نبيلة الزبير من اليمن، وسوزان عليوان من لبنان، أو مصطفى زكري من مصر، وأمثالهم كثيرون في كافة أنحاء العالم العربي الفسيح، كما يعلن عن ذلك حسن حمد بحماس في افتتاحية المجلة. وفي المجمل احتوى هذا الكتاب على مقتطفات نموذجية من أعمال وبيوغرافيات موجزة لـ21 كاتب وكاتبة، وجرد لمجمل الأعمال الأدبية بالنسبة للبعض منهم، وكل هذا تم باستخدام إخراج بسيط لكنه لطيف ومحبب. ومن الجدير بالذكر أن هذا يعتبر محاولة لإعطاء فرصة لترجمة أعمال كتّاب من الشباب بأقلام مترجمين شبان أيضا، ويكون أكثر من نصفهم من الذين تكوّن اللغة العربية لغتهم الأم، إلى جانب دراستهم اللغة والآداب الألمانية، وهو ما يمثل ظاهرة جديدة إيجابية في الأوساط الأدبية العربية داخل البلدان الناطقة باللغة الألمانية. ومن هذا المنظور تعتبر "لسان" نفسها ورشة للترجمة الأدبية، غايتها تمكين عدد من المترجمين الشبان الذين لم يجدوا منبرا حتى الآن للمساهمة بتجاربهم الأولية في هذا المجال، بعد ان كانت جهودهم لا تحظى بأي ذكر.
تنوع وهيمنة مصري نسبية
وإلى جانب نصوص الترجمات ونبذات السيرة الذاتية التي تعرّف بالكتّاب والمترجمين، فقد ازداد العدد ثراء بنص المقاربة التي قدمتها الباحثة المصرية في اللغة والأدب الألماني، حول صورة الأنوثة لدى كريستا فولف ورضوى عاشور، وكذلك بالقراءة النقدية التي يقدمها منتصر القفاش عن رواية "فاجعة بلا انتظارات" للكاتب الألماني بيتر هندكه. وبالتأكيد كل من كان معنيا بالكيفية التي يتم بها تقبل الأدب الألماني والحكم عليه من الجانب العربي، فإنه سيجد ضالته في هذا النص. أما في ما يتعلق بالطموح المعبر عنه في السعي إلى تقديم نظرة شاملة عن مستجدات وتطورات الساحة الأدبية العربية عن طريق "مقالات موجزة من الصحف ووسائل الإعلام" فلا يبدو أن العدد الأول من المجلة قد أفلح في الإيفاء به. كما أنه لم يكن هناك سوى عدد قليل من نصوص القراءات في الإصدارات العربية الجديدة، وهو أمر يعد مرغوبا ومرتجى من أجل توسيع مجال الاستعراض وجعل مسألة اختيار الكتّاب أكثر شفافية. ذلك أن أمر اختيار الكتّاب العرب الذين تتم ترجمة أعمالهم إلى الألمانية، قد ظل إلى حد الآن مرتهنا إلى حد بعيد بمبادرات شخصية فردية، كما يقر بذلك صاحب مجلة لسان نفسه. ولهذا السبب فإن هدف حسن حمد الذي يطمح إليه في المستقبل هو حسب عبارته "إنجاز بيبليوغرافيا للأدب العربي المعاصر أو قائمة لأكثر الكتب مبيعا". وهو نقص يرتجى تجاوزه، وما من شك في ذلك. إلا أن أغلبية الكتّاب الذين تم اختيارهم هنا كانوا من المصريين، كما أن العدد القادم من المجلة باتخاذه موضوع "القاهرة" محورا رئيسيا، سيمنح مسبقا أولوية للأدب المصري هو أيضا. لكن الساحة الثقافية العربية لا تقف عند حدود مصر، وسيكون من المحبذ إذن لو فسحت المجلة مجالا لبروز تركيبة أكثر تنوعا وشمولية لكتّاب من بلدان عربية أخرى كي تفي بحق ذلك التنوع المثير لـ"العالم العربي الفسيح".
من المحبذ ذكر مصادر المقتطفات النموذجية
نقطة نقدية بناءة أخيرة تفرض نفسها هنا: فسيكون من المحبذ أيضا لو أن المترجمين والناشر كلفوا أنفسهم مهمة ذكر مصادر المقتطعات النموذجية التي يقدمونها، كي يتسنى التعرف على أصل النصوص المترجمة. وإنه جهد ليس بالجسيم لكنه يقدم بين الحين والآخر خدمة هامة لذوي الاهتمام من القراء. وفي المجمل فإن هذه المجلة الجديدة للأدب العربي تمثل دون شك مساهمة ناجحة من أجل مزيد من التعارف، ومن أجل تفعيل الحوار بين فضائين حضاريين غالبا ما يتقابلان ضمن أجواء تتميز بسوء التفاهم. وبما أن مجلة "لسان" لا تضع نفسها في خدمة الترويج لكليشيهات التمثلات الشرقية المتداولة، ولا هي تركز اهتمامها على تيارات الأدب السائد المعروفة لدينا، فإنها تعد مبادرة جديرة بالترحيب بصفتها قناة للحوار الثقافي الأصيل، ونافذة مفتوحة على الآداب وواقع الحياة في البلاد العربية.
بقلم شتيفان ميليش
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة 2006