مباردة لتعليم التلاميذ غناء الراب الأصيل بدلا من راب العصابات
١٤ يوليو ٢٠١٠حركة دؤوبة تعم مركز الشباب المتواجد بحي غريمبرغ بمدينة كولونيا. فهذا اليوم مخصّص لعقد ورشة عمل لتعليم فن الراب ومبادئه، لذلك تغصّ قاعة الموسيقى بهذا المركز بعدد كبير من الأطفال والشباب من مختلف الأعمار. وعند انطلاق العمل تبدو القاعة وكأنها خلية نحل، فالكلّ يعمل في جدّ وتفان. مجموعات تكتب الأغاني هنا وأخرى انتهت من الكتابة هناك وتتمرّن على الأداء. البعض منهمك في اختيار الإيقاع والبعض الآخر يستعدّ لدخول الأستوديو لتسجيل ما خطّت أنامله من كلمات. مثل هذه الأجواء تشهدها العديد من المدارس ودور الشباب في العديد من المدن الألمانية. وهذا في إطار إطلاق مجموعة من المشاريع التربوية الهادفة إلى التعريف بفن الراب الأصيل، ونشر قواعده كبديل لراب العصابات (Gangsta-Rap) المثير للجدل الذي عرف انتشارا واسعا بين صفوف الشباب الألمان.
إقبال على دورات تعليم فن الراب الأصيل
أمين صالح، شاب ألماني من أصول مصرية في الخامسة والعشرين من العمر، يشرف على عدد من ورشات تعليم الراب وثقافة الهيب هوب في بعض مدارس ونوادي مدينة كولونيا. أمين يعشق فن الراب إلى درجة الهوس ويعتبره فنا نبيلا يستطيع المرء من خلاله التعبير عن مشاعره وأفكاره. وقد تعلّم قواعده وتقنياته في سن مبكرة ويحاول نقلها إلى الأطفال من خلال الورشات التعليمية التي يديرها. وتجد هذه الورشات إقبالا واسعا وصدى طيّبا من لدن زوارها مثلما يؤكد على ذلك دنيس، أحد الأطفال الذين يزورون دورات تعليم الراب التي ينظمها أمين في مركز غريمبيرغ للشباب: "أنتظر بفارغ الصبر قدوم يوم الجمعة لآتي إلى هنا، فأمين مٌؤدي راب محترف وأنا أستفيد من خبرته" يقول دينيس، وهو تلميذ في الثانية عشرة من العمر.
ويرى صديقه ريان أنه "شيء رائع أن تٌتاح لهم الفرصة هنا لتسجيل أغاني الراب الخاصة بهم". ويضيف مفتخرا: "الكلمات من توقيعنا واللّحن من اختيارنا والأداء بصوتنا". وهذا هو مسعى هذه المبادرات التي تحاول تشجيع الأطفال والشباب على كتابة أغاني الراب وآدائها بأنفسهم لتكريس ثقافة الإنتاج لديهم بدل اكتفائهم بالاستهلاك من جهة، وتعليمهم فن اختيار كلمات راقية ومواضيع هادفة لتكون محور أغانيهم من جهة أخرى، كما يشدّد أمين على ذلك قائلا: "إنه من الأهمية بمكان أن نساعد المشاركين في اختيار كلمات ذات مضمون أخلاقي مع التركيز على المواضيع التي تهمهم. وبهذا يكونوا قد عبّرو عن أنفسهم من خلال إنتاجاتهم الشخصية".
أولياء الأمور يستنكرون محتوى راب العصابات
وتأتي مثل هذه المبادرات لإعادة الاعتبار لفن الراب الأصيل الذي عرف تراجعا كبيرا منذ انتشار راب العصابات في ألمانيا. هذا الوافد الجديد الذي وجد عٌشاقا كثيرين من فئات الشباب رغم مضامين أغانيه الاستفزازية والمتمرّدة على القيم الأخلاقية، فلا تكاد تخلوا أغاني راب العصابات من الكلمات النّابية والترويج إلى بعض الأفكار الهدّامة مثل العنف واحتقار المرأة والافتخار بالإجرام وبيع المخدرات واستهلاكها. ويعتبر ميسم، تلميذ في السادسة عشرة من العمر، أحد هواة أغاني راب العصابات أنّها "جرّيئة وتعبّر عن الواقع وتسمي الأشياء بمسمياتها" ويزيد على ذلك قائلا: "فإذا ما نظرنا مثلا إلى الظروف السائدة في الغيتوهات، حيث ينحدر أغلب مغنيي الراب، فسنجد لغة العنف هي السائدة وهي وسيلة لفرض الاحترام على الآخرين".
منطق فرض الاحترام عن طريق العنف وغيره من القيم الشاذّة التي ترد في نصوص الأغاني المصنّفة تحت نوع راب العصابات تقض مضجع الفاعلين التربويين وأولياء الأمور.هؤلاء الذين أبدوا صدمتهم وتخوفهم من الآثار السلبية التي يمكن أن تخلفها كلمات ومشاهد فيديو كليب هذا النوع الغنائي "المتمرّد" على النشئ. يقول فينفريد (48 سنة) وأب لطفلين (8 و10 سنوات): "لن أسمح لأطفالي بالاستماع إلى أغاني يتحدث فيها أصحابها عن ضربهم للنساء ووصفهم بالعاهرات الرخيصات، وافتخارهم بمغامراتهم في عالم بيع واستهلاك الممنوعات في دهاليز الغيتوهات، حتى ولو كان ذلك من وحي الخيال". ويتفهم فينفريد مطالبة كثير من السياسيين في ألمانيا بمنع حفلات بعض مغنيي راب العصابات باعتباره تهديدا للقيم الديمقراطية السائدة في المجتمع الألماني مثل التسامح والسلم الإجتماعي والمساواة بين المرأة والرجل. غير أن كثير من الشباب لا يتفهمون هذا الرفض والصّدمة التي عبرعنها الآباء ودعاة حماية الطفولة والشباب حيال هذا النوع الغنائي، كما يظهر ذلك من خلال موقف مارسيل، تلميذ ألماني في السابعة عشرة من العمر، الذي يقول متعجبا: "عن أي صدمة يتحدثون؟ إنها لا توجد إلا في عقول المدرّسين والتربويين الذين يفكرون بطريقة تقليدية. فباستماعي لأغاني راب العصابات لا أكون بالضرورة مضطهدا للمرأة أو أميل لاستعمال العنف"، ويؤكد أن هذه الأغاني بالنسبة له مجرّد عالم افتراضي ينتهي بانتهاء الأغنية.
تكريس قيم الراب الأصيل كبديل
وأكد أندرياس تيميل، أستاذ علوم التربية بجامعة العلوم التطبيقية في مدينة كولونيا والمختص في الثقافات الشبابية في حديث لدويتشه فيله أن "راب العصابات أصبح تقليدا شبابيا لأن الرّاب بشكل عام سهل التعلّم، وهو شكل من أشكال الاحتجاج والمناوأة". ويعترف تيميل أن مواضيع راب العصابات خارجة عن النص الأخلاقي، لكنه نبّه في نفس الوقت إلى ضرورة فهم الأسباب التي تدفع الشباب إلى استحسان هذه الموسيقى والإقدام على استهلاكها قبل إدانتهم أخلاقيا، حسب قوله. وشدّد على أن هذه الموسيقى تٌستهلك خصوصا من طرف فئات معينة من الشباب لا تحظى بحظوظ وافرة لتحقيق الإرتقاء الاجتماعي. ثم تابع تيميل متسائلا: "هل يوجد بديل لراب العصابات؟ هل أعطينا لهواته بديلا أم نكتفي فقط بتوجيه سهام النقد صوبهم؟"
البديل يراه أمين صالح في ثقافة الهيب هوب الذي يٌعتبر الراب أحد فروعها، ويرفض بشدّة اختزال الهيب هوب في راب العصابات الذي يعتبره نشازا لا يمت بأي صلة لهذه الثقافة التي تنبذ العنف والعنصرية وتوحد الشباب وتربط فيما بينهم. وهذا هو الهدف الذي يسعى أمين إلى تحقيقه من خلال دروس الراب التي يقدمها ويزورها شباب من جنسيات مختلفة. ويرى "أنه شيئ رائع وجدير بالإعجاب متابعة كيف يحصل الاندماج بين شباب من ثقافات متباينة قاسمهم المشترك هو شغفهم وعشقهم لفن الراب". ويٌعتبر الاحترام أسمى وأهم خطابات ثقافة الهيب هوب حسب رأي أمين الذي يرى أنّه "إذا ما توفر الاحترام، فلا يمكن العثور على أثر للعنف والعنصرية أو أي شكل من أشكال التمييز ضد المرأة."
وتجذر الإشارة إلى أن ظهور موسيقى الراب التي تٌعرف كذلك باسم الهيب هوب كان في سبعينيات القرن الماضي في الأحياء الهامشية لمدينة نيويورك الأمريكية. وتعتبر هذه الموسيقى أحد أهم ركائز ثقافة الهيب هوب التي تضم ثلاثة فروع رئيسية أخرى، وهي تقنية دمج إيقاعات الموسيقى والأغاني، ورقص الشوارع الأكروباتي، ثم الكتابة والرسم على الجدران. وقد نشأ الهيب هوب في بادئ الأمر كحركة ثقافية تأسست على يد الأمريكيين من أصول إفريقية. وقد جاءت هذه المبادرة كرد فعل عن الحيف والتمييز الذي لحقهم في فترة الستينيات والسبعينيات في الولايات المتحدة، حيث شكل الهيب هوب بالنسبة إليهم وسيلة فنية للتعبير عن أنفسهم وإبراز ثقافتهم.
الكاتب: عادل الشروعات
المراجعة: هيثم عبد العظيم